لم تكن قرية دلجا، التابعة لمركز دير مواس بمحافظة المنيا تدري أن الهدوء الذي تنعم به، سيتحول فجأة إلى مأساة تهز القلوب وتبكي العيون. في صباح بدا عاديًا أصيب ستة أطفال أشقاء بحالة إعياء غامضة، تبعها الأب بنفس الأعراض؛ نُقل الجميع إلى المستشفى، وهناك وقف الأطباء عاجزين أمام لغز محيّر: أطفال يموتون واحدًا تلو الآخر، ثم يلحق بهم الأب، دون سبب واضح، حتى جاءت الإجابة الصادمة؛ جميعهم تناولوا طعامًا مُلوثًا بمبيد حشري. لم يفهم أحد ما الذي يحدث، المشهد كان مأساويا حد القسوة؛ جنازات متتالية، الدموع لا تجف، والقرية كلها عاشت في صدمة وذهول.. وسط المشهد الحزين، برزت صورة زوجة الأب التي ظهرت منهارة تبكي كواحدة من المكلومين، بينما كانت تخفي وراء دموعها جريمة أكبر من أن تُصدَّق، تخفي سُما أشد مرارة من المبيد الذي دسته بيدها لتقتل سبعة أرواح دفعة واحدة دون أن يرمش لها رمش. فالحقيقة التي كشفتها التحقيقات لاحقًا جاءت كالصاعقة، القاتل ليس بغريب، بل أقرب الناس إلى الضحايا.. الزوجة الثانية. امرأة كان يُفترض أن الأمومة جعلت قلبها أرحم، فإذا به يتحول إلى حجر قاسٍ، قادها الغل والغيرة إلى أن تدس السم بيديها في طعام أطفال أبرياء وزوج وثق بها. والسبب؟ الزوج أعاد زوجته الأولى إلى عصمته، فاشتعل قلب الثانية بنيران الغيرة، خافت أن يسرق منها الرجل حبه ومكانته.. غيرة عمياء دفعتها إلى مخطط دموي أنهى حياة سبعة أرواح، وحوّل بيتًا عامرًا إلى مقبرة. المفارقة الموجعة أن القاتلة أم؛ تعرف معنى حضن الطفل ودمعة الصغير، لكنها اختارت أن تغتال البراءة بالسم. أي قلب هذا الذي لم يرتجف أمام صرخات الأطفال يتلوّون من الألم؟، وأي ضمير هذا الذي يواصل التمثيل بالحزن بينما الموت يخطف واحدًا تلو الآخر؟ ربما كانت تعتقد أن جريمتها لن تنكشف، لكنها نسيت قاعدة أزلية "لا توجد جريمة كاملة" ومهما طال الوقت، سينكشف المستور؛ جريمة لم يكن ليكشف خيوطها سوى صبر وجهد رجال المباحث الذين رفضوا الاستسلام لفرضية "القدر"، وبعد تحريات دقيقة ومطولة، سقط القناع عن القاتلة، ووجدت نفسها خلف القضبان، تنتظر عدلاً لا مفر منه، وما فعلته ستراه كوابيسا تنغص عليها حياتها حتى آخر لحظة في عمرها.