منذ لحظة ميلادها على يد «حسن البنا» فى أواخر عشرينيات القرن الماضي، ارتبط اسم جماعة الإخوان المسلمين بالكذب والمراوغة كظلّ لا يفارقها. لم يكن شعار «الإخوان المسلمون» سوى غطاء براق لتنظيم يجيد التلون وتبديل المواقف وفق ميزان القوة والظرف السياسي، حتى صار اللقب الأصدق هو: «الإخوان الكاذبون». اقرأ أيضًا | الخطاب الدينى للإخوان يرفع شعار «الإرهاب هو الحل» التنظيم يجيد التلون وتبديل المواقف وفق ميزان القوة.. والخداع لعبتهم فى بداياتها، قدّم البنا جماعته كتنظيم «دعوي» بحت يبتعد عن دهاليز السياسة، لكن حين تضاعف عدد الأتباع فى نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات، كشف فى المؤتمر الخامس عام 1938 عن الوجه الحقيقى للجماعة، وهو الدخول إلى ساحة السياسة والسلطة لم يكن ذلك تحوّلًا مفاجئًا بقدر ما كان إعلانًا عن نوايا خُبئت عمدًا حتى يحين وقتها. مع هذا التحول، أنشأ البنا «النظام الخاص»، الجناح العسكرى السرى للجماعة، الذى نفذ عمليات اغتيال وتفجير. وأبرز هذه العمليات كانت اغتيال رئيس الوزراء ووزير الداخلية محمود فهمى النقراشى داخل مقر وزارته عام 1948. حينها، سارع البنا للتنصّل من الجريمة قائلًا: «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، رغم أنه المؤسس والمشرف على الجهاز الذى نفذها، ولم يصدر قرارًا بوقف نشاطه حتى قُتل البنا نفسه والنظام الخاص يمارس إرهابه. ثورة 23 يوليو واستمرارًا لمواقف المراوغة وتغيير المواقف وفقًا للمصالح، حين اندلعت ثورة 23 يوليو 1952، سارع الإخوان إلى إعلان تأييدهم للضباط الأحرار، ظنًا منهم أن الثورة ستفتح لهم الطريق إلى السلطة. لكن سرعان ما تبدل الموقف بعد أن رفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إخضاع الدولة لأجندة التنظيم أو السماح لهم بالهيمنة على الحكم. ومع تصاعد الخلافات، لجأت الجماعة إلى خيارها التاريخى المفضل «العنف». وفى عام 1954، تورط جناحها السرى فى محاولة اغتيال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية أثناء إلقائه خطابًا جماهيريًا، فى حادثة كشفت عن الوجه الحقيقى للتنظيم، الذى انتقل من حليف الثورة إلى أخطر أعدائها. وعندما اندلعت شرارة ثورة 25 يناير 2011، التزم الإخوان الصمت فى بدايتها، متحجّجين ب»عدم وضوح الرؤية» وتجنّبًا للمواجهة المباشرة مع الدولة. لكن مع اتساع المظاهرات قررت الجماعة تغيير موقفها فجأة، لتلتحق بالثورة وهى فى ذروتها. لم يكن التحول بدافع المبادئ أو إيمانًا بأهداف الثورة، بل رغبة فى اقتناص اللحظة التاريخية وتحويلها إلى مكاسب سياسية. وبعدها، استخدم الإخوان نفوذهم التنظيمى والمالى للسيطرة على البرلمان وصياغة الدستور بما يخدم مشروعهم الخاص، فى محاولة لتحويل مسار الثورة من حركة شعبية جامعة إلى منصة لتمكين الجماعة وحدها. ما أسسه البنا واصلته أجيال الإخوان اللاحقة: تصريحات منمقة تنفى العنف، وواقع دموى يؤكد عكس ذلك. فبعد ثورة 30 يونيو 2013 التى أنهت حكمهم المظلم، أعاد التنظيم إنتاج ميليشيات مسلحة بأسماء جديدة مثل: «حسم»، «لواء الثورة»، «سواعد مصر»، و«كتائب حلوان»، جميعها بإشراف مباشر من محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد ورئيس اللجنة الإدارية العليا التى كانت تدير التنظيم وقتها. ورغم كل ذلك، خرج إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد، فى حوار مع وكالة «رويترز» لينفى علاقة الإخوان بالعنف، فى مشهد يختصر عقودًا من الإنكار الممنهج. تاريخ دموى التناقض لم يقف عند العنف، بل طال موقف الإخوان من الديمقراطية. ففى 2012 أعلنوا مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ثم دفعوا بمحمد مرسى مرشحًا عنهم. وقبلها أكدوا أنهم لن يسعوا للسيطرة على البرلمان، ثم تحالفوا مع قوى الإسلام السياسى ليحصلوا على الأغلبية. وروجوا لبرنامج «النهضة» الذى لم يكن موجودًا على أرض الواقع، حتى اعترف مرشدهم محمد بديع أن برنامجهم يقوم فقط على «عدم السرقة»! لم يكتفِ الإخوان بالكذب على المجتمع، بل مارسوه داخل صفوفهم، حتى إن الجبهات المتصارعة داخل التنظيم صارت تتبادل الاتهامات بالكذب والتدليس. أما أمام الناس، فقد حاولوا طمس تاريخهم الدموى وإعادة تسويق أنفسهم كضحايا، لكن التاريخ أثبت أن مصلحتهم هى المبدأ الوحيد، وأن تبديل الوجوه ليس إلا جزءًا من بقاء هذا التنظيم الذى عاش على المراوغة منذ ولادته. فى هذا الصدد، قال منير أديب، الباحث فى شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، إن جماعة الإخوان عُرفت بالتناقض منذ تأسيسها على يد حسن البنا، واستمر هذا النهج من مرحلة النشأة وحتى اليوم. وأضاف ل«الأخبار» أن التناقض سمة أساسية فى سلوك التنظيم، إذ يطرح أمرًا ثم ينقضه، مشيرًا إلى أن الجماعة حاولت فى بداياتها أن تظهر فى صورة دعوية بحتة، واستمرت على هذا النهج نحو عشر سنوات، حتى جاء المؤتمر الخامس للجماعة الذى أعلن فيه البنا دخول التنظيم معترك السياسة، وكذلك استخدام العنف إذا تطلّب الأمر، عندما قال: «سنستخدم القوة حين لا يُجدى غيرها». وأوضح أديب أن الجماعة كانت تدّعى محاربة الاستعمار الإنجليزى مبررة بذلك إنشاء تنظيمها المسلح، بينما كانت رصاصاتها تتجه إلى صدور المصريين، وهو تناقض ظل حاضرًا فى ممارساتها منذ نشأتها. واستشهد بما حدث بعد عام 2011، حين أعلن الإخوان أنهم لن ينافسوا على أكثر من ثلث مقاعد البرلمان، لكنهم خاضوا الانتخابات على جميع المقاعد، فضلًا عن نفيهم الدفع بمرشح للانتخابات الرئاسية لكنهم خالفوا ذلك أيضًا. وأشار إلى أن التنظيم يمتلك خطابين مختلفين: أحدهما موجه للداخل بلهجة متشددة ومتطرفة، والآخر للخارج بلغة أكثر مرونة. لافتًا إلى أن بيان مدحت الحداد، القيادى الإخواني، كان نموذجًا لذلك، إذ حمل رسائل للخارج تختلف تمامًا عن خطابه الموجه للداخل عندما اعتدوا على الكاتدرائية بمنطقة العباسية. وأكد أديب أن هذا التناقض يعكس فكر التنظيم وسلوكه، وأن الإخوان يحاولون باستمرار تقديم أنفسهم بصورة تخالف حقيقتهم، لكن وعى الناس بخطورتهم جعلهم مرفوضين، بعد أن اعتادوا على الكذب ورفع شعارات لا تعبر عن أفعالهم. وأضاف أن الجماعة تستقوى بالخارج وتعمل على نشر الشائعات، مستغلة الأزمات السياسية أو الاقتصادية. وإن لم تجد أزمات حقيقية فإنها تسعى إلى صناعتها، مثلما حدث فى مزاعمهم حول إغلاق معبر رفح من الجانب المصري، لتقديم أنفسهم باعتبارهم المدافع عن القضايا الكبرى. معركة الوعي بدوره، أكد إسلام الكتاتني، الخبير فى حركات الإسلام السياسي، أن تنظيم الإخوان لم يتبقَّ منه إلا الذئاب المنفردة مثل حركة «حسم» وغيرها، وهى مجموعات تتحرك فى إطار أوهام ولا تملك القدرة على المساس بمصر. قائلًا إن الأفكار هى أم المعارك، وأن معركة الوعى تمثل الجبهة الأهم فى مواجهة الجماعة، فالأكاذيب والشائعات التى تبثها تحتاج إلى خطة استراتيجية واضحة، لأن «الأفكار لا تواجه إلا بالأفكار». وأضاف الكتاتنى ل«الأخبار» أن الجماعة ترفع شعارات رنانة وزائفة، مستشهدًا بحرقهم العلم الإسرائيلى فى الماضي، بينما فى الحقيقة لا يجدون أى مانع من التعاون معه إذا كان ذلك يصب فى مصلحتهم. موضحًا أن تجار الشعارات داخل الجماعة لا يعملون إلا لمصلحتهم، ويتحركون وفق تعليمات «المُشغِّل»، كما حدث مؤخرًا من تعاون مع الموساد الإسرائيلى فى تنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية فى تل أبيب. وقال: «بالنسبة لهم المصلحة هى المعيار، لا مبدأ ولا قيمة. كل شيء يُقاس بالمكاسب التى يمكن تحقيقها». وأشار الخبير فى حركات الإسلام السياسى إلى أن الجماعة ليست واضحة فى مواقفها، بل تستغل الدين وتُطوّع النصوص الدينية لخدمة أغراضها وأعمالها الدنيئة، ضاربًا المثل بموقفهم من الوقفة أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، متسائلًا: «تحت أى مبرر قبلوا أن يضعوا أيديهم فى يد الصهاينة؟»، واصفًا مواقفهم وتدليسهم بأنها «مثيرة للغثيان». كما تناول الكتاتنى مثالًا آخر على أسلوب الجماعة، وهو الشائعات التى روجتها حول إنزال المساعدات المصرية فى غزة والتقليل من شأنها، حيث خرج القيادى الإخوانى محمد الصغير ليقول إن إسقاط المساعدات «حرام شرعًا»، وهو ما روجت له الأبواق الإعلامية للجماعة فى الفترة الأخيرة. وأضاف: «الإخوان يعتمدون على انقلاب المفاهيم والمعايير، واللعب بالألفاظ، ومحاولة تزييف الوعي». وأكد أن شعارات الجماعة الرنانة ضد إسرائيل كانت تتغير فور وصولهم إلى السلطة، حيث يصبح الحديث عن وجود علاقات وحرص على مصالح إسرائيل أمرًا علنيًا، لافتًا إلى أنهم يتاجرون بالمواقف. وأوضح أن هناك بعض الحركات والتيارات التى تنساق وراء الإخوان وتشارك فى معركة تزييف الوعي، وهو ما يُعد جريمة ضد مصر، لأن هذه الأطراف تصطنع المبررات لعدم تحقيق الاصطفاف الوطنى فى ظل المخاطر الكبيرة التى تحيط بالوطن، بينما يواصلون المتاجرة بالدين والشعارات والحريات. وشدد الكتاتنى على أن الأمر لم يعد خافيًا، إذ قال: «اللعب أصبح على المكشوف»، موضحًا أن القضية لا تتعلق بإخوان مصر فقط، بل تشمل كل الحركات والتيارات التابعة لهم فى المنطقة، والتى تتاجر بدماء شعوبها. وختم تصريحاته بالتأكيد على أن «أكبر معركة نخوضها هى معركة تزييف الوعي، فالإخوان يستهدفون الدين ليجعلوا منه سلمًا للوصول إلى السلطة».