أكرمنى الله بأداء العمرة وقضاء خمسة أيام فى رحاب الكعبة المشرفة طائفا، وبين الصفا والمروة ساعيا وملبيا، وبباب الملتزم متعلقا، وبقُبلة من الحجر الأسود راجيا وفائزا.. الحر قائظ لكن رحمة الله على ضيوفه حاضرة حيث تختفى الشمس وراء الغيوم أوقاتا لتتساقط أمطار غزيرة تلطف الأجواء وتغسل الشوارع والقلوب.. الزحام شديد وكأننا فى موسم الحج حيث تكتظ ساحات الحرم والشوارع المؤدية اليه بمئات الآلاف من المعتمرين من جميع الجنسيات العرب والعجم ومختلف الألوان واللغات. أعشق الجلوس فى صحن الكعبة فى النصف الأخير من الليل حيث يقل الزحام كى أستمتع برؤية الكعبة المشرفة التى تهفو إليها قلوب المسلمين فيأتون من كل فج عميق. استعدت قصص القرآن الكريم التى تروى لنا كيفية بناء سيدنا إبراهيم الكعبة مع ابنه إسماعيل ودعوته «ربنا إنى أسكنت من ذريتى بوادٍ غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون».. تذكرت مناسبة السعى بين الصفا والمروة.. تذكرت رؤيا سيدنا إبراهيم فى المنام بأنه يذبح ابنه إسماعيل وتعجبت من الطاعة العمياء من الابن البار لأبيه حتى ولو كلفته حياته.. تذكرت معجزة السيدة هاجر زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهى أم الذبيح إسماعيل، من أجل ولدها بعد أن تركهما سيدنا إبراهيم بوادٍ غير ذى زرع فى صحراء مكة الجرداء دون طعام ولا ماء تنفيذا لامر السماء . جلست أتأمل وجوه المعتمرين لأجدهم بين طائف وراكعٍ وساجدٍ وداعٍ وباكٍ يذرفُ دموع التوبة والرجاء يلتمسون الرضا والغفران والراحة قليلًا من معارك الحياة وكلهم يقين انه فى هذه البقاع المقدسة تستجاب الدعوات، وتقضى الحاجات وتمحى السيئات وتتضاعف الحسنات وتؤمن الروعات وتستر العورات وتزول الهموم وتتلاشى الكربات وتتضاءل الدنيا أمام جلال رب الأرض والسماوات. الحضور المصرى طاغ فى الأراضى المقدسة وأسعدنى خلال الطواف والسعى بين الصفا والمروة ما سمعته من بعض المعتمرين الذين كانوا يدعون لمصرنا الحبيبة. وعن الجهود الجبارة التى تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين حدث ولا حرج.. كبيرة لاستيعاب اكبر عدد من ضيوف الرحمن وتواجد أمنى مكثف وتقدير واحترام لكل الجنسيات. نعتمر ونعود إلى بلادنا وندعو الله ان نعود مرة أخرى لتظل ذاكرة الرخام الأبيض للحرم لا تختزن إلا ثلاثة أشياء: بصمات جباه الساجدين، وراحة أقدام المهرولين، وتمتمات نداء التائبين، والجميع يقولون: آمين .