لم تكن «مطاردة طريق الواحات» مجرد حادث عابر على الأسفلت، بل جريمة أخلاقية مكتملة الأركان، كشفت عورات مجتمع يتهاوى فيه ميزان القيم. ثلاث سيارات يقودها شباب جامعيون، تحوّلت إلى أدوات رعب تلاحق ثلاث فتيات، بلا رحمة ولا وازع من ضمير، لمجرد اللهو الرخيص وإشباع نزعة لا تمت للرجولة بصلة. لحظات جنون، كانت كفيلة بتحويل النزهة إلى كابوس، والضحكة إلى صرخة، والحياة إلى لحظة على حافة الموت. وما يزيد من بشاعة المشهد أن هؤلاء الشباب طلاب فى كليات مرموقة، يفترض أن يكونوا قدوة فى العلم والتحضر، ولا أعرف أى علم هذا الذى لم ينجح فى تهذيب النفوس وغرس القيم! وأى تربية تلك التى تخلت عن أبسط مسؤولياتها؟ والمؤلم أكثر من الحادث ذاته، دفاع الأهالى عن أبنائهم بحجج واهية، لا من باب الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية، بل بالحديث عن تعليمهم فى كليات مرموقة تارة، وأخرى بالبحث عن شماعة «ملابس الفتيات»، وكأنها جواز مرور للجريمة، أى منطق أعوج يبرر استباحة أرواح الناس بسبب مظهر أو زي؟ وكيف يصبح التعليم غطاءً للانحراف، وتتحول الشهادات إلى أوراق تبرئة؟ إن التعليم بلا تربية قد يكون أخطر على المجتمع، لأنه يفرز مهندسًا مرتشيًا، وطبيبًا بلا ضمير، واقتصاديًا بلا قيم! إن ما أنقذ هذه القضية من الطمس والنسيان، شجاعة شخص استخدم كاميرا هاتفه المحمول فى تصوير تفاصيل المطاردة، ليكون هذا الفيديو وثيقة اتهام تكشف الجريمة، وتساهم فى إنقاذ حق الفتيات، وتحويل الواقعة إلى قضية رأى عام، وأثبت أن التكنولوجيا يمكن أن تكون سلاحًا فى مواجهة الانحراف، وحماية الأرواح، إذا أحسنا توظيفها. خاصة أن حادث الواحات هو حلقة من سلسلة مظاهر الانحدار الأخلاقى التى أصابت مجتمعنا: تحرش فج، مطاردات، عنف لفظى وجسدي، واستهتار بالقوانين وبأرواح الآخرين، كلها أعراض لمرض اجتماعى اسمه «تشويه العقل الجمعي». تقديرى أن هذه الواقعة جرح فى جسد المجتمع، لكنها أيضًا فرصة لمصارحة النفس، فإذا لم نُعِد الاعتبار للتربية قبل التعليم، وإذا لم يتحمل الآباء مسؤولية تقويم أبنائهم بدلا من الدفاع عن جرائمهم، فإننا نؤسس لمستقبل يزداد ظلاما، فالأوطان لا تُبنى بشهادات فارغة، ولا ترتقى بمظاهر زائفة، بل بأخلاق راسخة تحمى الأرواح وتصون الكرامة وتبنى مجتمعًا إنسانيًا جديرًا بالحياة.. إن أرواح الناس ليست لعبة، والعبث بحياة الآخرين ليس «شطارة» ولا «رجولة»، بل سقوطا إنسانيا يستحق العقاب الحازم والتقويم الصارم.