من يتابع الصحف العالمية خاصة البريطانية اليوم يشعر ليس فقط بالفخر والسعادة والزهو بالنجم العالمى محمد صلاح، ولكن بحقيقة التقصير من جانبنا بحق هذا النموذج الانسانى الرائع. صلاح أكثر من مجرد لاعب كرة. صلاح أسلوب حياة.. أو هكذا يجب أن يكون. بعد أسبوع واحد من تحقيقه رقما قياسيا فى افتتاح البريميرليج ، كأكثر لاعب فى تاريخ البطولة الانجليزية العريقة يسجل أهدافا فى المباريات الافتتاحية لأقوى الدوريات الكروية فى العالم، بإحرازه الهدف العاشر له؛ احتفل النجم المصرى العالمى بجائزة كبيرة وجديدة بتتويجه الليلة الفائتة باختيار رابطة الأندية المحترفة له كأفضل لاعب بالدورى الانجليزى عن الموسم الماضى. صلاح نال هذه الجائزة المعتبرة للمرة الثالثة. لا أحد غيره سبقه لهذا المجد. انه فقط الفرعون. تبارت الصحف العالمية فى وصف النجم العالمى وتسجيل الدهشة لاستمراره اللافت بقوة ونهم فى تحقيق الانجازات وتكسير الأرقام القياسية. يا إلهى.. مازال يتوهج! صلاح الذى احتفل فى يونيو الماضى بعيد ميلاده الثالث والثلاثين، لايزال يتحدى أرقام الآخرين، وصدق حين قال للموقع الرسمى للرابطة الانجليزية ليلة تتويجه: «عندما كنت فى مصر لم أكن أتخيل ما وصلت إليه، كان كل هدفى أن أكون لاعبا مشهورا وأن أتمكن من مساعدة عائلتي، لكن عندما تكبر ترى الأمور بشكل مختلف ويكون لديك طموحات كبيرة». هذه العبارة الأخيرة تمثل نقطة عبقرية فى مسيرة صلاح وتبين كيف يجب أن يكون أسلوب حياة ليس فقط لكل لاعب كرة أو رياضى ولكن لأى إنسان يرغب فى النجاح فى عمله ثم يبحث عن كيفية الاستمرار فى نجاحه. عبقرية صلاح ليست فقط فى كيفية شقه طريق المجد وسط أشواك الانجليز ولا كيف أنه عاد للدورى الذى رفضه فيه تشيلسى وقلل من امكاناته وأعاره بثمن بخس وكان فيه من الزاهدين. ليعود بصرخته المدوية وعزيمته الفولاذية مطورا قدراته ومغيرا أسلوب لعبه وحياته ودماغه وبسرعته الفائقة وأهدافه الغزيرة رد اعتباره مخترقا كل الصفوف للقمة.. لكنه وفوق كل هذا تكمن عبقرية ابن قرية نجريج بالغربية فى الاستمرارية. صلاح فى كل موسم يبدو أكثر شبابا وحيوية ونهما لتحقيق مزيد من الانجازات. صلاح لن يبرح بلاد الانجليز حتى يقضى على كل ما لديهم من أرقام ورموز. صلاح وحده هو المجد. شاهدت بأم عينى فى الشيشان التى استضافت معسكر منتخب مصر بكأس العالم بروسيا فى صيف العام 2018، صور محمد صلاح تكسو واجهات البنايات العالية والحافلات العامة.. كل مكان فى جروزنى كنا نجد صورة صلاح وفرحة صلاح.. والفخر بما يقدمه صلاح. لمجتمعنا، وليس لصلاح، مطلوب تدارس وتدريس نموذج هذا النجم، ليس تكريما ولا تسويقا أو تفخيما له، ولكن للاستفادة من تجربته وحكايته.. كيف لإنسان أن يدخل عالما جديدا عليه فى ثقافته ولغاته وأسلوب حياته ولعبه وتدريبه وأفكاره ثم يواجه رياحا عاتية من الطبيعى أن تعصف به وتعيده لحضن قريته ودفء أهله وناسه؟ لكنه يتحمل ثلوج البلاد الغريبة ويسهر على نفسه.. يتعلم لغاتهم ويعيش ما يناسبه من ثقافتهم ويطور نفسه وفكره وأسلوب حياته ولعبه.. وعضلاته.. ثم يبدأ، كما قال فى كلامه الأخير، يعدل بوصلة طموحاته مع كل مرحلة ويرغب فى المزيد. نهم صلاح لا يتوقف وتوهجه لا يخمد.. استمرارية صلاح عبقرية خالصة، وحسن ادارته لحياته وقراراته ومسيرته درس آخر. صلاح مش سايب نفسه للصدفة. صلاح تديره مؤسسة تعرف كيف تعدل جيدا بوصلة طموحاته مع كل مرحلة. صلاح نموذج انسانى ثرى جدا.. يستحق أن يكون درسا أساسيا فى مناهجنا التعليمية. لربما نستفيد منه.