فى سنوات قلائل بات الذكاء الاصطناعى يقود العالم أمامه بسرعة مرعبة،بل لعله أشبه مايكون براعى الأغنام وهو يمسك بعصاه يحدد لأغنامه مسيرها وتوقفها واتجاهها. لكن حين يصل إلى الإفتاء في مسائل الدين والعقيدة والحلال والحرام والمباح والمكروه لابد من التوقف بانتباه وتقييم دقيق لهذا الدور الخطير. من هنا كانت أهمية المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي نظمته دار الإفتاء المصرية، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تحت عنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعى". الذكاء الاصطناعى هذا التطور التقنى الرائع دون شك،قد يصبح مروعا مع إهمال خطورته فى عالم الفتوى، فكما قال الدكتور يوسف بلمهدي، وزير الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر،فى كلمته إن المفتي الرشيد ليس مجرّد حافظ للنص أو ناقل للحكم، بل عالم بالشريعة ومدرك للواقع ومتمكن من أدوات العصر، وواعيًا بأبعاد التقنية وقادرًا على أن يقدّم فتوى مؤصلة ورشيدة وموثوقة تحقّق المصلحة وتدفع المفسدة. كل هذه العوامل التي تتكون منها الفتوى يأتي الذكاء الاصطناعى هكذا في جزء من الثانية ليقدم إجابة عن استفسار أو فتوى في مسألة بعد عمليات خوارزمية شديدة التعقيد في فيمتو ثانية أو في أحدث اكتشاف أوتو ثانية! وهو ما يوجب علينا فى العالم العربى ، ومن ثم ، الإسلامى أن نخوض هذا العالم التقنى بكل جهد مستطاع علما ومشاركة فى توظيفه بما يناسب احتياجاتنا ويتوافق مع خطورة دوره فى عالم الإفتاء،ومن المبشرات فى هذا الصدد أن تتوسع مصر فى إنشاء وافتتاح كليات متخصصة لدراسة الذكاء الاصطناعى.نعم حان وقت فتح الأبواب وتذليل كل المستطاع من ميزانيات تصب فى سبيل المشاركة لا مجرد الاعتماد على مايفرزه الغرب من تقنيات تعتمد على ما يتاح لها من مادة علمية أو تاريخية أو دينية موجهة أحيانا يحزن النفس أن مقدار المشاركة العربية الإسلامية فيها نزر يسير،فضلا عما يتم التلاعب فيه بواسطة المستشرقين والمستغربين والمذاهب الضالة من كتب تتوارى خلف عناوين فقهية تختلط فيها الأمور ولا يفرزها إلا دارس متخصص ،وتكون النتيجة أن الذكاء الاصطناعى أو الشات جى بى تى أو جوجل كروم يتعامل مع ماهو أمامه من نصوص وكتب فى حاجة للمراجعة والفرز،وبطبيعة الحال فإن من يسأل الذكاء الاصطناعى وينتظر فتواه يكون فى غالبه الأعم جاهلا بالأمر وعلى استعداد لتلقى أى نتيجة دون توقف عند مافيها من أخطاء متعمدة ترضى نفس السائل وتريح مايميل إليه،وتكون نتيجتها على المدى القريب أو البعيد فقها موازيا للفقه الأصلى الموروث عن فقهاء كل العصور الإسلامية يتشابه معه فى الشكل ويتشاكس معه فى المضمون،والمحصلة صراعات جديدة بين المتحفظين وبين محبى التجديد والتيسير مهما كان على غير أساس،فالمصيبة وقتها أن الأساس سيكون مؤرشفا كلية على المواقع والبرامج التى سيستغنى بها السائلون غالبا عن المفتى البشرى،بل شيئا فشيئا ستتحول نظرة كثير من الشباب للمفتى التقليدى ودور الإفتاء باعتبارها مواريث قديمة عفّى عليها الزمن ،ويجد سائل الفتوى أمامه ردا على سؤاله فى التو واللحظة،بل سيجدها قريبا بمجرد تفكيره فيها أو ورودها على خاطره. هو سجال صعب لابد أن نخوضه بروح العصر،وإذا كان مهما وجميلا أن تنتبه دور الإفتاء فى العالم العربى والإسلامى بقيادة مصر إلى هذه المسألة فلاشك أن الأهم والأجمل هو أن تكون هناك خطة عربية إسلامية موحدة تتوحد فيها الجهود وتتكاتف فيها الإمكانيات الواسعة للعرب والمسلمين لخوض هذا المجال بمفهوم يناسب هويتهم وعقيدتهم،ولماذا لايكون هناك برنامج ذكاء اصطناعى عربى إسلامى يكون مشروعا للأمة العربية والإسلامية قبل نهاية هذا العقد من القرن الحادى والعشرين؟