لا أبالغ حين أقول إن صناعة الشائعة فن، لا يجيده إلا أولاد الأبالسة، وهم كُثُر ويشهد التاريخ على ألاعيبهم لتخدير العقول، وإلباس الحق رداء الباطل والعكس، وربما كان الأمر أكثر تعقيدًا في الماضى لبناء شائعة وإطلاقها، بينما الحال تبدلت الآن في زمن سمته الرئيسة هى التكنولوجيا الحديثة. أبلغ وأقرب مثال على فن صناعة الشائعات الذى شهد تطورًا كبيرًا فى الآونة الأخيرة، مقطع الفيديو الذى انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار فى الهشيم، لحوت من نوع «أوركا» هاجم مدربته «جيسيكا رادكليف» التى تقدم عروضًا ترفيهية، قبل أن يلتهمها وسط صدمة المتفرجين. انطلق الفيديو من منصة «تيك توك»، وسريعًا تلقفته كل منصات السوشيال ميديا، وظل ينتشر على مواقع التواصل لمدة يوم كامل من دون أن ينتبه أحد إلى أن المقطع لم يُشِر إلى البلد الذى حدثت فيه تلك الحادثة، ولم يفكر أحد فى البحث عن أصل الواقعة للتحقق من مدى صدقها، فحتى الآن لم تصدر أي جهة أو منظمة معنية بالمخلوقات البحرية فى العالم كله أى بيان يفيد بوقوع الحادثة من الأساس. الغريب أيضًا في هذه الواقعة المزعومة، أن بعض الذين أعملوا عقولهم أرادوا الاستوثاق بطريقتهم ففتشوا عن اسم المدربة جيسيكا رادكليف فلم يجدوا له أى أصل أو وجود فى عالم البحار أو الفضاء. نتعلم من هذه الحادثة الزائفة درسًا مهمًا وهو أن كثيرًا من الأخبار التى تبدو مثيرة هذه الأيام مصطنع ومفبرك.. والبركة فى الذكاء الاصطناعى الذى يستخدمه أيضًا «أهل الشر» ودعاة التخريب والهدم من عناصر جماعة الإخوان الإرهابية لتشويه صورة مصر ونشر أكاذيب لا أصل لها.. فانتبهوا من صنّاع الشائعات.