حين يتكلم الورق، لا بد أن تُكتب الحقيقة بمداد الفخر، وهى يد تبنى خير ألف مرة من يد تخرب، هذه ليست جملة إنشائية أو شعارًا على لافتة، بل مشهد حىّ رأيته على أرض الواقع فى قلب العاصمة، أمام سنترال رمسيس. قبل أيام قليلة، قررت ترك مقعد القيادة ومفاتيح السيارة فى المنزل، لا من باب ممارسة رياضة المشى، إنما بدافع الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة التى تخفيها سرعة السيارات وضجيج الطرق والكبارى. انطلقت من أمام مؤسسة أخبار اليوم بشارع الصحافة، مستعيذا ذكريات أيامى الأولى فى بلاط صاحبة الجلالة عام 2004 ، أتنقل بين شوارع وسط البلد بحماسة الشاب الذى يكتشف مدينته من جديد، خطوت حتى وصلت بداية شارع 26 يوليو،عند مبنى دار القضاء العالى، حيث التاريخ يختلط برائحة الورق والحبر. لكن فضولى دفعنى للعودة للخلف، لأتجه إلى شارع رمسيس، كان الهدف واضحًا ، أن أرى بعينى ما تبقى من سنترال رمسيس، بعد الحريق الذى التهم جزءًا منه مؤخرًا، وسط سيل من الشائعات التى زعمت أن المبنى خرج من الخدمة نهائيًا . المشهد الميدانى هناك هو خلية نحل لا تعرف التوقف ، تسمرت قدماى، لم أجد ركامًا ولا جدرانًا متفحمة تنتظر قرار الإزالة، بل وجدت مشهدًا وطنيًا صافيًا، مئات الأيدى المصرية تعمل بتناغم مذهل ، كأنهم أوركسترا وطنية لا تعزف إلا لحن البناء ، تصنع سيمفونية صامتة تقول بوضوح هذا المرفق سيعود أقوى مما كان ، سندرك أن عودة سنترال رمسيس للخدمة ليست مسألة فنية فقط، بل جزء من معركة أوسع لترسيخ مبدأ أن البنية التحتية الوطنية خط أحمر. خلال مغادرتى لشارع رمسيس، كانت العبارة التى بدأت بها زيارتى تعود لتطرق ذهنى بقوة يد تبنى وتعمر، خير ألف مرة من يد تخرب، سيعود سنترال رمسيس، لا نسخة مما كان، بل كرمز لإرادة دولة لا تعرف الاستسلام أمام الحوادث، وشعب يملك من الحرفية والانتماء ما يكفى لكتابة فصول جديدة من قصة البناء المصرى.