في زمن أصبح فيه الولاء نادرًا، وتَبدَّلت فيه الانتماءات بتقلب العروض، كان الكوري الجنوبي سون هيونج مين، الاستثناء الصادق في معادلة كرة القدم الحديثة، عشرة أعوام من التألق والوفاء، قضاها نجم قارة آسيا فى أحضان توتنهام، ليُسطِّر خلالها واحدة من أعظم القصص الفردية في تاريخ النادي الإنجليزي. سون لم يكن مجرد مهاجم بارع أو جناح حاسم، بل كان رمزًا لعصر كامل فى توتنهام، فهو محبوب الجماهير، وأيقونة الفريق، وقائدًا فى الميدان وخارجه، رحيله فى صيف 2025 شَكَّل لحظة عاطفية جارفة لكل مَن تابع البريميرليج، وجعلنا نعود بالزمن لنرصد أبرز مشاهد صنعت هذه الأسطورة الكروية التى لن تُنسى. ◄ ثنائية مميزة مع كين منذ وصوله شمال لندن في صيف 2015 قادمًا من باير ليفركوزن الألماني، التقى سون بهاري كين، مهاجم إنجلترا الأول، وبدأت بينهما شراكة كروية نادرة لا تحدث كثيرًا، تحولت علاقتهما في الملعب إلى ماكينة تهديفية مرعبة، تَخطَّت الأرقام التقليدية وكتبت نفسها في تاريخ الدوري الإنجليزي. معًا، ساهم الثنائى فى تسجيل 37 هدفًا ما بين الصناعة والتسجيل في البريميرليج، وهو رقم تاريخى وضعهما فوق ثنائيات شهيرة مثل دروجبا ولامبارد. وفي موسم 2020/2021، كان سون وكين الأكثر تعاونًا في موسم واحد بتاريخ الدورى، حيث صنعا وسجلا لبعضهما 14 هدفًا، ليُحطما رقمًا كان صامدًا لسنوات. لم يحصد الثنائى لقبًا مع توتنهام، لكن تأثيرهما الفنى كان أكبر من أى كأس، وقَدَّما للكرة الإنجليزية نموذجًا خالصًا من التفاهم والانسجام. ◄ اقرأ أيضًا | رحيل سون يقرب رودريجو من توتنهام ◄ رفض الرحيل توالت الأجيال وتَبَدَّلت الأسماء فى تشكيلة توتنهام، فرحل النجوم الواحد تلو الآخر، حتى شريكه المفضل هارى كين، قرر مغادرة القارب مُتجهًا إلى بايرن ميونخ عام 2023 بحثًا عن البطولات، وتبعه آخرون. لكن سون كان استثناءً نادرًا، رفض الرحيل رغم العروض الأوروبية المغرية، ظل متمسكًا بحلمه فى التتويج بقميص السبيرز، فكان عنوانًا للولاء والانتماء، حتى فى أحلك فترات النادى، واستمر فى القتال، فى القيادة، فى التسجيل، حتى تَحَقَّق الحلم أخيرًا عام 2025. ◄ موقعة دوري الأبطال في نسخة دورى أبطال أوروبا 2018 /2019، لمع نجم سون بشدة، خاصة عندما غاب هارى كين للإصابة، فحمل الكورى عبء الهجوم على كتفيه، وكان حاسمًا فى أبرز موقعة للفريق. فى ذهاب ربع النهائى أمام مانشستر سيتي، سَجَّل هدف الفوز الوحيد على ملعب توتنهام الجديد، وفى الإياب، تألق مُجددًا وسجل هدفين رغم خسارة فريقه 3-4، لكنه منح الفريق بطاقة العبور التاريخية إلى نصف النهائى بقاعدة الأهداف خارج الأرض. تلك الليلة، تَحَوَّل سون من نجم محبوب إلى بطل خالد فى ذاكرة الجماهير، واستكمل مشواره حتى النهائي، حيث خسر أمام ليفربول، لكنه خرج من البطولة مرفوع الرأس. ◄ بوشكاش.. اللقطة الخالدة في ديسمبر 2019، استلم سون الكرة من أمام منطقة جزاء توتنهام، وانطلق كالسهم مخترقًا دفاعات بيرنلى واحدًا تلو الآخر، حتى وصل إلى المرمى وسجّل هدفًا وُصف بأنه من أعظم الأهداف فى تاريخ البريميرليج. ذلك الهدف لم يكن فقط جميلًا، بل كان تعبيرًا حيًا عن مهارات سون المتكاملة، السرعة، الرؤية، السيطرة، والحسم، ونال عليه جائزة بوشكاش لأفضل هدف فى العالم عام 2020. ورغم أنه إنجاز فردي، إلا أن جماهير توتنهام احتفلت به وكأنه بطولة، فحين يسجل نجمك هدفًا كهذا، تشعر بأنك فزت بشيء لا يُقَدَّر بثمن. ◄ البطولة المُنتظرة بعد سنوات من المطاردة، من الوصافة، من الحسرة، جاء الفرج أخيرًا، وفى موسم 2024/2025، قاد سون، توتنهام إلى التتويج بلقب الدورى الأوروبى على حساب مانشستر يونايتد، مُحققًا أول بطولة له مع النادي، وأول لقب أوروبى منذ عقود للسبيرز.. لم يكن مجرد لاعب ضمن الفريق، بل كان النجم الأبرز، القائد، الهداف، والرمز الذى قاد الحلم حتى نهايته السعيدة، ومع رفع الكأس، بكى سون، وبكت جماهير توتنهام، فالمشهد كان ختامًا مثاليًا لمسيرة أسطورية. ◄ نهاية لا تُنسى أعلن سون رحيله رسميًا عن توتنهام صيف 2025، بعد أن خاض 454 مباراة، سجل خلالها 173 هدفًا وصنع 101 آخرى، ليُصبح أحد أعظم لاعبى النادى على مر تاريخه. رحيله لم يكن مجرد خبر، بل كان لحظة وداع لأحد أعمدة الفريق، وواحد من أكثر اللاعبين احترامًا وتقديرًا فى تاريخ البريميرليج، ومشاهد سون التى تحدثنا عنها لا تكفى لسرد كل ما قدمه، لكنها تكفى لتخبرنا لماذا أصبح أسطورة. فمَن مِنا لا يُحب سون، النجم الذى لم يلعب فقط، بل عاش وأخلص، وكتب اسمه بحروف من ذهب فى تاريخ توتنهام.