"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، بيت شعري خلده التاريخ، لكنه أصبح اليوم جرس إنذر في وجه جيل يتهاوى تحت وطأة "التريند واللايك والمشاهدات"، جيل يلهث خلف الشهرة ولو على حساب القيم والمتجارة بالأخلاق. نشهد هذه الأيام، حملة تطهيرية كبرى تقوم بها وزارة الداخلية من ضبط وإغلاق حسابات وتحقيقات وتحريات كبرى كلها تصب في اتجاه واحد وهو إنقاذ ما تبقى من قيمنا المصرية الأصيلة، ضد "البلوجرز أو التيك توكرز"، الذين اختاروا طريق الإسفاف والانحلال لتحقيق أرباح سريعة، ضاربين بكل القيم والأخلاق عرض الحائط. تحركت الداخلية في هدوء تام، لمتابعة متخذي طريق الإسفاف، حتى جمعت كل المعلومات والإدانات لتضرب بيد من حديد، في محاولة لإعادة ترتيب المشهد الأخلاقي من جديد. هؤلاء "البلوجرز" الذين يملأون شاشات الهواتف بالمحتوى الدنيء، لم يكتفوا بتقديم ألفاظ نابية وحركات مبتذلة واستعراضات مريضة، بل اتخذوا من "الرخص" بابًا للتربّح، ومن الإسفاف مهنة تُمارس على العلن. والأخطر من ذلك، أن بعض الأسر نفسها باتت شريكًا في هذه الجريمة الأخلاقية، تدعم أبناءها، وتُهيئ لهم كل سبل "الراحة الفاسدة"، في مقابل حفنة من الأموال، دون وعي بعواقب ما يصنعون، وكأن القيم لم تعد شرطًا للنجاح. وفي مقالي السابق بعنوان "تريند يقود ولايك يغسل العقول"، حذّرت من هذه الآفة المدمرة، التي تتسلل إلى بيوتنا عبر الشاشات الصغيرة، لتهدم بنيان الأسرة المصرية من الداخل، وتعيد تشكيل مفاهيم القدوة والنجاح بشكل مقلوب. هذه الآفة نخرت في صلابة الأسر، وتحولت إلى وباء أخلاقي، حتى امتد ليكون إجرامي مع اتهامات بالترويج للمخدرات، وغسيل الأموال، واستغلال المنصات لتحقيق أرباح غير مشروعة. ففي زمننا هذا أصبحت السوشيال ميديا واقع لا يمكن تجاهله، كيف نحمي الأجيال القادمة من هذا الانحدار؟، كيف نمنحهم التكنولوجيا دون أن نفقدهم طريق الأخلاق؟، في ظل وجود نماذج هابطة تتصدر المشهد. وفي خضم هذه المعركة الصامتة، التي تقودها وزارة الداخلية من حملة تطهير شريفة، مطالبون جميعا بدعم هذه الجهود من خلال الوعي والمقاطعة ورفض هذا النوع من المحتوى السام، فالمسؤولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها. فمصر التي أنجبت الفراعنة، وورثت القيم جيلًا بعد جيل، لن تفرط في أصالتها أمام محاولات هزيلة لهدمها، لذلك أتمنى تطبيق عقوبات رادعة بلا رحمة على هؤلاء، ليكونوا عبرة لكل من تسول له بالتفكير في تكرار هذه الأفعال، فالمسألة لم تعد رأيًا أو حرية تعبير، بل أصبحت خطرًا يهدد قوام المجتمع. كل التحية والتقدير للعيون الساهرة في وزارة الداخلية، التي عملت في صمت، وفاجأتنا بحملاتها القوية ضد دعاة الفسق والفجور دفاعًا عم قيم بلد يستحق أن يعيش أبناؤه بأخلاق لا بالتريندات.