كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    فيضانات مدمّرة تجتاح ألاسكا وحاكمها يطالب ترامب بإعلان حالة كوارث كبرى (صور)    ياسين منصور: سيد عبد الحفيظ رجل المرحلة وابتعدت أيام حسن حمدي لأنهم اعتبروني "شوال فلوس"    فالنسيا يتعادل مع ألافيس سلبيا في الدوري الإسباني    ديربي لندن، وست هام يسقط بثنائة أمام برينتفرود في صراع البقاء بالدوري الإنجليزي    قرار عاجل ضد المتورطين في قضية شيكات المطربة بوسي    أول تحرك من أوقاف الإسكندرية في محاولة سرقة مكتب بريد عبر حفر نفق من داخل مسجد    هل تفكر هنا الزاهد في تكرار تجربة الزواج مرة أخرى؟ الفنانة ترد    أهلي جدة يحقق فوزًا مهمًا على الغرافة في دوري أبطال آسيا    قائمة بيراميدز في مواجهة فاركو بالدوري    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    النواب البحريني: نتطلع لتهيئة مسار سلام يعيد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين    زيلينسكي: نسعى لعقد طويل الأمد مع أمريكا لشراء 25 منظومة باتريوت    مصطفى الشهدى حكما لمباراة الأهلى والاتحاد.. ووفا للمصرى وسموحة    الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. حماس: ملتزمون بوقف إطلاق النار والاحتلال لديه ثوابت لاختراق الاتفاق.. ترامب يهدد بفرض رسوم على الصين تصل ل175%.. جهود لإنقاذ ناقلة نفط تشتعل بها النيران في خليج عدن    أخبار 24 ساعة.. صدور قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    إرسال عينات الدم المعثور عليها فى مسرح جريمة تلميذ الإسماعيلية للطب الشرعى    على طريقة فيلم لصوص لكن ظرفاء.. حفروا نفقا داخل مسجد لسرقة مكتب بريد "فيديو"    وزارة العمل: قرارات زيادة الأجور لا تصدر بشكل عشوائي بل بعد دراسات دقيقة    بسمة داوود تكشف لتليفزيون اليوم السابع سبب توترها على الريدكاربت بالجونة    الموت يفجع الفنان حمدي الوزير.. اعرف التفاصيل    بالصور.. وزير الثقافة يقدم واجب العزاء في والدة أمير عيد    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    تحالف مصرفي يمنح تمويل إسلامي بقيمة 5.2 مليار جنيه لشركة إنرشيا    توم براك يحذر لبنان من احتمال مهاجمة إسرائيل إذا لم ينزع سلاح حزب الله    أشرف عبد الباقي عن دوره في «السادة الافاضل»: ليس عادياً ومكتوب بشياكة    ترامب: الولايات المتحدة تمتلك أسلحة متطورة لا يعلم الآخرون بوجودها    فى عيدها ال 58.. اللواء بحرى أ.ح. محمود عادل فوزى قائد القوات البحرية :العقيدة القتالية المصرية.. سر تفوق مقاتلينا    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب القنوت في صلاة الوتر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تجوز الأضحية عن المتوفى؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة قناة السويس تعلن نتائج بطولة السباحة لكلياتها وسط أجواء تنافسية    الخطيب يهنئ «رجال يد الأهلي» ببطولة إفريقيا    أول وحدة لعلاج كهرباء القلب بالفيوم    هيئة السكة الحديد تعلن مواعيد قطارات المنيا – القاهرة اليوم    بريطانيا تتراجع 5 مراتب في تصنيف التنافسية الضريبية العالمي بعد زيادة الضرائب    حقيقة مفاوضات حسام عبد المجيد مع بيراميدز    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    منتدى أسوان للسلام منصة إفريقية خالصة تعبّر عن أولويات شعوب القارة    وكيل تعليم الفيوم يشيد بتفعيل "منصة Quero" لدى طلاب الصف الأول الثانوي العام.. صور    متحدث الحكومة: سنبحث تعميم الإجازة يوم افتتاح المتحف الكبير    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    محمد الحمصانى: طرحنا أفكارا لإحياء وتطوير مسار العائلة المقدسة    على الطريقة الأجنبية.. جددي من طريقة عمل شوربة العدس (مكون إضافي سيغير الطعم)    نتنياهو: مصرون على تحقيق جميع أهداف الحرب في غزة ونزع سلاح حماس    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    الذكاء الاصطناعي أم الضمير.. من يحكم العالم؟    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    ضربه من الخلف وقطّعه 7 ساعات.. اعترافات المتهم بقتل زميله وتقطيعه بمنشار في الإسماعيلية    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مشاهير الفراغ» التيك توك يفسد النشء والشباب ويزرع وهم كسب الملايين دون عناء

فى السنوات الأخيرة، اجتاحت السوشيال ميديا موجة جديدة من «النجومية»، قادها ما يُعرف ب «التيك توكرز» و»البلوجرز»، أشخاص أصبحوا فجأة من أصحاب الشهرة الواسعة، يجتذبون الملايين من المتابعين، ويحققون أرباحًا خيالية من دون أن يقدموا قيمة معرفية أو أخلاقية حقيقية للمجتمع. وتأتى القضايا الأخيرة التى تصدرت عناوين الأخبار، مثل القبض على «سوزى الأردنية» و«أم مكة» و«أم سجدة»، لتفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول أثر هذه الظاهرة على المجتمع المصري، وخصوصًا على الأجيال الجديدة التى باتت ترى فى هؤلاء المشاهير قدوة، وفى طريقتهم فى الكسب نموذجًا يُحتذى.
بحسب ما أكدته التحقيقات، فإن معظم هذه الشخصيات تحقق أرباحًا كبيرة من خلال ما يُعرف ب»هدايا التيك توك»، وهى تبرعات مادية يُرسلها المتابعون خلال البث المباشر. وتكمن الإشكالية فى أن هذا الربح لا يتطلب مجهودًا علميًا أو مهنيًا، بل يعتمد غالبًا على إثارة الجدل أو تقديم محتوى فارغ من أى مضمون، مما يعزز فى أذهان الشباب فكرة أن الشهرة والمال يمكن تحصيلهما من دون تعب أو تعلم.. فلم تعد الشهرة تقتصر على الفنانين أو العلماء أو أصحاب الإنجازات، بل أصبحت فى متناول اليد لأى شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا واتصالًا بالإنترنت. هكذا أفرزت «السوشيال ميديا» طبقة جديدة من المؤثرين تُعرف إعلاميًا ب»مشاهير الفراغ»، وهم الذين يصنعون محتوى سطحيًا، أو جدليًا، أو مثيرًا فقط لجذب المشاهدات والهدايا الإلكترونية. وبينما يراهم البعض مجرد ظاهرة عابرة، يُحذر التربويون وعلماء الاجتماع والنفس من التأثير المدمر لهذا النموذج على القيم والسلوكيات، خصوصًا لدى الأجيال الجديدة.
الخبراء: اللايف أصبح خطراً.. والتربية فى أزمة
عالم أزهرى: لا بد من تشريعات تحمى وعى الأمة
د. هالة منصور، خبيرة علم الاجتماع، ترى أن هذه الظاهرة تمثل خطرًا نفسيًا وتربويًا مزدوجًا، حيث يُعاد تشكيل طموحات النشء بعيدًا عن المسارات التقليدية لبناء الذات، مثل التعليم أو العمل الجاد. وتوضح أن المراهق فى هذه المرحلة يكوِّن نموذجه الذهنى للنجاح بناءً على ما يراه حوله. «حين يرى شاب عمره 15 عامًا أن أم مكة تربح آلاف الجنيهات من بث يومى وهى تبيع فسيخًا بطريقة مثيرة للضحك والجدل، فإنه يبدأ فى الاعتقاد بأن التعليم والكد والاجتهاد لا طائل منهم»، وتضيف بأن منصات التواصل الاجتماعى لم تعد مجرد وسيلة للتواصل بين الأفراد داخل المجتمع، بل تحولت إلى ساحة لتسيء للإنسان، حيث يتم استخدام الفرد كأداة لتحقيق أغراض مادية وشخصية، ولو على حساب القيم والخصوصية، حتى داخل الأسرة الواحدة.
وتابعت: «فى هذا الفضاء الرقمى، بات كل شىء قابلًا للبيع، بما فى ذلك أدق تفاصيل الحياة الشخصية، والتى من المفترض أن تحظى بخصوصية واحترام، لكن تم التضحية بها من أجل الانتشار أو تحقيق عوائد مالية».
وأشارت د. منصور إلى أن هناك فراغًا كبيرًا فى حياة كثير من الأفراد، خاصة من فئة الشباب، وهو فراغ لم يُشغل بما يفيد المجتمع، بل تُرك ليُملأ بمضامين سطحية تعتمد على الإثارة واللهاث وراء الشهرة والربح السريع.
وأضافت: «نحن أمام أزمة قيم حقيقية، إذ باتت المعايير العامة للتقدير الاجتماعى لا ترتكز على التعليم أو الثقافة أو الإسهام المجتمعى، بل على عدد المتابعين، وحجم التفاعل، والعوائد المالية المحققة من البث المباشر. وهذا خطر يهدد البنية القيمية للمجتمع، ويضعنا أمام تساؤلات حقيقية حول ما نزرعه فى وجدان الأجيال القادمة».
فجوة بين الأجيال
أما د. حسن شحاته الخبير التربوى ، فيعتبر أن هذه الظاهرة انعكاس لانهيار المرجعيات الثقافية، وتفكك المنظومة القيمية فى المجتمع. ويضيف أن التقليد الأعمى لهؤلاء المشاهير لا يضر فقط بمستقبل الشباب، بل يعمّق الفجوة بين الأجيال. «الأب والأم يجدان أنفسهما أمام ابن يريد أن يترك الدراسة ليصبح مؤثرًا على تيك توك، ويرى أن كل من حوله يتابع هذه الشخصيات ويعتبرهم رموزًا للنجاح.» وتضيف أن المحتوى الفارغ لا يغذى فقط مشاعر الاستسهال، بل أحيانًا يروّج لقيم سلبية مثل التعدى اللفظي، أو استغلال الجسد، أو تسليع الخصوصية الأسرية ،ويزداد القلق حين نعلم أن بعض هذه الشخصيات أصبح لديها تأثير كبير فى تشكيل توجهات وسلوكيات متابعيهم، لا سيما الأطفال والمراهقون الذين يقضون ساعات طويلة يوميًا أمام الشاشات، ويرى شحاتة أن الحل لا يكمن فقط فى الملاحقات القانونية أو منع هذه الشخصيات من الظهور، بل فى تقديم بدائل حقيقية. لا بد من الاستثمار فى المحتوى الهادف، وتطوير منصات رقمية وطنية تستقطب الشباب، وتقديم وجوه شبابية ملهمة تجمع بين النجاح والشغف والقيمة. كما يجب تعزيز الثقافة الإعلامية والتربوية داخل المدارس، بحيث يتعلم الطالب منذ الصغر كيف يميز بين الشهرة الزائفة والتأثير الحقيقي، مؤكدا أن ظاهرة «مشاهير الفراغ» لم تنشأ من فراغ، بل هى نتاج فراغ آخر أكبر: فراغ تربوي، وفراغ فى القدوة.
قيم زائفة
ويؤكد د. جمال فرويز، استشارى الصحة النفسية، أن الهوية المصرية تواجه حربًا نفسية ممنهجة تستهدف تدمير الثقافة الوطنية، خاصة مع انتشار منصات مثل «تيك توك» و»يوتيوب» اللذين يُسهمان فى تغييب الوعى ونشر قيم زائفة بين الشباب، مما يهدد بتفكك النسيج الاجتماعي
ويضيف أن ما يحدث الآن ليس ظاهرة عابرة أو مجرد تسلية، بل هو نوع من «الضياع الثقافى» الذى يُغذى الجهل ويُضعف الانتماء الوطني، وهو أمر كارثى إذا لم تتم مواجهته بحسم
ويوضح أن ما نمر به الآن ليس وليد اللحظة، بل هو تحدٍ بدأ منذ عقود، وتحديدًا حين حاولت قوى خارجية، كالوهابية فى السبعينيات، طمس الهوية المصرية، ولكنها فشلت بفضل قوة الثقافة المصرية العريقة، مشيرًا إلى أن الواقع اليوم للأسف مختلف، لأننا نواجه حربًا يمكن أن نلقبها بحروب الجيلين السادس والسابع، متسلحة بالتكنولوجيا، ومستغلة تقاعس بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية، عن طريق استهداف جيل الشباب بمحتوى هابط يُلهيهم عن قيمهم وهويتهم
ويتعجب فرويز من تقصير الثقافة والإعلام فى مواجهة هذه الحرب النفسية، مشددًا على أن الاكتفاء بإنتاج فعاليات ثقافية محدودة لا يكفى لمواجهة هذا الانهيار الثقافي، منتقداً عدم اتخاذ قرارات حاسمة، كغلق هذه التطبيقات وعلى رأسها «التيك توك»، مستشهدًا بدولة أستراليا التى فعلت ذلك.
ويرى استشارى الصحة النفسية أن الحل يبدأ بتنشيط دور المؤسسات الثقافية والإعلامية لتعزيز الهوية المصرية من خلال التوعية المستمرة، مشددًا على أن قوة مصر ليست مادية فقط، بل فى قوتها المعنوية المتجذرة فى تراثها وثقافتها
ويحذر فرويز من استمرار التهاون الحاسم مع هذه الظاهرة خاصة أنها ستجعل الشباب «لقمة سائغة» للثقافات الخارجية، مما قد يؤدى إلى تفكك الهوية الوطنية. والكارثة الأكبر أن الجهلاء قد يصبح لهم دور فى توجيه المجتمع، وهذا ما يحدث الآن، ولمسه عندما وجد كثيرا من الشباب فى الجامعات ومراحل التعليم المختلفة يعزفون عن التعليم متجهين إلى «التيك توك» وغيره من المنصات، ظنًا منهم أن هذا هو السبيل للنجاح دون أن يعوا أنهم بذلك يدمرون أنفسهم بأنفسهم.
ويختتم فرويز حديثه مناشدا المجتمع المصرى بكافة أطيافه قائلاً : «حافظوا على هويتكم، فهى درعكم ضد كل محاولات الطمس الثقافي، والحل يكمن فى وعى الشعب وتكاتف المؤسسات لإعادة إحياء الثقافة المصرية الأصيلة».
مشاعر إحباط
ويلتقط منه طرف الحديث د. وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، أن مقولة «الشهادة مالهاش لازمة» ظاهرة تتجدد فى كل جيل، لكنها ظلت طوال الفترة الماضية على استحياء. ومع دخولنا عصر التواصل الاجتماعي، وبروز «التيك توكرز» الذين يحققون مكاسب مادية سريعة، وصلت هذه الظاهرة إلى ذروتها، مما تسبب فى إثارة مشاعر الإحباط واليأس لدى قطاع عريض من الشباب، وخلق حالة من الضبابية حول المستقبل.
ويشير إلى أن الواقعة الأخيرة المتعلقة بطالبة حصلت على 50% فى الثانوية العامة وحققت شهرة ومكاسب مادية، مقارنة بأقرانها المتفوقين الذين قد يشعرون بالإحباط، تستدعى ضرورة مخاطبة الشباب بوعى مستنير يحصنهم فكريًا ضد هذه الضغوط التى قد تشوش أفكارهم وتُشعرهم بمشاعر كاذبة بالفشل، بينما الحقيقة أنهم هم من حققوا النجاح، وغيرهم هو من فشل
وشدد على أن المجتمع يجب أن يعى أن القيمة الحقيقية للإنسان تكمن فى قيمته الإنسانية ومكتسباته تجاه الحياة، وأن يؤمن بأن الاستثمار طويل الأمد فى الإنسان هو ما يبقى وأن طريق تحقيق هذا الاستثمار يكمن فى التعليم والوظيفة الجيدة.
ويضيف أن هناك فرقًا كبيرًا بين الحصول على إعجاب الناس أو احترامهم. فالشهادة والوظيفة المنظمة تمنحان الفرد احترام المجتمع، وتفتحان أمامه أبوابًا أفضل فى الحياة الشخصية والمهنية، كما تمنحان الأبناء شعورًا بالكفاءة النفسية واحترامًا لذويهم، مما يقلل من احتمالية الانحراف
وحول ظاهرة البلوجرز، يوضح هندى أنها ظاهرة مؤقتة واستثمار زائل، على عكس الاستثمار القائم على العلم. فمهنة البلوجرز، إن جاز تسميتها مهنة، تعتمد بشكل أساسى على التريند، وهى ظاهرة وقتية. فمن يصنع تريندًا اليوم قد لا يكون له وجود غدًا، وقد يظهر من ينافسه أو يحل محله. وما يؤكد ذلك اختفاء أسماء كانت لامعة قبل فترة قصيرة هذه الحقيقة. وقد يحصل البلوجر على إعجاب الناس لحظيًا فى البداية، لكنه لن يكتسب احترامهم فى النهاية، وسيزول هذا الإعجاب.
ويؤكد أن النجاح الحقيقى يكمن فى الدراسة والشهادة والعمل الدؤوب، لأنها استثمارات دائمة تضمن الاستمرارية والتأمين المستقبلى، سواء من خلال التأمين على الحياة أو التأمين الصحى الذى يحمى الفرد من العجز أو المرض. فى المقابل، مكاسب البلوجرز، مهما بلغت، لا تضمن هذا الأمان.
ويحذر هندى المجتمع من الوقوع فى فخ ظاهرة البلوجرز، خاصة أنهم لا يخضعون لحسيب أو رقيب، على عكس العمل المنظم الذى يخضع لنظام مؤسسى ولوائح وقوانين، مشيراً إلى أن هذا الأمر قد يعرض البلوجرز للمساءلة القانونية والعقاب فى حال ارتكاب أخطاء مقصودة أو غير مقصودة، مستشهدًا بأمثلة مثل سما المصرى وحنين حسام ومودة الأدهم، الذين انتهى بهم المطاف خلف القضبان رغم المكاسب السريعة
ويناشد استشارى الصحة النفسية الآباء بضرورة تعزيز التحصين الفكرى لأبنائهم، من خلال غرس قيم الصبر والمثابرة، والتأكيد على أن النجاح الحقيقى يُبنى بالتعليم والعمل الجاد. كما ناشد الشباب بألا يغرهم بريق المكاسب السريعة، مؤكدًا أن «الزمن مع الإنسان المثابر الذى يمتلك شهادة ومهنة، بينما التريندات المؤقتة تتلاشى كالسراب، والأيام الدوارة تعلمنا أن الصبر مفتاح الفرج»
ويكمل موضحاً أن مهنة البلوجرز مرتبطة بالعمر والحالة الصحية والمزاج المجتمعى، فالبلوجر إذا تقدم فى السن قد لا يستطيع الاستمرار فى تقديم محتوى يجذب المشاهدين، بينما العمل والشهادة يضمنان الاستمرارية، وقد يحصل الفرد على درجة الخبير حتى بعد التقاعد
ويختتم حديثه قائلاً: « لقد تحولت بعض ممارسات البلوجرز إلى مهنة تدعو إلى الازدراء بسبب الكذب والغش، مما يهين العرض والشرف والكرامة. بينما يتمتع حامل الشهادة وصاحب المهنة المنظمة بالاحترام والقيمة المجتمعية والقبول. كما أن الشهادة تفتح آفاقًا للحراك الاجتماعى وفرص العمل والسفر للخارج. لذا، لا يجب أن تخدعنا جاذبية المكسب السريع أو المؤقت، وعلينا أن نتذكر دائمًا نصائح أجدادنا بأن الاستثمار الحقيقى هو فى بناء الإنسان وقيمته الثابتة».
تحول جذرى
ويوضح د. محمود عبد اللطيف، أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الآداب قسم الإعلام جامعة الزقازيق ، أن المجتمعات العربية، وفى القلب منها المجتمع المصرى، تشهد تحولًا جذريًا فى أنماط التأثير والتلقي، مع صعود منصات التواصل الاجتماعى ك»تيك توك» لتصبح قوة دافعة فى تشكيل الوعى العام وتوجيه سلوكيات الشباب على وجه الخصوص.
ويشير إلى أن الكارثة فى أن المشهد الرقمى قد تصدرته شخصيات تفتقر إلى القيم والعلم والثقافة، ومع ذلك نجحت فى استقطاب جماهير غفيرة عبر محتوى سطحى، أو خادش للحياء، أو قائم على السخرية والمبالغة مما أدى إلى تراجع ملحوظ فى منظومة القيم، حيث باتت الشهرة والمكسب السريع هدفًا يتقدم على العمل الجاد، والتحصيل العلمي، والسلوك القويم
ويؤكد أن التأثر بهذه النماذج السلبية من مشاهير المنصات الرقمية قد ترك آثارًا وخيمة على سلوك الأفراد حتى أصبح البعض يسعى لتقليدهم فى المفردات اللغوية، والملبس، وحتى فى أسلوب التفكير، دون وعى بالعواقب. لينتج عن هذا التأثير تنامى ظاهرة السعى للربح السريع بأى وسيلة، حتى لو كانت غير أخلاقية أو غير قانونية، مما يشوه معنى النجاح الحقيقى ويقوض مفاهيم الجد والاجتهاد والصبر.
وحذر عبد اللطيف من أن استمرار هذه الظواهرسيؤدى إلى تفكك فى النسيج المجتمعى، واتساع الفجوة بين الأجيال، مما ينتج عنه اضطرب المعايير الأخلاقية والثقافية، لتكون المحصلة تزايد نسبة الإحباط لدى من يسلكون طريق النجاح التقليدي، فى مواجهة من يحصدون المكاسب من «اللاشيء».
ويوضح أن استمرار هذه الظاهرة دون رقابة أو توجيه يشكل خطرًا داهمًا على الأمن القيمى والثقافى للدول. وستتسبب فى نشر أنماط استهلاكية تتسم بالتركيز على الفردية، وتتعارض مع مصلحة الوطن والمواطن. كما أن استمرار هذه الموجات السطحية ستؤثر سلبًا على صورة الدولة خارجيًا، فى ظل تصدير نماذج لا تليق بحضارة مصر ومكانتها التاريخية، ويطالب عبد اللطيف بسرعة أن يتحرك المجتمع بكافة مؤسساته - إعلامية وتعليمية وثقافية لصد هذا التيار الجارف الذى قد يفتك بالمستقبل القيمى والحضارى للأمة حتى لا تفاقم هذه التأثيرات الكارثية.
ويشيد بجهود الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتى أدركت منذ البداية هذا التحدى، وتسعى جاهدة إلى مواجهته من خلال عدة مبادرات شملت التوعية والتثقيف الرقمي.أبرزها حملات «حياة كريمة»، و»ابدأ بنفسك»، و»بداية جديدة لبناء الإنسان»، ومبادرة «ثقافتك كتابك»، والقوافل الثقافية التى تشرف عليها وزارة الثقافة، وغيرها من المشروعات القومية والمبادرات الرئاسية التى تستهدف تعزيز القيم الإيجابية، وتحفيز الشباب نحو العمل والإنتاج والمشاركة الفاعلة فى بناء الوطن ، كما أن الدولة اتجهت أيضًا إلى تشجيع المحتوى الهادف، ودعم المبدعين الحقيقيين، ومكافحة المحتوى الضار عبر الرقابة القانونية والتعاون مع منصات التواصل لضبط ما ينشر من مضامين.
ويختتم عبد اللطيف حديثه مؤكداً أن الرهان الأكبر يظل على وعى الفرد فى المجتمع وانتقاء محتوى مفيد يتناسب مع القيم، بالإضافة إلى الدور المحورى للأسرة، والمدرسة، والإعلام، فى تحصين الأجيال الجديدة من الانجراف وراء نماذج وهمية لا تبنى مستقبلًا ولا تقيم مجتمعًا.
إبداع مفسد
وفى تعليقه على الظاهرة المتفشية لما يُعرف ب «مشاهير التيك توك» و»نجوم المحتوى الرخيص»، يؤكد الشيخ إبراهيم رضا، من علماء الأزهر الشريف، أن ما نشهده اليوم من انفلات على المنصات الرقمية يمثل خطرًا جسيمًا على النسيج القيمى للمجتمع المصرى، وعلى وعى الأجيال الجديدة التى باتت ترى فى اللافت والمثير سبيلًا للرزق والنجاح.. وقال الشيخ إبراهيم: «ليس كل ما يُبث على تيك توك أو غيره من المنصات حلالًا بشكل مطلق، فهناك محتوى يُروج للتفاهة، وينشر ما يُفسد القلوب قبل العقول، ويجعل من السخافة وسيلة للكسب. هؤلاء أصحاب 'اللحم الرخيص'، يبيعون الكرامة مقابل المشاهدات، ونحن بحاجة إلى دراسة علمية معمقة لهذه الظاهرة التى غزت البيوت وخربت الوعى».
وأشار إلى أن هناك إبداعًا ممنهجًا فى الفساد، يتم تصديره بشكل جذاب إلى عقول الشباب، بهدف قتل الطاقات، وهدم القدوة، واستبدالها بأيقونات التفاهة والفهلوة. وأضاف:نحن فى زمن صعب، زمن اللعب فى الدماغ، حيث تُغلف الرسائل المسمومة فى فيديوهات مضحكة أو مثيرة، لكنها تشكل وعيًا منحرفًا ومدمرًا.
ودعا إلى ضرورة السيطرة على هذا العالم الافتراضي، عبر تشريعات حديثة وفعالة، تحمى المجتمع من العبث القيمى وتمنع من يتربحون من تفاهة المحتوى وابتذاله، قائلًا: «نحتاج إلى قوانين تحفظ هوية المجتمع، وتحاصر المحتوى الرخيص الذى بات أحد مصادر الكسب الحرام، والذى تُضخ فيه أموال من جهات مشبوهة وغير معروفة، بغرض استهداف جيل كامل.»
وفى إطار الحلول، دعا الشيخ إبراهيم إلى الترويج للمحتوى الهادف، وضرب مثالًا ببرامج مثل برنامج الفنان سامح حسين الذى يقدم خيرًا وقيمة ومعرفة فى أسلوب ممتع ومحترم. وأوضح أن المؤسسة الدينية يجب أن تواكب هذا العصر، من خلال: إعداد دورات بحثية وتدريبية للدعاة الجدد..اختبارات جادة لاختيار من يُمثل الأزهر فى الداخل والخارج، كما فى حال المبعوثين إلى اليمن وغيرهم..وانفتاح مؤسسات الدعوة على المنصات الرقمية، بروح جديدة وفكر قادر على مجابهة «زمن التفاهة».. وختم بقوله:»أمام هذا الطوفان من الانحدار، نحن بحاجة إلى نهضة فكرية وقانونية وإعلامية، لا تكتفى فقط بالرفض، بل تقدم البديل، وتعيد الاعتبار للكلمة الطيبة، والصورة الراقية، والفكرة التى تُبنى ولا تُهدم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.