بورسعيد عشقى الأبدى وأول ممارسة فى تغطية الانتخابات آل سرحان حكاية طويلة وآل عمار نواب بالوراثة . توقفت فى اليوميات السابقة عن مسيرتى المهنية عبر 50 عاما فى بلاط صاحبة الجلالة عند انتقالى للعمل بالقسم السياسى بالأخبار المسئول عن تغطية مجلس الشعب والحياة السياسية بصفة عامة. عرضت رغبتى فى الانتقال للقسم السياسى على الأستاذ موسى صبرى رئيس التحرير فوافق على الفور وبدأت العمل تحت رئاسة الأستاذ جلال السيد مدير التحرير اعتبارا من جلسة مجلس الشعب يوم 15 مايو 1976 والذى كان يوافق عيد مجلس الشعب وذكرى ثورة التصحيح ضد مراكز القوى عام 1971. بورسعيد.. عشقى الأبدى أسأل نفسى دائما لماذا أحب بورسعيد بل لماذا أعشقها إلى هذا الحد؟ والإجابة لأننى ببساطة عشت فيها أياما لا أنساها فى مقتبل حياتى العملية وشهدت هذه المدينة القريبة دائما إلى قلبى وأهلها الطيبين أول ممارسة فعلية لى فى تغطية الانتخابات البرلمانية.. سافرت إلى بورسعيد وأمضيت بها عدة أيام أعددت فيها عدة موضوعات صحفية سجلت فيها بكل صدق أجواء الانتخابات.. من هم أبرز المرشحين وأهم نقاط القوة التى يعتمد عليها كل مرشح ورأى رجل الشارع فى سير المعركة الانتخابية وتوقعاته لنتائجها وصور الدعاية الانتخابية.. باختصار حاولت أن أقدم رؤيتى فى الموضوعات التى نشرتها فى الأخبار ،كما يقول الكتاب، وهو ما استدعى منى مجهودا مضاعفا اضطرنى للاختلاط بالناخبين أولا فى الشوارع والمقاهى وإجراء حوارات ديمقراطية معهم حول الانتخابات قبل أن أبدأ لقاءاتى بالمرشحين لأتعرف على برامجهم وأحاول المقارنة بينها والتعليق عليها. هذه المعايشة المبكرة لبورسعيد وأهلها فى بداية حياتى العملية ولدت فى نفسى مشاعر خاصة تجاه هذه المدينة الباسلة فأصبحت من أقرب المدن إلى قلبى ولى فيها أصدقاء كثر فى مجالات مختلفة لا تقتصر على العمل البرلمانى فقط.. وأحيانا تصل إلى الأحفاد ففى دائرة المناخ بدأت صداقتى بالنائب الجد حسن عمار رحمه الله ثم امتدت إلى نجله طارق والآن حفيده حسن وكلاهما شغل مقعده فى البرلمان . أنزه انتخابات هنا لا يفوتنى الإشارة إلى أن هذه الانتخابات التى جرت فى 28 أكتوبر 76 كانت وبشهادة العالم كله وكل القوى المعارضة فى مصر أنزه انتخابات شهدتها مصر بعد ثورة يوليو 52 وجرت تحت إشراف حكومة ممدوح سالم الذى اشتهر بأنه أجرى أنزه انتخابات فى تاريخ مصر بعد ثورة يوليو 52. سفرى لبورسعيد لتغطية المعركة الانتخابية كان لابد أن يتبعه سفرى مرة أخرى يوم الانتخابات لمتابعة عملية التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج حيث تعاونت مع زميلى نبيل التفاهنى مدير مكتب «الأخبار» ببورسعيد طوال هذه العملية ولا أنسى أبدا ليلة إعلان نتيجة الإعادة على مقعد الفئات بدائرة المناخ بين عبدالوهاب قوطة وعبدالمنعم عتمان حيث كنت أقف أنا ونبيل التفاهنى فى شرفة مبنى المحافظة طوال الليل وأمامنا الميدان مكتظا عن آخره بمؤيدى قوطة وعتمان والهتافات المتضاربة لا تنقطع ولم ينته هذا المشهد إلا بعد الفجر بإعلان فوز عبدالوهاب قوطة . لم يكن من نصيب عبدالمنعم عتمان الفوز فى هذه الانتخابات لكنه فاز فى انتخابات 1979 (بعد حل مجلس الشعب باستفتاء شعبى بعد اتفاقية كامب ديڤيد) .. لكن لم يكتب له أن يكمل مدته الدستورية إذ قتل فى مسكنه على يد شاب من المقربين إليه طمعا فى ابتزازه.. وتم القبض على القاتل وحكم عليه بالسجن المؤبد.. وتم الإفراج عنه بعد قضاء العقوبة ثم عثر على جثته على شاطئ البحر فى بورسعيد! آل سرحان جرت هذه الانتخابات فى بورسعيد فى عهد المحافظ السيد سرحان.. وعائلة سرحان لها حكاية طويلة بدأت عندما كان الرئيس الراحل أنور السادات هاربا من السجن قبل ثورة يوليو وكان يتنقل من مكان لآخر فاحتمى بمنزل الحاج محمد سرحان كبير الأسرة الذى أواه وحماه فحفظ السادات له هذا الجميل.. وبعدما أصبح رئيسا للجمهورية حدثت حركة تنقلات نقل بموجبها اللواء أحمد سرحان الابن الأوسط للحاج محمد سرحان إلى رئاسة الجمهورية ولاحظ السادات الاسم وسأله: انت تعرف الحاج محمد سرحان من بورسعيد؟، فقال «ده والدى» ورد السادات ،اعتبرنى من اليوم والدك، وقربه إليه.. وعندما توفى الحاج محمد سرحان الأب الذى كان يشغل منصب أمين الاتحاد الاشتراكى ببورسعيد توجه السادات لأداء واجب العزاء فى منزل الأسرة بالدقى وهناك استقبله الابن الأكبر السيد سرحان وهنا قرر السادات تعيينه محافظا لبورسعيد وأدى السيد سرحان اليمين الدستورية أمام السادات فى منزل الأسرة بالدقى.. وعندما تولى السيد سرحان المسئولية رفض الانتقال للإقامة فى استراحة المحافظ ببورسعيد اكتفاء بشقته فى بورسعيد.. وعندما سافر السادات إلى كامب ديڤيد كان أحمد سرحان مقربا منه جدا كما أنه لعب دورا مهما فى إقناع السادات بتحويل بورسعيد إلى منطقة حرة.. وبعد وفاة السادات استمر أحمد سرحان مع الرئيس مبارك شهرا كاملا وسلمه كل مستندات الدولة وطلب منه مبارك الاستمرار فى الرئاسة لكنه اعتذر وفضل العمل العام وخاض بعدها انتخابات مجلس الشورى وفاز. الأخ الأصغر ماهر سرحان كان خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية دفعة د. مصطفى الفقى الذى كان يقدره ويحترمه جدا.. ماهر كان رئيس السكرتارية فى مكتب رئيس مجلس الشورى ومن بين رؤساء مجلس الشورى الذين خدم معهم د. مصطفى كمال حلمى زوج خالته.. وبعد وفاة ماهر سرحان منذ عامين تقريبا كتب د. الفقى مقالا يرثيه ويعدد أفضاله. بعد سنوات من هذه الانتخابات استقال السيد سرحان من منصبه كمحافظ لبورسعيد لرغبته فى الترشح لمجلس الشعب وتعارض ذلك مع كونه محافظا وأصبح وزيرا فى الحكم المحلى ثم خاض انتخابات 1984 وفاز بعضوية البرلمان ثم برئاسة لجنة الإسكان وأبلى بلاء حسنا فى هذا الموقع.. أذكر جيدا كم كانت علاقته جيدة بالصحفيين وآخر لقاء لى معه كان فى الممر الواصل بين مكتب رئيس المجلس والقاعة.. سلم على واعتذر للحاق بالسوبر جيت الذى سيستقله إلى بورسعيد.. ركب الاتوبيس مع النائب الرفاعى حمادة.. جلس الرفاعى حمادة بجوار الشباك والسيد سرحان على الممر ثم طلب منه الرفاعى تبديل الأماكن لأن الرفاعى طويل ويحتاج مساحة لقدميه.. انتقل السيد سرحان بجوار الشباك.. وفى الطريق انقلب الاتوبيس وتوفى السيد سرحان رحمه الله. المنابر والأحزاب جرت هذه الانتخابات بالنظام الفردى المعمول به فى مصر ولكن فى ظل نظام المنابر الذى استحدثه الرئيس السادات كنوع من الحراك الديمقراطى المطلوب فى ذلك الوقت.. وكان التنافس بين ثلاثة منابر «الوسط واليمين واليسار».. وجاءت النتائج لتعلن فوز الوسط بالأغلبية (260 مقعدا) بينما حصل المستقلون على 57 مقعدا وحصل اليمين على 16 مقعدا واليسار على مقعدين. أهم المفاجآت كانت سقوط جميع المرشحين من أعضاء الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى.. كما سقط أغلب رؤساء اللجان فى مجلس الشعب السابق . ومن الوجوه الجديدة التى أفرزتها الانتخابات د. محمد حلمى مراد وكمال الدين حسين ومدكور أبو العز وأحمد ناصر صاحب أشهر حكم قضائى ضد مجلس الشعب بتعويضه بمبلغ 10 آلاف جنيه. النائبان المنتميان لليسار كانا قبارى عبدالله نائب قصر النيل وأحمد طه نائب الساحل الذى خاض الانتخابات مستقلا لأنه لم ينضم رسميا لمنبر اليسار. وتم اختيار مصطفى كامل مراد من منبر اليمين زعيما للمعارضة. وقدمت حكومة ممدوح سالم استقالتها وأعاد الرئيس السادات تكليفه فبدأ مشاوراته فى 7 نوفمبر وأدت الوزارة الجديدة اليمين الدستورية فى 10 نوفمبر وفى اليوم التالى كان موعد افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة حيث وافق المجلس على ترشيحات منبر الوسط لهيئة مكتب المجلس (المهندس سيد مرعى رئيسا للمجلس وعبدالمنعم الصاوى ود. السيد على السيد وكيلين). وبعدها ألقى الرئيس السادات خطابا تاريخيا أعلن فيه بدء مرحلة جديدة فى تاريخ الحياة السياسية فى مصر وذلك بقيام الأحزاب من خلال تحول المنابر الثلاثة القائمة إلى أحزاب . وبذلك يمكن القول أن المجلس الجديد كان فعلا نقطة تحول فى تاريخ مصر الدستورى.