جاء حريق سنترال رمسيس والنتائج التي ترتبت عليه من تعطل بعض خدمات الاتصالات والتحويلات المالية، فضلا عن الشلل التكنولوجي في بعض القطاعات، ليؤكد ضرورة وجود خطط بديلة تؤمن استمرارية الخدمات الحيوية فى حالات الطوارئ، كما تعزز من كفاءة البنية التحتية فى مواجهة الأزمات. ◄ نقل وظائف السنترال إلى العاصمة الإدارية أبرز الحلول ◄ تعزيز الأمن الوقائي ووضع خطط بديلة للتصدي للأحداث المفاجئة في لحظة واحدة بدت الحياة الرقمية كأنها توقفت، وأصبحت البلاد فى شبه عزلة عما حولها، فالخطر لم يكن في ألسنة النيران فقط، ولكن في تبعاتها التى قد تمثل تهديدًا للأمن القومى. وأثبتت الكوارث المادية والعالم الرقمي أن الأمن السيبراني لم يعد رفاهية، أو شكلًا من أشكال الترف التقني، بل ضرورة ملحة لحماية الخدمات والبيانات، خاصة فى أوقات الكوارث والأزمات المفاجئة، فرغم تأكيدات الحكومة ووزير الاتصالات عمرو طلعت، بأن سنترال رمسيس ليس الوحيد الذى تعتمد عليه البلاد، ولكنه يحتضن نحو 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية، بخلاف كونه النقطة المحورية لشبكة الهاتف الأرضي، والأهم أنه يمر به الكثير من الألياف الضوئية التى تمثل شرايين الإنترنت فى البلاد، كما أنه البنية الأساسية أيضًا التى يعتمد عليها كثير من مؤسسات الدولة فى تخزين بياناتها وأرشفتها. خبراء المعلومات يضعون روشتة مواجهة المواقف الطارئة، وكيفية حماية قواعد البيانات من هجمات إلكترونية محتملة في ظل التوغل الرقمي المتزايد، كما يوضحون أهمية الأمن السيبراني ودوره في الأيام المقبلة. ◄ نسخة احتياطية خبير تكنولوجيا المعلومات المهندس إسلام محمد، يقول: حادثة سنترال رمسيس كشفت أن كافة الأنظمة الحكومية ترتبط رقميًا مع بعضها البعض دون حماية كافية، فضلًا عن أن شبكات البنوك مرتبطة بنقطة اتصال واحدة، مشيرًا إلى أن عدم انقطاع الخدمة بالكامل بعد الحريق يدل على وجود نسخة احتياطية لكنها لم تكن مفعلة بشكل كامل، كما أنه جرى نقل عمليات التراسل من سنترال رمسيس إلى سنترالات أخرى، منها سنترال الروضة، لكن الأخير ليس مؤهلًا لاحتواء الشبكة بالكامل، مما أدى لعودة الخدمة بصورة جزئية وغير مستقرة فى بعض المناطق. ويضيف إسلام: من الحلول الفعالة التى لا بد من وضعها فى الحسبان تجنبًا لخطر محتمل، ضرورة نقل وظائف سنترال رمسيس تدريجيًا إلى العاصمة الإدارية الجديدة، فهى أصبحت تضم بنية تحتية قوية وأكثر مرونة، خاصة أن مصر أنشأت بالفعل مركز بيانات قوية فى العاصمة، فضلًا عن مركز احتياطى آخر فى العلمين، ورغم تطوير جزء كبير من البنية التحتية لشبكات الاتصالات فى مصر فإنها ليست بنفس قوة التطوير الموجودة بمراكز البيانات الجديدة، فبنية سنترال رمسيس التحتية تعود لعام 1927 ولم يجرِ تطويرها بشكل كافٍ خلال السنوات الأخيرة. ويشير إلى أن الدولة عليها الاهتمام بعملية تعزيز الأمن الوقائى وذلك عبر تركيب أنظمة إنذار وإطفاء ذاتية حديثة، مع التفتيش الدورى والصيانة الشهرية للتأكد من سلامة المولدات الكهربية والخوادم، مع تغيير أى مكونات متهالكة ومعرضة لحدوث ماس كهربائى. ◄ الأمن السيبراني من ناحية أخرى، يقول مصدر مسئول، طلب عدم ذكر اسمه: لاشك أن حريق سنترال رمسيس أحد أشكال الحوادث السيبرانية التى تعرضت لها البلاد، فالهجمات لها نوعان أحدهما متعمد عن طريق الهاكرز ومخترقى البيانات، والآخر ناتج عن حوادث طبيعية كالحرائق والزلازل المفاجئة، إلا أنه لا توجد أى خطورة من تسريب بيانات جراء الحريق سواء بيانات مؤسسية أو شخصية، لافتًا إلى أنه كانت هناك خطة طوارئ بديلة تم تشغيلها على الفور بدليل أن خدمة الإنترنت لم تنقطع كليًا عن بعض المناطق والمحافظات الأخرى، بالإضافة لخدمات بعض البنوك أيضًا، موضحًا أن السنترال يضم أجهزة مرور وبيانات مؤمنة بشكل كامل لكن الكارثة كانت فى تدمير جزء كبير من أجهزة الربط. وعن تعرض مصر لخطر الهجمات يقول: تتعرض الخدمات الحكومية والبنوك يوميًا لأخطار هذه الهجمات، وكان آخرها خدمات البريد المصرى قبل شهور، كذلك تعرضت واحدة من شركات النقل الذكى لهجمة سيبرانية كبيرة قبل نحو أسبوعين، وبالطبع فإن ذلك بسبب المنظومة القائمة على تجميع المسارات التقنية والسيبرانية فى مكان واحد. وحول خطط الدولة لتفادى تكرار مثل هذه الحوادث يوضح: الدولة بذلت العديد من الجهود مؤخرا لحماية الأمن السيبرانى ومواجهة أى عمليات قرصنة خاصة بالمواطنين أو المؤسسات، إذ تم إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبرانى التابع لرئاسة مجلس الوزراء، ويضم عدة وزارات مختلفة ويضطلع عملها بالتصدى للهجمات الإلكترونية ومنع وقوعها، كما تم وضع الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبرانى من 2023 حتى 2027 لمواجهة التهديدات المحتملة، وتأمين البنية التحتية للاتصالات والمعلومات بشكل متكامل لتوفير البيئة الآمنة لمختلف القطاعات. ويضيف: لم تتوقف الجهود عند هذا الحد، حيث أطلقت اللجنة الدائمة للأمن السيبراني، وهى المسئولة عن توعية المؤسسات والمواطنين، حملة للتوعية بأخطار القرصنة الإلكترونية والهجمات المفاجئة، مشيرًا إلى أن المواطن قد يكون جزءًا من الهجمات السيبرانية التي ربما تتعرض لها الدولة، خاصة إذا كان عاملًا فى واحدة من مؤسسات الدولة. ويؤكد: تعمل الدولة الآن على التحول إلى نظام "الحوسبة السحابية" التي تعنى وضع البيانات على برامج وليس سيرفرات قابلة للتلف حال وقوع أى كارثة، كذلك نقلها على شبكات احتياطية دون الحاجة إلى سيرفرات ضخمة. ◄ اقرأ أيضًا | النيابة الإدارية تُجري معاينة شاملة لموقع حريق سنترال رمسيس ◄ خطوات فعالة أما خبير أمن المعلومات المستشار بالهيئة العليا للتكنولوجيا والأمن السيبرانى، وليد حجاج، فيقول: من الخطأ الاعتماد على مركز واحد لتقديم الخدمة على كافة مستويات الدولة دون وجود خطة بديلة تضمن حماية البيانات وتسيير الأعمال، فتوقف سنترال رمسيس أدى إلى تأثر كافة الخدمات الحيوية الرقمية مثل تطبيقات التحويلات والدفع الإلكترونية، والمحافظ الإلكترونية على الهواتف، فضلًا عن بعض خدمات الدولة الرقمية، والبنية التحتية للشركات المصرفية، وعمل بعض البنوك وشركات الاتصالات، لافتًاإلى أن انقطاع هذه الخدمات الحيوية لثوانٍمعدودة يسبب خسائر كبيرة بالمليارات، وهو ما تكبدته البورصة المصرية وغيرها من الشركات والمؤسسات. ولضمان عدم تكرار مثل هذه الحادثة، يدعو حجاج إلى ضرورة تفعيل ثلاث خطوات أساسية لمواصلة الأعمال ومنع تعطل الخدمات الحيوية وأولاها خطة النسخ الاحتياطى، وتعنى أن يكون هناك تنفيذ لنسخ احتياطية من كافة بيانات، والعملاء، والفواتير، وإدارة الشبكات مع اختبار دورى بين آن وآخر لكفاءتها وعملها، وثانيا إطلاق موقع احتياطى للتعافى من الكوارث المفاجئة، وهو موقع بديل يحتوى على بنية تحتية مماثلة يدخل فى حيز العمل السريع عند حدوث وقائع مفاجئة مثل الحرائق أو انقطاع الكهرباء أو الهجمات السيبرانية. ويضيف حجاج: يجب الاعتماد على أكثر من مزود لخدمات الإنترنت، وتكرار الأجهزة والمعدات الأساسية، مع وجود مصادر طاقة ومولدات إضافية تحسبًا لأى انقطاع مفاجئ، مشيرًا إلى ضرورة اختبار تلك الخطة بشكل منتظم من خلال محاكاة فعلية لانقطاع الخدمة. ويؤكد ضرورة حماية الأنظمة الإلكترونية والاستعداد للطوارئ، خاصة مع تزايد التهديدات السيبرانية والاختراقات الإلكترونية من آن لآخر، فضلًا عن الحوادث الطبيعية من حرائق وزلازل مفاجئة، لافتًا إلى أن الكثير من الدول المتقدمة لا تعتمد على مكان واحد لوضع جزء كبير من بياناتها ومنها سنغافورة التى تلزم كل مؤسسة بإنشاء مركز بيانات احتياطى يبعد عنها بمسافة لا تقل عن 25 كيلومترًا، وكذلك دولة إستونيا التى أنشأت نسخة كاملة من بياناتها وضعتها خارج البلاد فى مكان غير معلوم لحماية أمنها السيبرانى والاستخباراتى. ◄ حماية البنية الرقمية من جانبه، ناشد مستشار الأمن السيبرانى والحلول التكنولوجية، الدكتور وليد صفوت عرفة، الحكومة بضرورة وجود أجهزة استشعار عن بُعد وأنظمة إنذار مبكر كما هو مطبق فى الفنادق والمنشآت العالمية، مشيراً إلى أن عدد مفتشى السلامة المهنية والأمن الصناعى لا يتناسب مع حجم المؤسسات، فيجب أن يكون هناك مفتشون دائمون للصيانة والمتابعة وتطبيق معايير السلامة، مطالباً بوجود إدارة مختصة بالحرائق داخل كل منشأة حيوية، وتفعيل التنسيق المسبق مع الدفاع المدنى. ودعا عرفة إلى ضرورة توزيع شبكات الاتصالات والإنترنت جغرافياً وفنياً، أو فى حال الإبقاء على مركزيتها، يجب تأمينها تأميناً جيدًا، بما يشمل أنظمة الحماية والإطفاء الذاتى وخطط حماية زمن الحرب، مشيراً إلى أهمية إنشاء شبكة بديلة جاهزة للتشغيل الفورى، لتجنب تعطل الخدمات، مؤكداً أن الحروب الحديثة تستهدف البنية التحتية الرقمية بالأساس. وتابع: سنترال رمسيس يدير حجما كبيرا من حركة الاتصالات، ويربط الشبكات الأرضية والمحمولة ويحتوى على مراكز بيانات رئيسية، مما يعنى أن أى عطل به سيكون مؤثراً، ويجب الاعتماد على الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعى، وأنظمة الإنذار المبكر، وهذه ليست رفاهية بل ضرورة لحماية الأمن القومي الرقمي. ◄ أبواب وشبابيك وكابلات وألياف ضوئية.. الأسباب المحتملة لتجدد «نار السنترال» أثار تجدد حريق سنترال رمسيس، بعد إخماده بنحو 3 أيام، حالة من الجدل، فقد ذهب البعض إلى أن الأمر ليس طبيعيًا وقد يكون بفعل فاعل، فيما فسر البعض تجدد الحريق بأنه لم يجر إخماده بشكل كامل فى المرة الأولى. مساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة للحماية المدنية الأسبق، اللواء محمد صقر، يقول: يفضل استخدام مواد معينة فى إطفاء حرائق الأجهزة الدقيقة والسيرڤرات والكابلات مثل الهالون أو ثانى أكسيد الكربون، وفى حالة فصل التيار يمكن استخدام رذاذ المياه، لافتًا إلى أن تجدد حريق سنترال رمسيس، قد يكون سببه الأبواب والشبابيك الخشبية لأنها تحتفظ بالحرارة الكامنة وعند وصول الأكسجين إليها تشتعل مجددًا، إضافة إلى احتمالية أن بعض الكابلات قد تكون فى حالة احتراق وهى ماقبل مرحلة الاشتعال وإذا وصل إليها الأكسجين تتحول من احتراق إلى اشتعال. وأوضح أن الكود المصرى لحماية المنشآت من أخطار الحريق شدد على ضرورة تأمين المنشآت بأجهزة الإطفاء التلقائية النوعية، ونص على أن يتم تأمين غرف الأجهزة الدقيقة كالسيرڤرات والكمبيوترات فى الأماكن التى يتواجد بها العاملون بالإطفاء التلقائى بالهالون، أما الأماكن التى لا يرتادها العاملون فيتم تأمينها بالإطفاء التلقائى بثانى أكسيد الكربون، حماية للعاملين وكذا تأمين المبنى بالإطفاء التلقائى برشاشات المياه. وأشار إلى أن مبنى سنترال رمسيس أنشئ قبل تطبيق الكود المصرى لوقاية المنشآت من إخطار الحريق، وذلك فى الحقبة الملكية وافتتحه الملك فاروق ووقتذاك لم يكن هناك كود مصرى للحريق، لذلك لم يتم تطبيق الكود عليه، وفى مثل هذه النوعية من المبانى يتم تطبيق كود المبانى القديمة لصعوبة تنفيذ كافة الاشتراطات الحديثة عليه لصعوبة تنفيذها أو تغيير الطبيعة الإنشائية للمبنى. فيما يقول مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات الأسبق، الخبير الأمنى اللواء أبوبكر عبدالكريم، إن الأسباب المحتملة لتجدد حريق سنترال رمسيس ترجع إلى طبيعة المكان ووجود شرائح إلكترونية دقيقة، تأثرت بترسبات الكربون الناتج عن الحريق، فدرجة الحرارة المرتفعة الناتجة عن الحريق بعد السيطرة عليه أثرت على كفاءة الأجهزة والألياف الضوئية، مما قد يؤدى لاشتعالها مجددًا بعد تشغيلها وتوصيل التيار الكهربائى، لكن غالبًا تجدد الحريق لا يكون بنفس قوة الاشتعال الأول وتتم السيطرة عليه سريعًا وهو ما حدث بالفعل.