في مشهد يجمع بين عبق الماضي وألق الحاضر، شهد متحف المركبات الملكية بمنطقة بولاق خطوة نوعية جديدة نحو ترسيخ دوره كمركز للمعرفة، لا يقتصر على العرض المتحفي فقط، بل يمتد ليكون منارة ثقافية للباحثين والزائرين. فقد تم افتتاح مكتبة علمية وثقافية متكاملة داخل المتحف، تضم أكثر من 5000 كتاب في مجالات متعددة، من أبرزها علوم الآثار، الترميم، التاريخ، الأدب، وكتب بلغة برايل، إلى جانب مقتنيات شخصية نادرة لرموز تاريخية مثل النبيلة نجلاء خيري والدكتورة نادية لقمة. إنها مكتبة تعيد المتحف إلى صميم دوره الأصيل: أن يكون بيتًا للعلم كما هو بيت للذاكرة. افتتاح يكتب سطرًا جديدًا في سجل المتحف في خطوة تعكس التزام وزارة السياحة والآثار بتطوير الدور الثقافي للمتاحف المصرية، افتتح المجلس الأعلى للآثار مكتبة جديدة داخل متحف المركبات الملكية ببولاق، بحضور عدد من الشخصيات الأكاديمية والمجتمعية، ومجموعة من المتخصصين في علوم الترميم والمتاحف. تضم المكتبة ما يقرب من 5000 كتاب، تم تصنيفها وتنظيمها بعناية لتكون متاحة للباحثين، الطلاب، والمهتمين، وتشكّل بذلك نقلة نوعية تعزز من الدور المعرفي للمتحف، وتُعيد إليه وظيفته الأصلية كمركز للتعلم والبحث. مكتبتان بشخصيتين تاريخيتين بحسب تصريحات الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فإن المكتبة تضم مجموعتين مميزتين: 1- مكتبة الدكتورة نادية لقمة، مدير عام ترميم آثار ومتاحف القاهرة الكبرى الأسبق، والتي تشمل كتبًا متخصصة في علوم الترميم والصيانة، تُعدّ من أهم المراجع العلمية في هذا المجال. 2- مكتبة النبيلة نجلاء خيري، حفيدة الخديوي إسماعيل، والتي تحتوي على مجموعة من مقتنياتها الشخصية، مثل قطع أثاث وصور فوتوغرافية نادرة تم توثيقها من خلال أفراد أسرتها، إلى جانب روايات بالفرنسية، كتب عن الرسم والتصوير، ومصاحف بلغات متعددة. محتوى غني يتجاوز التخصص ليست مكتبة المتحف مجرد مساحة أكاديمية، بل هي كنز متنوع يضم كتبًا في مجالات: الآثار المصرية القديمة الآثار الإسلامية والقبطية العصر الحديث واليوناني الروماني الاقتصاد والفلسفة والأدب كتب دينية وأدب أطفال كتب بلغة برايل لذوي الهمم ** ومن أبرز الكنوز النادرة داخل المكتبة: - مجموعة تاريخ الجبرتي التي تعود إلى عام 1213 ه - وثائق أعمال المنافع العامة في عهد محمد علي باشا الكبير رؤية جديدة للمكتبات المتحفية أكد مؤمن عثمان، رئيس قطاع المتاحف، أن إدراج المكتبات داخل المتاحف هو توجه استراتيجي يعكس فلسفة متكاملة تقوم على تحويل المتحف إلى مركز للمعرفة والتعلم المجتمعي، وليس فقط موقعًا للعرض والتحف. وأشار إلى أن مشروع مكتبة متحف المركبات الملكية هو نموذج سيتم تعميمه في متاحف أخرى، مع تخصيص مقتنيات معرفية ترتبط بطبيعة كل متحف ومحتوياته، بما يعزز التجربة الثقافية للزائر. تصنيف وتنظيم يراعي التخصصات والباحثين الدكتورة نادية لقمة أعربت عن فخرها بوجود مكتبتها داخل المتحف، مشيرة إلى أن هذا النوع من المكتبات يخدم شريحة مهمة من المتخصصين في علوم الترميم، وهو مجال نادر لا تتوفر مصادره بسهولة. وأكدت أن طريقة تصنيف وعرض محتويات المكتبة تسمح بسهولة الوصول إلى المعلومات، وتحفّز على البحث العلمي والاستفادة القصوى من المواد المعرفية. جانب توثيقي جديد للأسرة العلوية أوضحت إسراء عبد الجواد، مسؤولة شؤون المكتبات بقطاع المتاحف، أن مكتبة النبيلة نجلاء خيري لا تقتصر على الجانب الورقي فقط، بل تشمل توثيقًا شخصيًا للعائلة العلوية من خلال: قاعدة بيانات إلكترونية قيد الإعداد رمز كودي يحمل معلومات تعريفية عن النبيلة نجلاء وأفراد أسرتها صور ومقتنيات خاصة تُعرض بطريقة تحترم الطابع الشخصي والتاريخي معًا وأضافت أن التعاون مع إدارة التربية المتحفية وذوي الهمم ساهم في تزويد المكتبة بكتب بلغة برايل، ما يعزز مبدأ الشمول والدمج الثقافي. نقلة نوعية في وظيفة المتاحف وفي السياق ذاته، صرح أمين محمود الكحكي، مدير متحف المركبات الملكية، أن إنشاء المكتبة داخل المتحف يمثل نقلة نوعية حقيقية، معتبرًا أن المعرفة يجب أن تكون جزءًا من تجربة الزائر، لا تقل أهمية عن المعروضات. وأشار إلى أن المكتبة تخدم الباحثين بشكل مباشر، كما تضيف بعدًا جديدًا للزائر العادي، إذ يمكنه الاستمتاع بجولة بين التحف، ثم التعمق في خلفياتها من خلال الكتب والمراجع، في تجربة تعليمية متكاملة. خطة مستقبلية.. المتحف مركز معرفي متكامل جاء افتتاح المكتبة في سياق خطة شاملة لتطوير الخدمات المتحفية أطلقتها وزارة السياحة والآثار، وتهدف إلى: تعزيز البنية الثقافية للمتاحف إدخال أدوات تعليمية جديدة للزوار إقامة فعاليات وورش عمل تعليمية داخل المكتبات رقمنة الأرشيف المعرفي وإنشاء قواعد بيانات مفتوحة وهذه الخطوة ليست نهاية المشروع، بل بدايته، حيث يجري العمل حاليًا على تجهيز قاعات مخصصة للقراءة، وأخرى للمحاضرات والندوات داخل المكتبة. المتحف ليس مجرد تحف بل بوابة للمعرفة اقرأ أيضا |الثقافة تواصل أنشطتها للأطفال بجولة في متحف المركبات الملكية لا شك أن افتتاح مكتبة متحف المركبات الملكية يشكّل علامة فارقة في تاريخ العمل المتحفي في مصر، حيث يتحول المتحف إلى مكان للتأمل والقراءة والبحث، لا مجرد زيارة سريعة لالتقاط الصور. في داخل أروقة المكتبة الجديدة، تُنسج قصص من كتب نادرة، وتُبعث حياة في مقتنيات نساء من التاريخ، وتُفتح آفاق للباحثين والطلاب وذوي الهمم... في هذا الصرح، تلتقي العربة الملكية بالكتاب، ويتلاقى المجد القديم مع الوعي المعاصر.