بين جدران المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، حيث تتنفس التماثيل القديمة عبق العصور، اجتمع الفن والتاريخ في لقاء إبداعي فريد، كشف عن قدرات جيل جديد من الفنانين. ففي معرض يحمل عنوان "الفن يلتقي بالتاريخ"، تحوّلت القطع الأثرية إلى مصدر إلهام لعشرات اللوحات، رسمها طلاب كلية الفنون الجميلة، في حوار بصري حيّ بين الماضي والحاضر. في إطار الأنشطة الثقافية والفنية المتواصلة التي ينظمها المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، وتحت شعار "الفن يلتقي بالتاريخ"، افتُتح مؤخرًا معرض فني متميز بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، حيث ضم المعرض 44 لوحة فنية أبدعها طلاب قسم التصوير مستلهمين أعمالهم من التراث المعروض داخل المتحف. وقد أقيم المعرض في قاعة "الجيبسوتكا"، وهي القاعة التي تحتوي على مستنسخات جصية مميزة من التماثيل والمنحوتات اليونانية والرومانية والمصرية القديمة، ما أضفى على الأعمال الفنية طابعًا فريدًا من التفاعل بين الأصل والإبداع، وبين القديم والجديد. اقرأ أيضًا | نائب وزير الخارجية التايلاندي في جولة بالمتحف اليوناني بالإسكندرية الهدف: تعليم عبر الفن أوضحت الدكتورة ولاء مصطفى، مدير عام المتحف اليوناني الروماني، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار حرص المتحف على دمج الفن التشكيلي بالتعليم التاريخي، لا سيّما بالنسبة للجيل الناشئ، إذ يمثل المشروع حلقة وصل حية بين الطلاب وتاريخهم، ويمنحهم الفرصة للتفاعل مع الرموز الثقافية من خلال الرسم والتصوير. وأضافت أن هذا التعاون مع كلية الفنون الجميلة يُعَد واحدًا من سلسلة مبادرات يخطط لها المتحف لتعزيز مكانته كمؤسسة تعليمية وثقافية، وليس مجرد مكان للعرض الساكن. لوحات تحكي قصصاً من زمن مضى اللوحات المعروضة جاءت متنوعة الأساليب والرؤى، حيث اعتمد بعض الطلاب على التجريد البصري، بينما سلك آخرون دروب الواقعية الدقيقة. وقد تميزت الأعمال بالاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للمنحوتات والتماثيل، مع لمسات لونية حديثة أعادت تشكيل رموز الحضارة القديمة بشكل حيّ ومعاصر. ومن أبرز اللوحات لوحة جسدت تمثال الإله سيرابيس، أحد أبرز رموز التقاء الحضارتين المصرية واليونانية، ولوحة أخرى تناولت رمز "أبو الهول" بأسلوب تعبيري يوحي بالقوة والسكينة. التفاعل بين الزائر والفنان تميّز المعرض بإتاحة الفرصة للجمهور، خصوصًا من فئة الشباب والطلاب، للتفاعل مع الرسامين ومناقشة دوافعهم الفنية، وكيفية استلهامهم للأعمال القديمة. وقد ساعد هذا التفاعل في تحفيز الزائرين على تأمل القطع الأثرية من زوايا جديدة، وفهم أعمق لما تمثله من قيم حضارية. كما خُصص ركن داخل المعرض يتيح للزوار تجربة الرسم المباشر لبعض القطع المعروضة، في مبادرة تُشجع على التعلّم بالممارسة وتُحفّز الإبداع التفاعلي. الفن المعاصر في حضرة الحضارة هذا المعرض لا يقتصر على كونه حدثًا فنيًا فقط، بل يُعد تجربة متكاملة تعزز من دور المتاحف كمراكز فكر وإبداع، تجمع بين الفن والتعليم والتراث، وتمنح الشباب المساحة للتعبير عن رؤاهم بأسلوبهم الخاص. وهو ما يعكس أيضًا اتساع أفق التفكير المتحفي الجديد في مصر، الذي يفتح أبوابه للتجديد والمشاركة المجتمعية. خطوة نحو المستقبل من خلال هذا المعرض، يُثبت المتحف اليوناني الروماني أن المتاحف ليست فقط حراسًا للماضي، بل منصات نابضة تعيد تقديم التراث برؤى شبابية حديثة. وبهذا التعاون الفني الرائد، تتعزز رسالة الثقافة في بناء الجسور بين الأجيال، وبين الحضارة والفن، وبين الجدران القديمة وألوان الإبداع المتجددة.