في خطوة تعكس التزام الدولة المصرية العميق بحماية إرثها الحضاري والديني، أعلنت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو رسميًا عن رفع موقع دير أبو مينا الأثري بمدينة برج العرب من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. هذا الإنجاز التاريخي يأتي تتويجًا لجهود مكثفة بذلتها وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع الكنيسة المصرية ومختلف الجهات المعنية، لاستعادة المكانة العالمية لموقع يعد أحد أقدم وأقدس المزارات المسيحية في العالم. ◄ إنجاز مصري بامتياز خلال انعقاد الدورة السابعة والأربعين للجنة التراث العالمي بالعاصمة الفرنسية باريس، اعتمدت اليونسكو قرارًا تاريخيًا برفع موقع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، بعد تأكدها من تنفيذ جميع التدابير التصحيحية اللازمة لتحقيق حالة الصون المطلوبة للموقع، وخاصة النجاح في ضبط منسوب المياه الجوفية التي كانت تهدد بقاء هذا الإرث الفريد. أشادت اللجنة في تقريرها بما وصفته ب"التحول النموذجي" في حالة الموقع، مؤكدة أن ما تحقق من ترميمات وإنشاء منظومة دقيقة لمراقبة المياه الجوفية يعكس التزامًا حقيقيًا من قبل الدولة المصرية بحماية تراثها وفقًا لأرفع المعايير الدولية. وقد أثبتت القياسات الدورية التي قامت بها بعثة المراقبة المشتركة بين مركز التراث العالمي و"ICOMOS" أن النظام يعمل بكفاءة عالية. ◄ تقدير رسمي وتكريم وطني وعبر شريف فتحي وزير السياحة والآثار عن فخره الكبير بهذا الإنجاز، مؤكدًا أن رفع اسم أبو مينا من قائمة المواقع المهددة يعكس الإرادة السياسية الراسخة للحفاظ على التراث المصري. كما توجه الوزير بالشكر والتقدير لكل من ساهم في تحقيق هذا النجاح، خاصة الكنيسة المصرية، مثمنًا جهود قداسة البابا تواضروس الثاني وحرصه على صون هذا المكان المقدس. ◄ جهود علمية وهندسية دقيقة من جانبه، أشار الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إلى أن عملية إنقاذ الموقع بدأت بخطة مدروسة عام 2019، ركزت على خفض منسوب المياه الجوفية، وتم تشغيل النظام تجريبيًا عام 2021، ثم إطلاقه رسميًا عام 2022. كما جرى تنفيذ أعمال ترميم شاملة لجميع العناصر الأثرية المتبقية، بهدف استعادة القيمة العمرانية والروحية للموقع. ويُعد دير أبو مينا من أهم المزارات المسيحية في العالم، حيث كان في العصور الأولى مركزًا للحج المسيحي بعد القدس، لما له من ارتباط بقصة القديس مينا، أحد أبرز الشهداء في تاريخ المسيحية. ويضم الموقع آثارًا فريدة، من أبرزها البئر الذي يُعتقد أنه يحتوي على رفات القديس، والكنيسة الكبرى، وساحة الحجاج التي تعكس الطابع العمراني الفريد. ◄ من الخطر إلى الاستدامة أوضح الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أن التهديدات التي واجهت الموقع كانت بسبب النشاط الزراعي غير المنظم، خاصة أساليب الري بالغمر، مما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتأثيرها على البنية التحتية الأثرية. إلا أن المشروع المصري الذي تم تنفيذه، بما في ذلك دراسات التصميم والتشغيل الدقيق، أعاد للموقع استقراره، وضمان استدامته للأجيال المقبلة. وأكد مسؤولو الآثار أن مصر لن تكتفي بهذا الإنجاز، بل ستستمر في مراجعة وتحديث خطط الحفاظ بشكل دوري، والتواصل الدائم مع مركز التراث العالمي بشأن أي تطورات مستقبلية، لضمان بقاء الموقع على خريطة التراث العالمي وحمايته من أي مخاطر مستقبلية. بجهود علمية متكاملة وتنسيق مؤسسي رفيع المستوى، نجحت الدولة المصرية في انتزاع اعتراف دولي جديد يُضاف إلى سجل إنجازاتها الحضارية، بعد أن أعلنت لجنة التراث العالمي باليونسكو رفع موقع دير أبو مينا الأثري من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. جاء هذا القرار بعد مسيرة طويلة من الدراسات والترميمات والمشروعات الهندسية الدقيقة، التي أعادت الحياة إلى موقع مسيحي من الطراز الفريد يقع في قلب صحراء مريوط غرب الإسكندرية، كان يُعرف قديمًا ب"المدينة الرخامية"، لما يحمله من قيمة تاريخية وروحانية وعمرانية لا تقدر بثمن. ◄ اكتشاف علمي أشار خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن منطقة أبو مينا تقع في صحراء مريوط على بُعد 56 كم غرب الإسكندرية، وتضم موقعًا أثريًا يقع خلف الدير الحديث على مساحة تُقدّر بألف فدان. تعود أولى الاكتشافات الأثرية بالموقع إلى عام 1905 حين عثر عليه الباحث الألماني كاوفمان، تلاه عدد من الحفائر المهمة من قبل المتحف اليوناني الروماني (1925–1929) والمتحف القبطي (1951–1952)، ثم تولّى المعهد الألماني للآثار مسؤولية التنقيب المستمر منذ عام 1961 بقيادة الدكتور بيتر جروثمان. كشفت الحفائر عن مدينة متكاملة كانت تُعرف ب"المدينة الرخامية" نظرًا لغزارة استخدام الرخام بها، وتضمنت كنائس ضخمة – من بينها أكبر بازيليكا في مصر – ومنازل، حمامات، قرية سكنية، دور ضيافة، مركز حج، ومستشفى أثري (بيمارستان)، إلى جانب القنانى الفخارية الشهيرة الخاصة بالقديس مينا. ◄ الاعتراف الدولي والتراث العالمي تم تسجيل الموقع كأثر بالقرار رقم 698 لسنة 1956، وأُدرج كموقع تراث عالمي ضمن قائمة اليونسكو عام 1979 وفقًا للمعيار الرابع، نظرًا لكونه مجمعًا معماريًا مميزًا ينتمي للعصر المسيحي المبكر. لكن الموقع واجه خطر التآكل والاندثار بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية والتعديات، ما دفع اللجنة إلى إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي المعرض للخطر عام 2001. اقرأ أيضا| سفير مصر بباريس: رفع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر تتويج لجهود الدولة بيّن الدكتور ريحان أن الدولة المصرية أطلقت خطة إنقاذ شاملة للمنطقة الأثرية، تمثلت في إعداد مشروع ضخم لخفض منسوب المياه الجوفية بالتعاون بين وزارات السياحة والآثار، الزراعة، والري، إلى جانب إدارة دير مارمينا والمحليات، وإزالة التعديات المحيطة. وقد صدر قرار جمهوري عام 2018 بتشكيل لجنة عليا لإدارة مواقع التراث العالمي برئاسة مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية. بدأ تنفيذ المشروع فعليًا عام 2019 بتمويل ذاتي من المجلس الأعلى للآثار بتكلفة بلغت 60 مليون جنيه، شمل حفر 12 بئرًا عميقًا حول قبر القديس مينا و57 بئرًا حول الموقع بالكامل، إلى جانب مد خطوط طرد بطول أكثر من 6 كم، وربطها جميعًا بشبكة تحكم مركزية. كما تم تطهير المصارف داخل وخارج المنطقة، وتحويل أنظمة الري بالغمر إلى ري بالتنقيط. ◄ نجاح النموذج المصري في الحفظ أكدت وزارة السياحة والآثار، عبر تجارب دورية، خلو الموقع الأثري بالكامل – بما في ذلك منطقة قبر القديس – من أي تجمعات للمياه الجوفية، وهو ما تم التأكد منه خلال الزيارة الأخيرة التي شملت وزير السياحة والآثار شريف فتحي، والبابا تواضروس الثاني، ومحافظ الإسكندرية، ومديرة مكتب اليونسكو الإقليمي. وعلى ضوء هذه النتائج الإيجابية، تم تقديم تقرير شامل للجنة التراث العالمي، يُبرز التقدم في أعمال الحماية والإدارة. وفي الدورة 47 للجنة في باريس، صدر القرار التاريخي برفع الموقع رسميًا من قائمة التراث المهدد بالخطر. ◄ ترميم وترويج لموقع استثنائي أعلن الوزير شريف فتحي خطة شاملة لترميم دير أبو مينا وتطوير خدماته السياحية، تتضمن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة للتفاعل مع الجمهور، وتنظيم برامج تدريبية للمرشدين السياحيين والعاملين في الدير لتعريف الزوار بأهمية الموقع. كما سيتم إعداد خطة تسويق متكاملة، تشمل استخدام الوسائط الرقمية والمنصات التفاعلية، وتخصيص مساحات ضمن الجناح السياحي المصري في المعارض الدولية للتعريف بالدير، على غرار المتحف المصري الكبير. عودة دير أبو مينا إلى قائمة التراث العالمي كأحد المواقع المصانة تُعد انتصارًا للعلم، والإرادة، والتخطيط الحكومي المتكامل. فهذا المكان الذي جمع بين الإيمان والفن والمعمار، يستعيد اليوم صوته على الساحة العالمية، حاملاً معه قصة حضارة مصرية تتقن الحفاظ على ذاكرتها، وتُحسن تقديمها للعالم برؤية معاصرة تستشرف المستقبل دون أن تغفل عن الجذور. إن رفع دير أبو مينا من قائمة التراث المعرض للخطر ليس فقط إنجازًا تقنيًا وإداريًا، بل هو رسالة حضارية تؤكد أن مصر، صاحبة أقدم حضارة عرفها التاريخ، لا تزال متمسكة بجذورها، حريصة على حفظ تراثها المتنوع، الديني والثقافي والإنساني، لتقدمه للعالم في أبهى صورة.