في زمنٍ تتسارع فيه الأضواء نحو المشاهير والعناوين الزائفة، يقف في الظل رجلٌ يُجري أعقد العمليات الجراحية، وينقذ الأرواح، ويعود إلى وطنه بصمت متكرر ليمنح الفقراء أملاً جديدًا في الحياة دون عدسات، دون صخب، ودون مقابل. إنه الدكتور نادر حنا، الطبيب المصري الذي صعد من مطاعم البيتزا وسائق التاكسي، إلى قاعات أرقى المستشفيات الأمريكية، وأصبح اسمًا عالميًا في جراحة الجهاز الهضمي والأورام، وفي كل خطوة من رحلته ظل وفيًا لأصله، نقيًا في رسالته، ومتواضعًا في عطائه. في هذا التقرير، نسلط الضوء على هذا النموذج الإنساني والطبي الفريد، الذي يستحق أن يُروى اسمه على الألسنة، ويُحفر في وجدان الأجيال القادمة. اقرأ أيضًا | هل تعاني من الأكزيما؟.. علاجات حديثة ونصائح فعّالة للسيطرة على الأعراض من نيجيريا إلى القاهرة.. البداية المتواضعة لطموح استثنائي وُلد الدكتور نادر حنا في مصر، لكنه انتقل مبكرًا إلى نيجيريا مع والده الطبيب، حيث عاش طفولته وتشرّب مبادئ مهنة الطب من والده، وفي سن السادسة عشرة، عاد إلى مصر ليكمل دراسته الثانوية في مدرسة إسماعيل القباني، ومنها التحق بكلية الطب في جامعة عين شمس، حيث بدأت ملامح حلمه الطبي تتشكل. مطاعم البيتزا وسائق التاكسي.. طريق شاق نحو الحلم الأمريكي بعد تخرجه من كلية الطب، قرر السفر إلى الولاياتالمتحدة لإكمال دراسته والتخصص في جراحة الأورام، لكنه لم يملك الموارد الكافية، لم يتردد في أن يعمل في مطاعم البيتزا، ويقود سيارات الأجرة، بل ويقوم بأبسط الأعمال اليدوية، ليوفر مصاريف الدراسة، هذه المرحلة من حياته تُمثل مثالًا نادرًا في الكفاح، وتُبرز عزيمة لا تلين. التفوق والتميّز.. من طالب إلى أحد أعظم جراحي الأورام بفضل إصراره وتفانيه، نال الدكتور نادر حنا الدكتوراه، ثم درجة الأستاذية، وبدأ يفرض اسمه في مجال الجراحة الدقيقة، حتى أصبح من أهم الأطباء المتخصصين في جراحات الجهاز الهضمي والأورام في الولاياتالمتحدة. أسّس جراحة الأورام الحديثة في ولاية ميريلاند، ويشرف حاليًا على أربع مستشفيات كبرى، تُجري مئات العمليات تحت إشرافه سنويًا. 18 ساعة في غرفة العمليات.. قصة التحدي والبطولة من أشهر العمليات التي أبهرت الوسط الطبي، عندما استغاث مريض من ولاية فلوريدا بعد أن رفض الجميع إجراء جراحة له بسبب خطورتها البالغة، حيث أصيب بورم شديد يهدد كليته الوحيدة المتبقية، لم يتردد الدكتور نادر حنا، وأجرى الجراحة على مدار 18 ساعة متواصلة، في ملحمة طبية خارقة، أنقذ خلالها المريض وأعاد له الحياة. الطبيب الإنسان وعودته إلى مصر دون ضجيج ورغم مكانته الرفيعة، يحرص الدكتور نادر حنا على العودة إلى مصر كل عام، في صمتٍ وتواضع، ليُجري عمليات جراحية دقيقة للفقراء في المعهد القومي للأورام بالقاهرة، دون مقابل، ودون تغطية إعلامية. كرّر هذه الزيارة الإنسانية أربع مرات في أربع سنوات، كما سافر إلى أسوان لإجراء العمليات ذاتها في مستشفيات حكومية، واضعًا نصب عينيه فقط وجه الله وخدمة وطنه. ما لا تعرفه عن نادر حنا تُعرف عملياته الجراحية بالدقة الشديدة، وقدرتها على استئصال الأورام المعقدة دون الإضرار بالأعضاء الحيوية. يقوم بتدريب الأطباء الشباب على أحدث تقنيات جراحة الأورام، ويُشارك في مؤتمرات عالمية كمحاضر رئيسي. رغم كل إنجازاته، لا يملك صفحات نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويُفضل العمل في صمت بعيدًا عن الأضواء. يرفع علم مصر في المحافل الطبية العالمية، ويؤكد دومًا أن ما حققه هو بفضل جذوره المصرية وتربيته الصلبة. لماذا نادر حنا هو بطل حقيقي؟ لأن البطولة ليست في الظهور، بل في الأثر، نادر حنا يمثل جيلاً من المصريين الذين غادروا بلادهم من أجل العلم، لكنهم لم ينسوها يومًا، عادوا إليها ليس لينالوا التكريم، بل ليمنحوا غيرهم الحياة. هو نموذج للطبيب الإنسان، والعالم المتواضع، والمصري الأصيل الذي لم تفتنه المناصب، ولم تغيره الشهرة، بل زادته تواضعًا وإخلاصًا. في زمن تبحث فيه المجتمعات عن قدوة، يطل علينا الدكتور نادر حنا كنموذج حيّ يُجسّد معنى الطب كرسالة، والوطنية كعطاء، والتواضع كقيمة. هو فخر لكل مصري ومصرية، ورمز يجب أن تحتذي به الأجيال القادمة، فلنرفع له القبعة، وننقل سيرته، ونحكيها لأولادنا لأنه ببساطة بطل في صمت.