اعترفت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير بعد حرب أكتوبر بأنها فكرت فى الانتحار فقد عرف الجنود الإسرائيليون لأول مرة فى حياتهم تجربة الحصار والعزلة أثناء القتال وعار الأسر والخوف من نفاد الذخيرة. فعندما دوت فى «تل أبيب» صفارات الإنذار بالثانية إلا عشر دقائق من بعد ظهر السادس من أكتوبر73 كانت أكثر من مجرد إنذار للإسرائيليين بالنزول إلى المخابئ فقد كانت بمثابة الصرخات التى تطلق عندما يتم دفن الموتى وكان الميت حينذاك هو إسرائيلى فبعد 25 عاما من قيامها باتت أعمدة ودعائم الدولة حطاماً ملقى على جانب الطريق وقالت الصحف الصهيونية إن هذه الحرب جرح غائر فى اللحم القومى للدولة الإسرائيلية ونقطة انكسار للمجتمع وإنها قوضت الثقة بالنفس لدى نخبة الأمن وتسببت فى هدم افتراضات أمنية قامت عليها الاستراتيجية الإسرائيلية لفترة طويلة وغيرت بعض العناصر الرئيسية فى نظرية الأمن القومى التى تبلورت فى العقد الأول من قيام الدولة. ففى كتاب «البندقية وغصن الزيتون» قال الصحفى البريطانى دافيد هيرست إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال.. فلأول مرة فى تاريخ الصهيونية حاول العرب ونجحوا فى فرض أمر واقع بقوة السلاح.. ولم تكن حرب الأيام الستة مجرد نكسة عسكرية بل أنها أصابت جميع العناصر السيكولوجية والدبلوماسية والاقتصادية التى تتكون منها إسرائيل قوة وحيوية!. وأضاف الكاتب الفرنسى «جان كلود جيبوه» فى كتابه «الأيام المؤلمة فى إسرائيل» أنه فى العاشرة و6 دقائق من صباح الأول من ديسمبر أسلم «ديفيد بن جوريون» الروح فى مستشفى» تيد هاشومير» بالقرب من تل أبيب ولم يقل شيئاً قبل أن يموت غير انه رأى وهو فى قلب مستعمرة بالنقب انهيار عالمه بأكمله ورأى إسرائيل وهى تنسحق فى أيام قلائل نتيجة لزلزال أكثر وحشية ثم راح يتابع سقوطها الحاد وهى تهوى من علوها الشامخ الذى أطمأنت اليه! .. وقال المعلق العسكري «زئيف شيف» فى كتابه إنها أول حرب يعالج فيها الأطباء جنود إسرائيليين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسى وتحويلهم للمستشفيات فقد أذهل إسرائيل نجاح العرب فى المفاجأة وتحقيق نجاحات عسكرية وعليها أن تعيد تقديرالمحارب العربى فقد دفعت ثمناً باهظاً فقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلى القمة..وللحديث بقية.