مع تصاعد الصراعات والاضطرابات بمنطقة الشرق الأوسط والتي انعكست تبعاتها على دول العالم بما أحدثته من اضطراب فى سلاسل الإمداد وعلى ممرات ملاحية ذات الأهمية الحيوية للاقتصاد العالمي، واصلت مصر العمل وحافظت على استدامة عجلة الإنتاج وتمكنت من توفير كافة الخامات ومدخلات التصنيع والمخزون الآمن لجميع السلع الأساسية بما حقق استقرارًا اقتصاديًا فى إقليم مشتعل يعاني حالة من عدم اليقين. ◄ خبراء: نمتلك مؤهلات الانطلاق.. والإصلاح حقق نتائج ملموسة اضطرابات المنطقة سرعت من وتيرة خروج رؤوس الأموال بحثاً عن بيئات أكثر أماناً واستقراراً، وفى هذا السياق تبرز مصر كوجهة استثمارية واعدة وآمنة تتمتع بتصنيف ائتمانى مستقر وهو ما يؤكد ثقة المؤسسات الدولية والدول الكبرى وشركات التصنيف العالمية في قدرة الاقتصاد الوطني المصري، وفى الوقت نفسه تستمر عجلة الاستثمار فى الدوران وتتزايد بافتتاحات متتالية للعديد من المصانع وجذب الشركات الأجنبية والتوسع بشكل كبير في العديد من الصناعات. د. مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أكد أن مصر تعمل على تهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات فى ظل الأزمات التى تمر بها المنطقة، ورغم انعكاس آثارها السلبية على الاقتصاد فقد نجحت فى جذب الاستثمارات للعديد من المناطق اللوجستية مثل العين السخنة وافتتاح العديد من المصانع، وهو نتاج الإصلاح الاقتصادى الشامل الذى شمل التشريعات والقوانين وسعر الصرف وتدريب اليد العاملة، مما أدى إلى تنوع فى الاستثمار.. أوضح د. بدرة أن مصر تستهدف جذب مشروعات استثمارية مباشرة مثل المصانع والشركات لتكون بيئة حاضنة للعديد من الشركات والمصانع العالمية وبرغم تزايد مناطق الصراع فى المنطقة والتى تؤثر بالسلب على اقتصاد المنطقة، إلا أن التصنيف الائتمانى لمصر مستقر، وهو ما يؤكد ثقة المؤسسات الدولية والدول الكبرى وشركات التصنيف العالمية فى قدرة الاقتصاد الوطنى على الثبات رغم ظروف الاقتصاد وحالة عدم اليقين التى تعصف بالمنطقة.. وشدد بدرة على أن مصر تتقدم بشكل سريع فى تنفيذ مشروعاتها سواء الاستثمار المحلى أو الأجنبى وهو ما يحول مصر إلى بيئة جاذبة للاستثمار، مطالباً بضرورة الاستفادة الكاملة من طاقة المصانع غير المنتجة، وأشار إلى أن الدولة كلما أطلقت المزيد من المحفزات والحزم التمويلية زادت من قدرة الاقتصاد على جذب استثمارات جديدة، وأضاف أن مناطق الصراع تشهد دائماً خروج الأموال منها هرباً من تبعات الحروب. ◄ حوافز تمويلية بينما قال د. أحمد شوقى، الخبير الاقتصادي، أن تزايد مناطق الصراع فى الشرق الأوسط يتسبب فى زيادة خروج الاستثمار من تلك المناطق من أجل البحث عن مناطق أكثر أمانا، وأشار إلى أن مصر حاليا تتمتع بالاستقرار الاقتصادي والأمان فى ظل حوافز تمويلية والتيسيرات ضريبة واستقرار سعر الصرف ما يجعل الاقتصاد الوطنى جذابا لتلك الأموال فى منطقة ملتهبة تتزايد فيها الصراعات بشكل متصاعد.. وأكد شوقى أن مصر استطاعت تحقيق احتياطات من المواد الخام لتلبية احتياجات المصانع بالإضافة إلى تسريع عمليات الإفراج الجمركى وهو ما يؤكد فاعلية خطة مواجهة التحديات الناجمة عن الأزمات الدولية وهو ما نتج عنه عدم رصد شكوى من المصانع بتأخير مواد الخام أو متطلبات الإنتاج ما دفع المستثمرين الأجانب إلى التوسع فى افتتاح العديد من المصانع فى مصر مؤخرًا من أجل الاستفادة من الاستقرار الاقتصادى وما تتمتع به مصر من موقع متميز وامتلاكها ممر قناة السويس الذى يعد أهم الممرات الملاحية التجارية الدولية.. وأشار د. شوقى إلى أن مصر تنتهج سياسة تحفظية تتعامل مع الأزمات بشكل متزن بالإضافة الى أن التيسيرات والحوافز التى تقدمها مصر كانت سببًا فى جذب الاستثمارات الأجنبية وهو ما يرشح مصر لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية فى ظل الأزمات التى تشهدها المنطقة فضلا عن تحسن التصنيف الائتمانى.. أما د. هانى أبو الفتوح، الخبير الاقتصادي، قال إنه لا يمكننا تجاهل حقيقة أن تصاعد الصراع فى المنطقة بدأ يؤثر بقوة على أسواق المال فى الإقليم وخاصة القطاع المصرفى وأسواق الدين والطاقة والنقل وهى الأكثر عرضة لتخارج الاستثمارات منها وأضاف أن قدرة الأسواق القريبة من مناطق الصراع على استيعاب الصدمة تختلف من دولة لأخرى. وأشار أبو الفتوح إلى أن التحدى الأكبر ليس فى جذب هذه الأموال بل فى الحفاظ على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب داخل مصر ومنع أى تأثيرات سلبية على السوق وأن الأهم بالنسبة لمصر الآن هو تقوية وضعها الداخلى سواء تحسين مناخ الاستثمار والحفاظ على استقرار الجنية وإرسال رسائل واضحة بأن الاقتصاد يُدار بحكمة فى هذه الظروف الصعبة. ◄ اقرأ أيضًا | قادم بقوة.. إشادت دولية بنجاح الاقتصاد المصري وتوقعات إيجابية للنمو والتضخم ◄ البديل الآمن ويرى د. شريف فاروق، خبير العلاقات الدولية، أن الاضطرابات المتلاحقة فى منطقة الشرق الأوسط تفتح أمام مصر فرصة ذهبية لتصبح الوجهة الاستثمارية الآمنة فى ظل سلسلة من الأزمات المتتالية التى تهدد الاستقرار الإقليمي، بدءاً من الحرب الإسرائيلية على غزة التى اندلعت فى عام 2023 وما ترتب عليها من تداعيات اقتصادية خطيرة، وصولاً إلى التصعيد فى الصراع الإيرانى الإسرائيلى وما قد ينجم عنه من تهديدات محتملة. وأكد فاروق أن استمرار هذه الأزمات وعدم الاستقرار يدفع المستثمرين للبحث عن بدائل آمنة تحقق لهم النمو الاقتصادى المنشود، مؤكداً أن نجاح أى منطقة استثمارية يعتمد على توفير مزايا لوجيستية وصناعية متميزة، إلى جانب الاستفادة من الموقع الجغرافى الاستراتيجي، بما يخلق حزمة من المميزات التنافسية القادرة على جذب رؤوس الأموال الدولية، شريطة ضمان الأمن والاستقرار وتقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن. وأشار د. فاروق إلى أن مصر تمتلك العديد من المميزات التنافسية وسط منطقة تعج بالأزمات، ولعل أبرزها؛ توافر المناطق الاستثمارية المختلفة التى تم إنشاؤها من خلال استراتيجية وطنية لتصل تقريباً إلى 17 منطقة استثمارية و7 مناطق حرة و227 منطقة خاصة، بالإضافة إلى 7 مناطق استثمارية أخرى قيد الإنشاء.. وأكد أن هذه المناطق تتمتع بمواقع جيو اقتصادية حققت لها السبق وعنصر الجذب لرؤوس الأموال الأجنبية وذلك لتوافر عنصرين هامين وهما بيئة الاستثمار الآمن بالإضافة إلى كونها تطل على أهم ممرات التجارة العالمية وهى قناة السويسوالبحرين الأحمر والمتوسط، مما يجعلها قواعد لوجيستية رائدة للتجارة الدولية. ◄ استقطاب رؤوس الأموال وأضاف فاروق أن الدولة نجحت فى جذب الاستثمارات من خلال توافر المناطق الآمنة ذات المناخ الاستثمارى الجاذب فى مصر مشيراً إلى طلب المطور الصناعى الصينى العملاق «تيدا» بنهاية مايو 2025 تخصيص قطعة أرض بمساحة 10 ملايين متر مربع ، أى بما يعادل مساحة مدينة بنها، لتوسعة المدينة الصناعية التابعة لها بالعين السخنة داخل نطاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والمقامة حالياً على مساحة 7 ملايين متر مربع، بخلاف 3 ملايين متر مربع حصل عليها مؤخراً حيث تعكس هذه الخطوة التوسعات المتزايدة للاستثمارات الصينية فى مصر من أجل رفع عدد المصانع الصينية من 220 مصنعاً حالياً إلى 1000 مصنع خلال 5 سنوات.. وأشار فاروق إلى أنه بالرغم من التأثيرات المتزايدة للأزمات المتصاعدة بالمنطقة، إلا أنها تمثل «المنحة داخل المحنة» للاقتصاد المصرى حيث يمكن استقطاب رؤوس الأموال الهاربة من مناطق الصراع والباحثة عن مناطق آمنة للاستثمار بما تمتاز به مصر من وفرة مناطق الاستثمار المتنوعة ذات البنية التحتية المتطورة خاصة مع تواجد الأيدى العاملة الماهرة والإمكانيات الصناعية المختلفة فى مجال الصناعات الإلكترونية والغزل والنسيج والمواد البترولية، واحتفاظها بعلاقات متوازنة دولية تمكنها من التعاون مع الجميع فضلاً عن الموقع الجغرافى المتميز. من جانبه، أكد د. على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، أن تصاعد الصراعات الإقليمية والاضطرابات السياسية، تسرع وتيرة خروج رؤوس الأموال والاستثمارات من بؤر التوتر، بحثًا عن بيئات بديلة أكثر أمنًا واستقرارًا مما يعيد تشكيل خريطة الاستثمار وتحت هذه المعادلة الجيوسياسية الجديدة، تبرز مصر كوجهة محتملة لاستقطاب هذه الاستثمارات، لا سيما فى ظل ما تمتلكه من موقع استراتيجى حاكم عند ملتقى القارات، و اتفاقيات تجارة حرة تتيح النفاذ إلى أسواق ضخمة فى أفريقيا وأوروبا والعالم العربي، فضلًا عن توافر بنية تحتية لوجستية متطورة نسبيًا، ومناطق اقتصادية واعدة على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط. وأشار الإدريسي إلى أن أبرز القطاعات التى يمكن لمصر أن تقدم فيها نفسها كبديل استثمارى قوى هى الزراعة والصناعة، نظرًا لما تشهده هذه المجالات من تحديات فى المناطق المتأثرة بالنزاع فى الشرق الأوسط ففى قطاع الزراعة، تتيح مصر فرصًا ضخمة فى مناطق الدلتا الجديدة، وتوشكى، وغيرها ، بفضل وفرة الأراضى الصحراوية القابلة للاستصلاح، ومشروعات الرى الحديث، والبنية التحتية التى بدأت تتكامل حول المجتمعات الزراعية الجديدة ويمكن للمستثمر الأجنبى الاستفادة من مشروعات زراعية ذات طابع تصديرى من أجل استهداف أسواق الخليج وأفريقيا وأوروبا، مستفيدًا من الاتفاقيات الموقعة مثل الكوميسا واليورو-متوسطي.. واكد الادريسى إن قطاع الصناعة، لديه فرص واعدة لجذب الاستثمارات الهاربة من صناعات الغذاء والنسيج والدواء والإلكترونيات الخفيفة، لا سيما مع توافر مناطق صناعية كاملة ومع تطبيق نظام "الرخصة الذهبية" وطرح الأراضي بحق الانتفاع، يصبح من الممكن تذليل العقبات التى واجهها المستثمر الصناعى سابقًا، إذا ما اقترنت تلك التسهيلات بإجراءات حكومية تستهدف إزالة البيروقراطية وتقديم الحوافز الفعلية.. وشدد الإدريسى على أن اللحظة الراهنة تحمل فى طياتها نافذة نادرة لإعادة تموضع مصر على خريطة الاستثمار العالمية شرط أن تتم قراءة التحولات بدقة وأن تتحول الدولة الى المبادر القادر على الترويج لإمكاناته بشكل احترافي، وتقديم بيئة اقتصادية تعكس جدية الانفتاح وتنافسية العرض، لأن الدول المنافسة لن تنتظر والاستثمار الهارب لا يبحث فقط عن الأمن بل عن العائد والأفق ومن ينجح فى الجمع بين الثلاثة، سيظفر بجولة الحسم.