محمد إسماعيل على مدار العقد الأخير تغيرت معادلات كثيرة في صناعة الترفيه، خاصة في مجال الكوميديا الذي لطالما كان رهانا مضمونا لصناع الدراما والسينما في العالم العربي، ومع ازدهار المنصات الرقمية وانتشار الهواتف الذكية، برز جيل جديد من الكوميديانات الذين اختاروا منصات مثل "يوتيوب" كمنبر رئيسي لهم بعيدا عن التلفزيون والسينما. هؤلاء الشباب، الذين ينتمي أغلبهم إلى فئة عشرينية وثلاثينية، بدأوا بتقديم محتوى ساخر سريع وخفيف الظل يستلهم تفاصيل الحياة اليومية ويلعب على أوتار القضايا الاجتماعية والسياسية بلغة بسيطة وقريبة من الجمهور، وبمرور الوقت أصبحت مقاطعهم المصورة مادة يومية لعشرات الملايين من المتابعين، وانتقل بعضهم من الهامش إلى الواجهة الإعلامية، وبدأت شركات الإنتاج تنظر إليهم كمواهب جاهزة للانطلاق على الشاشة. لكن هذا الصعود المفاجئ والسريع لهؤلاء النجوم الرقميين أثار الكثير من التساؤلات في الأوساط الفنية والإعلامية، فهل يستطيع هؤلاء أن يحلوا محل نجوم الفن الكوميدى بنفس السرعة والوتيرة التى صعدوا بها إلى عالم الأضواء والشهرة، وهل يكفي أن تحظى بفيديو شهير على يوتيوب لتصبح ممثلا ناجحا؟.. "أخبار النجوم" طرحت تلك التساؤلات ليجيب عنها النقاد. الناقد الفني أمجد جمال يرى أن هناك حالة من الخلط الخطير بين الشهرة الرقمية والموهبة الحقيقية، خصوصا في مجال الكوميديا الذي يعتبره من أصعب أنواع التمثيل، فاليوتيوب منصة مفتوحة تسمح لأي شخص لديه حس ساخر أن يقدم فيديو يحصد آلاف أو ملايين المشاهدات وهذا في حد ذاته ليس إنجازا صغيرا، لكن تحويل هذه الشعبية الرقمية إلى نجاح فني حقيقي على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا يتطلب مهارات فنية لا علاقة لها بتقنيات المونتاج أو سرعة إطلاق "الإفيه". ويضيف أن الكوميديا المحترفة مبنية على أسس درامية دقيقة، منها تحليل الشخصية، والتحكم في الإيقاع، واستخدام الجسد والصوت، والقدرة على الانتقال بين مشاعر متضادة. ويستكمل أمجد أن الكوميديا ليست فقط نكتة أو تعليق ساخر، بل بناء درامي متكامل.. هذا ما لا يدركه كثيرون من نجوم الإنترنت الذين يعتقدون أن عدد المشاهدات يعكس الموهبة، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض نجوم الإنترنت حاولوا الانتقال إلى الشاشة، لكنهم لم يحققوا النجاح نفسه لأنهم لا يمتلكون أدوات الممثل المحترف، لكنه يستثني تجربة الفنان أحمد أمين الذي انطلق من برنامج ساخر على يوتيوب ثم نجح في فرض نفسه على الساحة الدرامية بموهبته واجتهاده. أما الناقد رامي المتولي فيرى أن نجوم "يوتيوب" يمتلكون مقومات حقيقية لو تم استثمارها بالشكل الصحيح، وأمامنا جيل جديد يجيد مخاطبة جمهوره بلغة جديدة غير تقليدية سريعة ومباشرة، وهذا في حد ذاته تطور يجب أن نفهمه ونتعامل معه بذكاء. ويضيف المتولي أن الكوميديا الحديثة تعتمد على بساطة الطرح وسرعة الإيقاع، وهي أشياء يجيدها مؤثرو يوتيوب بامتياز، وأن اندماج هؤلاء في الصناعة الفنية يجب أن يتم بشكل تدريجي ومدروس، ولا يمكن أن نأتي بشخص يملك مليون متابع ثم نضعه في دور بطولة مباشرة، فهذه مخاطرة قد تؤدي لفشل مزدوج فني وجماهيري، ولابد من التدرج ومنحه أدوارا مساعدة، إشراكه في ورش تمثيل وبناء وعي حقيقي لديه بأن التمثيل مهنة شاقة وليست مجدا مؤقتا، مؤكدا أن بعض شركات الإنتاج تستغل شهرة هؤلاء الشباب كوسيلة تسويقية، لكنها لا تضعهم في الإطار المناسب، وإذا أردنا أن نحول هذه الظاهرة إلى قيمة فنية فعلينا أن نحتضنها لا أن نستغلها تجاريا فقط. في حين يقول الناقد احمد سعد الدين أن التحول الرقمي غير وجه الترفيه إلى الأبد، وأن مقاومة نجوم الإنترنت لن تؤدي إلى شيء سوى التخلف عن اللحظة.. فاليوتيوب وغيره من المنصات باتوا أشبه بمسرح مفتوح للجميع، وكل من لديه فكرة وقدرة على التواصل يمكنه أن يحظى بجمهور، لكن ما يميز نجما عن آخر هو قدرته على التطوير والاستمرار. اقرأ أيضا: «لايف شو».. مسلسل يقتحم عالم اليوتيوبرز والسوشيال ميديا ويضيف سعد الدين أن كثيرا من نجوم الكوميديا الجدد لم يأتوا من أبواب الأكاديميات أو المسارح، بل من الفيديوهات القصيرة والمونولوجات الساخرة، وبعضهم استطاع أن يبني قاعدة جماهيرية تفوق نجوم الدراما أنفسهم، وهذا ما جعل المنتجين يلتفتون إليهم، إما لاستثمار جماهيريتهم أو لاختبار قدرتهم على التمثيل.. لكنه في الوقت ذاته يحذر من الإفراط في التوقعات، مشددا على أن الشعبية الرقمية لا تكفي وحدها، فالإفيه اللحظي قد ينجح في فيديو لكنه لا يصمد أمام بناء شخصية مركبة في عمل درامي، ومن يعتمد فقط على التريند سيسقط مع أول إخفاق، أما من يملك الطموح لتعلم أدوات المهنة فربما ينجح ويصنع مستقبله، ورغم أن هذه التجربة أثبتت نجاحا محدودا في بعض الأعمال فإنها في الوقت نفسه أثارت جدلا واسعا بين النقاد والجمهور الذين رأوا أن الكوميديا موهبة وثقافة وممارسة على خشبات المسارح قبل أن تكون مجرد خفة ظل أو تفاعلات رقمية.. فالكوميديان المحترف قضى سنوات من التدريب واكتساب الخبرات لفهم إيقاع الكوميديا، بينما يعتمد كثير من صناع المحتوى على الإفيه السريع أو الفيديو القصير دون تعمق أو تطوير أدواته التمثيلية. ويؤكد سعد الدين إلى أن إسناد أدوار كوميدية كبيرة لمجرد اسم له ملايين المتابعين قد يظلم العمل نفسه، ويخصم من قيمته الفنية، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم يمتلك المؤدي الحس المسرحي والحضور القوي والقدرة على الارتجال، لكن من ناحية أخرى لا يمكن تجاهل قدرة هؤلاء "اليوتيوبرز" على استقطاب فئة عمرية جديدة للمتابعة، وهو ما يشجع شركات الإنتاج على المجازفة بهم، وهنا يظل السؤال مطروحا "هل الهدف هو تقديم فن حقيقي يرسخ قيمة الكوميديا المصرية، أم تحقيق ترند سريع يزول بانتهاء الحلقة أو الموسم؟".. وأنه ربما تكون الإجابة في الجمع بين الاثنين، منح فرص مدروسة لأصحاب المواهب الحقيقية من صناع المحتوى بعد تأهيلهم وتدريبهم أكاديميا دون إقصاء الفنانين الكوميديين أصحاب البصمة والموهبة الأصيلة التي صنعت تاريخ الضحك على الشاشات والمسرح. وعن المشكلات التي يمكن أن يواجهونها، يشير أحمد سعد الدين أن أبرزها على الاطلاق مع نقابة المهن التمثيلية، فهناك شروط النقابة وضعتها للحد من الانتشار الفوضوي لتلك الظاهرة، وما أن تتوافر تلك الشروط في الفنان لن تحدث مشكلات على الإطلاق.