تحت قناع من البراءة، يختفي الجوكر..قاتل مأجور يأخذ العمر من الشباب في مقابل لحظات من الضحك الهستيري و«الكيميا» التى تنتهي غالبًا بتشنجات وموت محتوم، هذا الذى يحسبه المتعاطي بديلا ل «الحشيش» لكن لا يمكن كشفه أحيانا فى تحليل المخدرات كنوع من التحايل على القانون، يحمل اسمًا مثيرًا يشبه شخصية فكاهية، لا يحمل من الضحك سوى المظهر، أما الجوهر فهو سم قاتل. داخل غرفة علاج مكثفة بأحد مستشفيات القاهرة، يرقد «أحمد»، شاب فى مقتبل العشرينات، فاقدًا للوعى بعد جرعة زائدة من الجوكر بعدما أصيب بحالة تشنجات شديدة ونقله صديق له وتركه على أعتاب المستشفى، بدأ أحمد بتعاطي هذا المخدر بدافع الفضول مع أصدقائه فى الجامعة وهربا من بعض الضغوط وحالة الحزن التى سيطرت عليه بعد وفاة والدته، يقول والده: «كان يعتقد أنه مجرد شيء بسيط سيجربه مرة واحدة، لكنه تحول إلى إدمان دمر حياته، وجعله يفقد السيطرة على عقله وجسده». في قصة أخرى، «ليلى»، طالبة جامعية، بدأت باستخدام الجوكر كوسيلة للهروب من ضغوط الدراسة والحياة الاجتماعية. لم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت تعانى من نوبات هلع متكررة، واضطرابات فى النوم، وهلاوس سمعية دفعتها إلى محاولة إيذاء نفسها. «شعرت وكأننى أعيش فى كابوس»، هكذا وصفت ليلى حالتها بعد أشهر من العلاج. ◄ من الشرق إلى العالم ظهر الجوكر لأول مرة فى الصين والهند خلال أوائل الألفية الثانية. ثم انتقل إلى أسواق أوروبا والولايات المتحدة فى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، حيث تم تسويقه بشكل قانونى على أنه «منتج طبيعي»، لكن سرعان ما بدأ ينتشر بشكل غير قانونى نتيجة تأثيراته الضارة. ◄ اقرأ أيضًا | كلمة السر في حوادث الطرق.. السائق تحت تأثير «الكيف»! ◄ مكونات الموت رغم مظهره الذى يشبه الأعشاب الطبيعية، إلا أن الجوكر ليس إلا مزيجًا من مواد كيميائية خطيرة. يحتوى على مركبات مثل الفوسفور الأحمر وحمض الكبريتيك والليثيوم، وهى مواد تُستخدم عادة فى تصنيع البطاريات. يُضاف إلى هذا المزيج مواد أخرى مثل الأسيتون والأمونيا، مما يجعل تركيبته أشبه بسم قاتل، بالإضافة إلى خليط من العقاقير النفسية التى تسبب الهلوسة. تستهدف هذه المواد الجهاز العصبى المركزى بشكل مباشر، ما يؤدى إلى تأثيرات خطيرة تشمل فقدان السيطرة على الحركة، الهلاوس، نوبات الذعر، وتلف فى خلايا المخ. الأدهى من ذلك، أن هذه المواد لا تظهر فى اختبارات الكشف التقليدية عن المخدرات، ما يجعلها شديدة الخطورة وغير قابلة للكشف بسهولة. اقتحم الجوكر السوق المصرى فى منتصف العقد الماضي، وبدأ فى المناطق الشعبية قبل أن يصل إلى الأحياء الأكثر ثراءً. كانت البداية مع تسويقه كبديل قانونى للحشيش الطبيعي. مروجو المخدر استغلوا ضعف الرقابة على المواد الكيميائية المستخدمة فى تصنيعه، وكذلك جهل الشباب بحقيقته. بحسب صندوق مكافحة الإدمان فإن مصر عام 2020 كانت نسبة تعاطى المخدرات التخليقية 8%، وحاليًا ارتفعت إلى 40%، كما أكدت بعض التقارير، أن انتشار الجوكر بشكل ملحوظ بدأ منذ عام 2015. عالم خاص وهذا ما يؤكده د. محمد رمضان دريوة، استشارى الصحة النفسية وعلاج الادمان، أن مخدر «الجوكر» يُعرف بالحشيش الصناعي، ويُطلق عليه اسم «جوكر» أو «سبايس»، وأحياناً يتم تسويقه كعشب طبيعى. وشرح د. رمضان أن تأثير «الجوكر» يعتمد على كيفية تفاعله مع المواد المسئولة عن المزاج فى الدماغ، والتى تعمل بشكل طبيعى لتنظيم مشاعر الإنسان مثل الفرح أو الحزن، ومع تعاطى «الجوكر» يشعر الشخص بزيادة كبيرة فى المزاج تصل إلى درجة النشوة، ويختبر حالة من الاسترخاء قد تصل إلى شبه فقدان الوعي. ووصف هذه الحالة بأنها تشبه العيش فى عالم خاص، بعيدا عن الواقع، حيث يعيش الشخص فى حالة من الانفصال والتركيز على أحاسيس داخلية مؤقتة، ما يجعل البعض يشعر بمتعة مؤقتة. ◄ هلاوس تؤدي للانتحار وأضاف د. محمد رمضان أن لمخدر «الجوكر» أعراضًا نفسية وجسدية مثل أى مخدر آخر، فهو يسبب الإدمان وله تأثيرات خطيرة على العقل والجسد تتضمن ضلالات وهلاوس تصل إلى التفكير فى الانتحار. ◄ رحلة التعافي أما عن رحلة الشفاء فيقول د. رمضان إن العلاج يشمل مجموعة من الإجراءات النفسية والدوائية، حيث يتم البدء فى مرحلة «الديتوكس» أو التخلص من السموم، وهى عملية تبدأ من أسبوعين وقد تستمر حتى شهرين ومن جانبها أكدت د. هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، أن الوعى وتكاتف المؤسسات هما الحل، ولابد من تكاتف الجهود الحكومية مع مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية لتوعية الشباب بمخاطر المخدرات الصناعية. كما أن تطوير قوانين أكثر صرامة لتجريم حيازة المواد الخام المستخدمة فى تصنيع الجوكر وغيره من المخدرات يمكن أن يسهم فى الحد من انتشاره.