عَرَّت حرب «الاثنى عشر يومًا» بين الكيان الصهيونى والإيرانيين الكثيرَ مما يحدث تحت طاولات السياسة، وكشفت عن نوايا عدائية مكنونة فى صدور قوى إقليمية فى منطقة الشرق الأوسط والقوى العظمى فى العالم. حرب الفرس والصهاينة التى نشبت بالجِدِّ وانتهت بالهَزْل، كشفت أيضًا عن تغييرات شاملة فى فلسفة وأشكال الحروب ذاتها. فمن حيث المضمون، لم يعد بالإمكان الحديث عن سلام دائم وشامل، ولكن يمكننا القول والإقرار بوجود هُدَنٍ آمنة. فالحروب - كما نرى - باتت قرارات يمكن أن تُتَّخَذ فى لحظة، والثوابت الاستراتيجية التى كان يمكن أن تمنع نشوب هذه الحروب قد تنهار جدرانها فى لمح البصر. من حيث المضمون أيضًا، فقد أثبتت الأحداث منذ السابع من أكتوبر والمجازر الصهيونية فى غزة أننا نعيش فى عالم أعمى لا وجود فيه للعدالة، عالم لا يعترف إلا بلغة القوة التى يركع أمامها القانون الدولى ومؤسساته! من ثمَّ، فقد بات الحديث عن السلم والتعايش المشترك مجرد أوهام تفضحها مشاهد المجازر التى تُرتكَب بأشد أنواع الأسلحة فتكًا ضد المدنيين. كذلك فإن أحلام الكيان الصهيونى قد توسَّعت؛ فهو لم يعد يكتفى بدور المحتل الغاصب لفلسطين، بل يريد تغيير ملامح الشرق الأوسط ليكون فيه المسيطر المهيمن، بينما تصبح بقية الدول ولاياتٍ وأتباعًا! من حيث الشكل، فقد كشفت حرب الصهاينة والفرس أن الحروب ذاتها تمردت على قوانينها وأنماطها القديمة، فلم تعد ساحتها الميادين الخالية، بل المدن المكتظة بملايين البشر. ولم تعد القوات التقليدية النظامية هى صاحبة الحسم فى المعركة، بل بات الفوز بالحروب لمَن يمتلك التقنيات الحديثة مثل «الذكاء الاصطناعى» (AI) وأسراب المسيّرات والصواريخ الذكية، فالغلبة فى الحرب أصبحت لمَن يملك ناصية التكنولوجيا. نقطة أخرى مهمة كشفتها فضائح تجنيد الجواسيس بهذا الكم الهائل فى دول الإقليم، وهى تدعونا إلى الإيمان بأن الغدر الإسرائيلى لا يتوقف عند حدٍّ! ولا بد أن نضع فى أذهاننا أن المعاهدات التى استقرت لعقود يمكن أن تصبح أوراقًا باليةً لا تلزم أحدًا. حفظ الله مصرَ وجيشَها وشعبَها من غدر الغادرين وكيد الكائدين.