■ كتب: حسن حافظ تخرج الولاياتالمتحدة على العالم بقناع الديمقراطية، تُنصب نفسها قائدة على العالم الحر، تقول إن مهمتها هى مواجهة من يهدد الديمقراطية وحماية حقوق الشعوب والدفاع عن حقها فى تقرير المصير، لكن ما إن تضع واشنطن القناع جانبًا حتى ينكشف وجه الغولة، فالشعارات الزائفة تسقط أمام الواقع المرعب لتاريخ أمريكا القائم على الإبادة وجرائم الحرب والتدخل فى شئون الدول بهدف إخضاعها ونهب ثرواتها، ولو أدى ذلك إلى قتل الشعوب، وإجبارها على الخضوع للرغبة الأمريكية. تركت واشنطن خلفها ملايين البشر قتلى على مدار قرنين، ومشت على طريق من دماء الشعوب التى وضعها حظها العاثر فى مواجهة الشهوة الأمريكية للسلطة، فالدستور الحقيقى الذى تؤمن به السياسة الأمريكية، يتكون من كلمة واحدة: الإبادة. ■ الحرب الأمريكية الفليبينية تاريخ الولاياتالمتحدة قائم أساسًا على الإبادة والعنصرية، فمنذ وصول الأوروبيين إلى العالم الجديد فى منعطف القرن السادس عشر الميلادى، وهم يواصلون بلا كلل عمليات إبادة السكان الأصليين الذين أطلق عليهم مسمى الهنود الحمر. شكلت عمليات الإبادة أثناء توسع المستوطن الأوروبي أكبر جريمة إبادة موثقة فى تاريخ البشرية، فقد تمت إبادة أجناس بشرية كاملة، واستمر الأمر مع تكوين الولاياتالمتحدة التى ورثت هذه السياسة واستمرت فيها ووسعتها فى الأجزاء الغربية من قارة أمريكا الشمالية وقاد الأمريكان سلسلة من الأحداث التاريخية التى أدت إلى تشريد السكان الأصليين وإبادتهم وتدمير ثقافتهم فى مسلسل دموى غير مسبوق للإبادة الجماعية، إذ تقدر الإحصاءات تراجع عدد السكان الأصليين من 10 ملايين نسمة إلى نحو 200 ألف فى اللحظة الراهنة. بينما كانت الولاياتالمتحدة تتوسع على حساب السكان الأصليين وترتكب ضدهم كل الجرائم فى قاموس الإبادة، احتكت بدولة المكسيك، وبدأت الحرب ضدها (1846- 1848م)، كانت الرغبة الاستعمارية هى التى تحرك واشنطن للتوسع على حساب جار ضعيف، إذ انتهت الحرب بإجبار المكسيك على توقيع معاهدة تنازلت بموجبها للولايات المتحدة على أقاليم كاليفورنيا ونيفادا ويوتا، ومعظم أريزونا ونيومكسيكو، وأجزاء من ولايات أخرى. هكذا هو تاريخ الولاياتالمتحدة مبنى على الدم والتوسع الاستعمارى والاستقواء على الضعفاء. وشكل الانتصار على المكسيك واستقطاع مساحات واسعة منها بداية التوسع الاستعمارى الأمريكى بما فى ذلك احتلال دولة الفلبين بداية من العام 1899م، والذى شهد جرائم حرب عدة أبرزها مجزرة بالانجيجا بين عامى 1901 و1902، والتى شهدت قتل الأمريكان لنحو 50 ألفا من المدنيين. ■ آثار الضربة النووية الأمريكية اقتربت الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م) من نهايتها، بعد إعلان استسلام ألمانيا النازية مايو 1945، ولم يتبق فى الحرب إلا إمبراطورية اليابان، التى كانت تخسر الحرب فى آسيا، أمام التقدم الأمريكى، فى حين لم يكن الاتحاد السوفيتى الذى نجح فى هزيمة ألمانيا فى أوروبا قد أعلن الحرب بعد على اليابان، لكن الأخيرة كانت تخشى الوقوع فى قبضة الشيوعيين السوفيت، وكانت تفضل الاستسلام بشروط جيدة للأمريكان، لكن واشنطن رأت فرصة ذهبية لإعلان انتصارها وميلادها كقوة عظمى باستخدام السلاح النووى الذى لم يكن هناك حاجة له، لذا ألقيت قنابل نووية على مدينتى هيروشيما وناجازاكى، الأمر الذى أسفر عن وفاة 130 ألف شخص فى المدينة الأولى، و80 ألفا فى المدينة الثانية، ولم يكن الغرض من هذا الاستعراض الدموى إلا تثبيت الهيمنة الأمريكية على العالم. ◄ اقرأ أيضًا | أمريكا تتورط في حرب الشرق الأوسط.. ضربة محدودة لكسر شوكة الإيرانيين ■ سجن أبو غريب كشفت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن وجهها الاستعمارى بشكل سافر لأول مرة فى القرن العشرين، خلال حرب فيتنام (1955- 1975م)، والتى حاولت فيها واشنطن تغيير نظام الحكم فى فيتنام بالقوة، ودعمت عمليات تقسيم البلاد ومولت الحرب الأهلية، لتبدأ المقاومة الفيتنامية الباسلة، ارتكب الجيش الأمريكى سلسلة من جرائم الحرب الموثقة، عبر استخدام الأسلحة الكيماوية وتعذيب الأسرى وحالات اغتصاب واعتداء على المدنيين وقتلهم، وتعد مذبحة ماى لاى مارس 1968، واحدة من أبرز جرائم الأمريكان إذ تم قتل مئات المدنيين العزل فى قرية ماى لاى، أغلبهم من النساء والأطفال. إجمالا قتل ما لا يقل عن ثلاثة ملايين فيتنامى بسبب العدوان الأمريكى الغاشم. رأت الولاياتالمتحدة فى إسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة لها فى قلب الشرق الأوسط، لذا وضعت على عاتقها تسليح الكيان الصهيونى باستمرار لضمان تنفيذ جرائمه ضد محيطه العربي، لذا كانت الولاياتالمتحدة حاضرة فى حرب يونيو 1967، عندما وقفت خلف إسرائيل للانتصار على الجيش المصرى، ثم وقفت خلفها بكل قواها فى حرب أكتوبر 1973، عندما نجح الجيش المصرى فى أخذ زمام المفاجأة وتحقيق هجوم مفاجئ أربك العدو الإسرائيلى، فخرج قادته يبكون علنا طلبا للعون الأمريكى، الأمر الذى تحقق بإقامة أكبر جسر عسكرى فى تاريخ البشرية لإنقاذ إسرائيل من الانهيار، وهو ما تكرر فى كل مواجهات إسرائيل مع المحيط العربى فضلا عن جرائمها ضد الفلسطينيين، مما يعنى أن واشنطن شريكة أساسية لتل أبيب فى كل جرائم الحرب التى ترتكبها. شاركت الولاياتالمتحدةالأمريكية فى إبادة الشعب الفلسطينى على مدار عقود، فهى أكبر داعم لإسرائيل، فالجسر الجوى يعلن عنه فور احتياج الكيان الصهيونى للسلاح، وحق النقض (فيتو) يشهر فى مجلس الأمن لمنع صدور أى قرار يمنع العربدة الإسرائيلية، بل وشاركت فى الدفاع عن مدن الاحتلال إزاء أى هجوم من أى قوة عربية تحاول مساندة الشعب الفلسطيني، وفى الحرب الأخيرة التى انطلقت فى 7 أكتوبر 2023، شاركت الولاياتالمتحدة فيها بقوة وحماس سواء على مستوى الدعم الاستخباراتى أو مستوى الدعم اللوجستى بأحدث أنواع الأسلحة، أو حتى بالمشاركة فى الدفاع عن إسرائيل إزاء أى هجوم صاروخى، فضلا عن توفير الغطاء الدولى وتعطيل المنظمات الأممية لحماية العربدة الإسرائيلية، وكانت النتيجة واحدة من أكبر جرائم الإبادة والتهجير القسرى فى التاريخ المعاصر، بعدد قتلى يقترب من 80 ألفا مع تقديرات بوصول القتلى إلى 200 ألف لعدم القدرة على الوصول إلى القتلى تحت أنقاض المدن المدمرة بفعل العربدة الإسرائيلية الأمريكية. افتتح القرن الحادى والعشرون أحداثه الكبرى بهجوم إرهابى على برجى التجارة العالميين فى نيويورك الأمريكية 11 سبتمبر 2001، العمل الذى اتهمت واشنطن تنظيم القاعدة بتنفيذه، لكن بدا للجميع أن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جورج بوش الابن، جاهزة لعمل عسكرى، لذا بعد أسابيع قليلة أعلنت أمريكا ضرب أفغانستان التى كانت تحت حكم حركة طالبان المتحالفة مع القاعدة، وتم تسويق الأمر بأنه انتقام أمريكى من منفذى هجوم سبتمبر، واحتلت القوات الأمريكيةأفغانستان لكنها لم تجلب إلا مزيدا من الفوضى للبلد الأسيوى الاستراتيجى، علما بأن واشنطن نفسها هى من مولت هذه الجماعات والميليشيات منذ نهاية السبعينيات لمواجهة الغزو السوفيتى لأفغانستان، وبعد النجاح فى المهمة، رأت واشنطن أن الوقت قد حان للتخلص من هذه الجماعات، وهو ما فشلت فيه بل أدى إلى نشر أفكار القاعدة على مساحات واسعة من العالم الإسلامى تجلب الخراب والدم، ولم تنجح واشنطن إلا فى مهمة واحدة وهى تدمير دولة أفغانستان. ارتكب الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، خطأ غزو الكويت فى أغسطس 1990، فأعطى الفرصة للولايات المتحدة أن تطل برأسها فى المنطقة العربية بحجة حماية دول الخليج، فقادت تحالفا دوليا هزم صدام وأجبره على مغادرة الكويت العام 1991، لكن واشنطن ارتكبت ما يمكن وصفه بجريمة حرب بإعلان عقوبات اقتصادية على الشعب العراقى الذى عاش الحصار الاقتصادى الذى حرمهم من الغذاء والدواء، وأسقط نحو مليونى عراقى معظمهم من الأطفال بسبب نقص المواد الحيوية والحاجات الأساسية، والمدهش أن العراق يعد الحالة الوحيدة التى يصدر فيها مجلس الأمن بقيادة الولاياتالمتحدة قرارا تشمل فيه العقوبات الغذاء والدواء والحاجات الأساسية، بما يكشف عن نية مبيتة ضد الشعب العراقى بالأساس. بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، بدأت أمريكا وبريطانيا عملية غزو شامل للعراق بداية من 19 مارس 2003، كانت المعركة فصلا من الانتهاك الكامل لكل معايير المنظمات الدولية، فلم تحصل واشنطن ولندن على قرار من الأممالمتحدة أو مجلس الأمن بشرعية هذا الغزو البربرى، الذى أسفر عن مقتل الآلاف، لكن الأسوأ جاء بعد سقوط النظام العراقى بقيادة صدام حسين، إذ عمل الاحتلال الأمريكى على تفكيك مؤسسات الدولة العراقية، وتسريح الجيش ففتح باب الدم والحرب الأهلية والتقسيم الطائفى وظهور الميليشيات المختلفة الأمر الذى دعل دولة بمثل حجم موارد العراق العملاقة تعيش فى فوضى لأكثر من عشرين عاما، ولم تنجح حتى الآن من الخروج من أثر الغزو الأمريكى الذى ترك خلفه مئات الآلاف من القتلى بسبب الفوضى التى خلقها. فى ظل هوجة الثورات التى ضربت عدة دول عربية العام 2011، فكرت الولاياتالمتحدة ومعها فرنسا، فى إسقاط نظام معمر القذافى، طمعت فى بترول ليبيا وثرواتها الطبيعية الضخمة، لذا تم افتعال حراك لم يكن فى الحقيقة إلا مجموعة من الميليشيات المسلحة التى باعت روحها للشيطان، لكنه كان الحراك الذى استغلته الولاياتالمتحدة من أجل شن هجوم ومعها حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، لتدمير مقدرات الدولة الليبية وجيشها، وكانت النتيجة إسقاط نظام القذافى فى أغسطس 2011، لكن ما الذى حدث بعد ذلك؟ حققت أمريكا غرضها بتدمير ليبيا، وتركتها حطامًا مشرذمة القوى مفككة الأوصال، يحكمها مجموعات من الميليشيات المتحاربة، بعيدة عن تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى، وذلك رغم 12 عاما من التدخل الأمريكى الذى لم يجلب إلا الخراب والدمار إلى ليبيا.