بقلم: د. محمد شومان سيحرم المريض من العلاقة الإنسانية ومشاعر التعاطف مع طبيبه، والتى قد تساعد فى العلاج. الحكومة المصرية تطلق قريبًا المنصة التجريبية الوطنية للتشخيص عن بُعد باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى. فى عصر الذكاء الاصطناعى، أصبح بإمكان المواطن العادى اليوم رفع صورة لجلد به طفح، أو وصف الأعراض المرضية التى يعانى منها لأحد تطبيقات الذكاء الاصطناعى مثل شات جى بى تى أو جيمناى، ويتلقى فورًا، عبر هاتفه الذكى وبالمجان، تشخيصًا أو روشتة علاجية، الأمر الذى يثير سؤالًا مهمًا هو: هل يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعى أن تحل محل الأطباء؟ وهل يمكن أن تصبح الطبيب الرقمى الأنسب لأسرتك؟ أم أنها ستظل مجرد مساعد للأطباء وللمرضى؟. تتولى حاليًا أنظمة الذكاء مسئوليات فرز الحالات، ومراقبة المرضى وتذكيرهم بتعاطى الدواء أو إجراء التحاليل. كما تطورت قدراتها على قراءة الأشعة والتحاليل بدقة وبسرعة شديدة، لكن هذه المهام وغيرها يمكن وصفها بأنها روتينية. لكن المثير أن هناك زيادة واضحة فى اعتماد بعض الأشخاص عبر العالم على تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى تشخيص أمراضهم أو قراءة التحاليل ووصف العلاج، إذ تقدم هذه التطبيقات إجابات مرضية، ومنطقية، لكن رغم تفوق الذكاء فى تحديد بعض الأمراض، فإن الأخطاء التى يقع فيها بشكل غير مقصود، أو التضارب فى البيانات قد يؤدى إلى مخاطر صحية. لذلك سجلت الإحصاءات عام 1924 زيادة فى الدعاوى القضائية، التى يطالب أصحابها بتعويضات نتيجة الأخطاء الطبية المتعلقة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعى، خاصة فى مجالات الأشعة وأمراض القلب والأورام. وتتركز أغلب القضايا على اعتماد الطبيب على أنظمة الذكاء الاصطناعى لتشخيص أو علاج المريض، بدون التدقيق والتحقق من صحة قرارات الذكاء الاصطناعى، مثل عدم طلب فحوص إضافية أو تجاهل المعلومات السريرية المعروفة. لذلك يوصى الخبراء بضرورة المراجعة البشرية فى كل ما يقوم به الذكاء الاصطناعى فى المجال الطبى بما فى ذلك قراءة الأشعة والتحاليل وإجراء العمليات، وتشخيص الحالات السطحية مثل الطفح الجلدى، فقد يخطئ فى تفسير الصور أو العوارض، مما قد يؤدى إلى تشخيص غير صحيح. علاوة على ذلك فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعى تقدم معلومات ونصائح طبية بدون تفسير، فهى كما توصف «صناديق سوداء» تصدر قرارات وتوصيات بدون توضيح أسباب أو مبررات، والأهم بدون تعاطف حقيقى أو قدرة على قراءة تعابير وجه المريض وفهم عواطفه والضغوط النفسية المحيطة بها، بكلمات أخرى سيحرم المريض من العلاقة الإنسانية ومشاعر التعاطف مع طبيبه، والتى قد تساعد فى العلاج. من هنا يقترح تبنى نموذج «المسئولية المشتركة»، حيث يتم توزيع المسئولية بين الأطباء، المستشفيات، ومطورى الذكاء الاصطناعى. لكى نتجنب إشكالية المسئولية القانونية عن أخطاء الذكاء الاصصطناعى فى المجال الطبى، فهل تتحملها الشركة المطورة، أم الخوارزميات، أم الطبيب، أم أن المستخدم هو المسئول عن عدم استشارة طبيب حقيقى؟ والإشكالية حتى الآن، أن القوانين فى معظم دول العالم لا تغطى بشكل كافٍ مسئولية الذكاء الاصطناعى فى المجال الطبى. ومن جهتها أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعى أكثر حظرًا، فهى تقدم للمستخدم توصيفًا لحالته الطبية، وتقترح أدوية محددة ثم تنصحه بزيارة طبيب، حتى تتجنب أى مساءلة قضائية فى حالة وقوع أخطاء. لكن تبقى إشكالية ثانية خاصة بعدم وجود قوانين فى أغلب دول العالم تحفظ خصوصية المريض المستخدم وبياناته الطبية الحساسة. وبغض النظر عن أخطاء الذكاء الاصطناعى كطبيب، فمن المرجح أن تنتشر تطبيقاته فى مجال الرعاية الصحية، خاصة فى المناطق النائية التى تعانى نقصًا فى أعداد الأطباء، مما يوفر فى التحليل الأخير تحسينات كبيرة فى القطاع الصحى، شرط أن يترافق ذلك مع رقابة بشرية طبية وقانونية، وهو توجه مصر حاليًا حيث ظهرت بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى المجال الطبى، كما ستطلق الحكومة عام 2025 المنصة التجريبية الوطنية للتشخيص عن بُعد باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، والتى تعتمد على أحدث البروتوكولات العلاجية العالمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية. ويمثل هذا المشروع طفرة حقيقية فى التحول الرقمى للخدمات الصحية. أعتقد أن المستقبل القريب مجال الرعاية الطبية فى مصر والعالم يشير إلى زيادة فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى مع تراجع فى أعداد الأطباء والعاملين فى قطاع الرعاية الصحية، حيث لن يتبقى منهم غير القادرين على تطوير أنفسهم والتحول إلى ما يعرف بالطبيب المعزّز Augmented Doctor بتقنيات الذكاء الاصطناعى، أى أن الذكاء الاصطناعى لن يحل محل الطبيب بل سيعزز قدراته التشخيصية والسريرية، ومن ثم قدراته على التعامل مع منافسه ومساعده فى الوقت ذاته الطبيب الآلى أو «الذكاء الاصطناعى كطبيب» .