رغم أن «تخصيب اليورانيوم» هو عملية فيزيائية مُعقدة، إلا أن فوائدها السلمية تفوق بكثير ما يُثار حول أضرارها المُحتملة. غير أن التوترات الإقليمية الراهنة فى منطقة الشرق الأوسط جعلت هذه التقنية ترتبط فى أذهان كثير من المواطنين العرب بفكرة مفادها أن «التخصيب شر يجب الابتعاد عنه». ولعل أحد الأهداف غير المُعلنة لإسرائيل من هذه الحرب التى أوقدت شرارتها، هى التلويح ب «كارت الإرهاب النووى» فى وجه أى دولة تفكر فى دخول هذا المجال، وكأن الاستثمار فى التقنيات النووية المتقدمة يجب أن يظل حكراً على قوة واحدة فى الإقليم. وإذا كان هناك درس يُستفاد من هذه الحرب المشتعلة، فهو أن اقتحام هذا المجال لم يعد خياراً مؤجلاً، ليس بهدف الاستخدام غير السلمى، بل لأن تجاهله استجابةً لمعادلة «الباب اللى يجى لك منه الريح، سده واستريح» لم يعد مقبولاً فى عالم يتسابق نحو المستقبل. ففى وقت ما زلنا نعتمد فيه على وسائلٍ تقليدية لتوليد الطاقة، نجد دولاً أخرى تستخدم اليورانيوم المُخصب بنسبة تتراوح بين 3% إلى 5% كوقود لتشغيل محطات الكهرباء النووية، وهو ما يوفر طاقة نظيفة وآمنة ومستدامة. ولا تتوقف الفوائد عند إنتاج الكهرباء، فالمفاعلات البحثية التى تعمل بكمياتٍ صغيرة من اليورانيوم المُخصب تساهم فى تطوير البحوث العلمية، وتدريب الكفاءات، وإنتاج نظائر مشعة تُستخدم يومياً فى المستشفيات لتشخيص وعلاج أمراض خطيرة، مثل: السرطان وأمراض القلب. ولن أطيل الحديث عن استخداماتٍ أخرى لا تزال بعيدة عنا بعض الشيء، كتشغيل المركبات الفضائية باستخدام مفاعلاتٍ نووية صغيرة. لكن ما أود تأكيده هو أن الاستجابة لمحاولات «شيطنة التخصيب» ليست فى مصلحتنا، بل فى مصلحة من يريد احتكار المعرفة والسيطرة على مفاتيح المستقبل.