مع الضربات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، تحت شعار «القضاء على قدرات طهران النووية»، عادت إلى الواجهة مصطلحات علمية معقدة مثل «تخصيب اليورانيوم»، وهى العملية التى تخشى واشنطن، ومن خلفها تل أبيب، من اقتراب إيران من إتقانها بمستوى يسمح لها بصناعة قنبلة نووية. ولفهم جوهر هذه العملية، وكيف تحدث، تحدثت «الأخبار» إلى الدكتور عبد الناصر توفيق، مدير المركز المصري للفيزياء النظرية، والذي بدأ حديثه بالتأكيد على أن ما يحدث يجب ألا يؤدى إلى «شيطنة تخصيب اليورانيوم»، كما تحاول القوى الغربية ترسيخ ذلك في الأذهان. يقول د. توفيق: «امتلاك أى دولة المعرفة اللازمة لتخصيب اليورانيوم من أجل استخدامات سلمية للطاقة، هو أمر مشروع ومرغوب، لكن ما نراه حاليًا هو رفع ما يشبه (كارت الإرهاب) فى وجه كل من يحاول دخول هذا المجال، لتبقى التكنولوجيا حكرًا على دول بعينها تقوم بتخصيب اليورانيوم لديها، ثم تبيعه للدول الأخرى التى تمتلك مفاعلات نووية لأغراض سلمية». ■ ما هو تخصيب اليورانيوم؟ لتقريب الصورة، يشبه د. توفيق خام اليورانيوم ببرتقالة تحتوى على القليل من العصير، بينما الباقى قشر وألياف غير مفيدة، فاليورانيوم الطبيعى يحتوى بنسبة ضئيلة جدًا على النظير الفعال (يورانيوم-235)، بينما النسبة الغالبة منه (يورانيوم-238) لا تصلح لتوليد الطاقة أو لصناعة القنابل. وتكمن عملية التخصيب فى استخلاص هذه «النسبة الصغيرة» من (يورانيوم-235) وزيادتها، عبر إزالة أكبر قدر ممكن من (يورانيوم-238)، وكلما زادت نسبة التركيز، أصبح اليورانيوم أقرب للاستخدام فى إنتاج الطاقة أو فى تصنيع سلاح نووى. وتتم هذه العملية باستخدام تقنية فيزيائية دقيقة تُعرف ب «الطرد المركزي»، وهى تعتمد على الفارق البسيط في الكتلة بين النظيرين، حيث يتم تحويل اليورانيوم إلى غاز، ثم إدخاله في أنابيب دوارة تدور بسرعات هائلة، وخلال الدوران، تتحرك الذرات الأثقل (يورانيوم-238) نحو الأطراف، بينما تبقى الذرات الأخف (يورانيوم-235) أقرب إلى المركز، ويتم سحبها تدريجياً في عمليات متكررة حتى ترتفع نسبة التخصيب. ◄ اقرأ أيضًا | ماكرون يخشى من خطر تزايد «تخصيب اليورانيوم» سرّا في إيران ◄ التخصيب المدني والنووي بحسب د. توفيق، فإن الوصول إلى نسبة 53% من (يورانيوم-235) يكفى لتشغيل محطات الطاقة النووية، بينما تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90% يُنتج ما يُعرف ب «الوقود النووى العسكرى»، القادر على تشغيل قنبلة نووية. وهنا تكمن حساسية القضية، فالتقنية واحدة، ولكن الاستخدام يختلف، ويؤكد د. توفيق أن تفاصيل تقنية الطرد المركزى، مثل عدد الدورات وآلية الاستخلاص، تبقى من الأسرار المحفوظة فى الدول التى طورت برامجها النووية. ■ لماذا تخشى أمريكا وإسرائيل تخصيب إيران؟ للإجابة عن هذا السؤال، يستدعى د.توفيق مجددًا مثال عصير البرتقال، موضحًا «كوب صغير من العصير المركز له تأثير أقوى من تناول برتقالة كاملة، وبالمثل، فإن يورانيوم مخصب بنسبة 90% يمتلك طاقة انفجارية هائلة تكفى لصنع قنبلة ذرية». ويشير إلى أن إيران وصلت بالفعل إلى نسبة تخصيب تبلغ 60%، وهو مستوى تقنى متقدم يجعلها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق «الدرجة العسكرية»، بل إن الجزء الأصعب من التخصيب هو الوصول إلى هذه النسبة، أما الانتقال من 60% إلى 90% فهو، كما يصفه، «سهل وسريع نسبيًا من الناحية التقنية». والسبب وراء ذلك، كما يشرح، هو ما يُعرف ب «قانون الجهد المتناقص»، الذى ينص على أن المراحل الأولى من عملية التخصيب تتطلب جهدًا وطاقة أكبر لإزالة معظم الشوائب (ذرات يورانيوم-238)، بينما تصبح المراحل التالية أسهل وأسرع. ولتبسيط الفكرة أكثر، يشبه العملية بفرز الذهب من الرمال، ففى البداية، تحتاج لغربلة أطنان من الرمل لاستخراج أول غرامات الذهب، لكن عندما تقل الشوائب، يصبح فصل الكمية المتبقية من الذهب أسهل وأسرع، وهذا بالضبط ما يحدث عند الانتقال من 60% إلى 90% من اليورانيوم-235. في ختام حديثه، يشدد د. توفيق على أن تخصيب اليورانيوم فى جوهره هو «عملية علمية محايدة»، يمكن أن تقود إلى ثورة فى مجالات الطاقة والطب والزراعة، إذا ما استخدمت لأغراض سلمية، لكن المشكلة، كما يرى، أن «الرغبة فى الهيمنة واحتكار القوة والمعرفة» تدفع بعض القوى الكبرى إلى «شيطنة التخصيب»، وتحويله إلى أداة للضغط السياسى، وإحدى أكثر القضايا إثارة للتوتر عالميًا.