مع التطور التكنولوجي، طورت المنظمات الإجرامية في القارة العجوز من أسلوبها وأدواتها، حتى تتمكن من تحقيق أقصى المكاسب الممكنة، وفي الوقت ذاته عدم اكتشاف أمرهم، وهو ما دفعهم إلى التستر خلف جيل من الشباب الأوروبي، يتم استخدامهم كأداة لتنفيذ الجرائم العنيفة والنشاطات الغامضة، ليبقى قادة العصابات والمنظمات الإجرامية في مأمن من العقاب. وخلال العشر سنوات الماضية، تسبب التحول الرقمى السريع للمنظمات الإجرامية، في تزايد العنف المرتبط بالجريمة المنظمة في العديد من الدول الأوروبية، وامتد إلى المجتمع ككل، حيث بات يتحرك العنف مع الأسواق الإجرامية التى تتسم بالتنافس والصراع في العواصم والمدن، ويزداد خطورته بفضل أدوات الاتصال المشفرة والمنصات الإلكترونية التى تسهل التجنيد والابتزاز والتنسيق عبر الحدود. ومن المخاطر التي سببها التحول الرقمى أيضا، هو الاستغلال الإجرامى للمجرمين الشباب، الذى حذر منه تقرير استخباراتى من اليوروبول، وكشف عن أنه لا يمزق النسيج الاجتماعي للدول الأوروبية فحسب، بل يعمل أيضا كطبقة حماية للقيادات الإجرامية، ويحمي أولئك الموجودين في القمة من التعرف عليهم أو مقاضاتهم. تلك الأساليب عززت من مكانة الشبكات الإجرامية وتوسعها وتعظيم أرباحها وقدرتها على الصمود في وجه السلطات الأمنية التى تحاول تفكيكها باستمرار، حيث كان من أبرز التكتيكات الإجرامية الحديثة لتلك المنظمات، هو استغلال الشباب الأوروبى لارتكاب الأعمال الإجرامية نيابة عنهم. خدمة العنف أطلق التقرير الاستخباراتي، بحسب صحيفة لوباريسيان، على هذا الأمر لقب «خدمة العنف»، والذى يشير إلى الاستعانة بمصادر خارجية لتقديم خدمات إجرامية للقيام بأعمال عنيفة، والتى غالبا ما تنطوي على استخدام مرتكبي الجرائم الشباب لتنفيذ التهديدات أو الاعتداءات أو القتل مقابل رسوم أو مبالغ مالية. وتبين أن المجرمين يستهدفون الشباب من فئات معينة، ويتم تجنيدهم بالتراضي أو عمدًا لارتكاب مجموعة واسعة من الجرائم، بدءًا من الإتجار بالمخدرات والهجمات الإلكترونية وصولًا إلى الاحتيال الإلكتروني والابتزاز العنيف، حيث غالبًا ما يكون التجنيد بالنسبة للشبكات الإجرامية أمرًا استراتيجيًا للغاية. ويرجع ذلك إلى قيام أعضاء الشبكات الإجرامية الكبار باستغلال نقاط الضعف لدى هؤلاء الشباب خاصة الضعف المادي، ويسوقون لهم أسلوب حياة مترف، ومع التطور الرقمي، باتوا يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة للوصول إلى الشباب وتجنيدهم بعد التعرف عليهم. وكشفت التحقيقات الاستخباراتية، أن أعمال التجنيد في الغالب تتم عن بعد، حيث يستعان بهؤلاء الشباب الأوروبي وتوجيههم عبر الإنترنت، وإغرائهم بالمال والمكانة الاجتماعية وسحق أي منافس لهم، وجعلهم يشعرون بالانتماء إلى عائلة جديدة، ثم يستدرجونهم إلى مخططات إجرامية عنيفة وأحيانا تكون عابرة للحدود. وأصبح الطلب كبيرًا من عالم الجريمة على الشباب الراغبين فى القيام بمهام عنيفة، ووجود عدد كبير من الشباب المُعرَضين للخطر الذين يُستدرجون أو يُجبرون على القيام بذلك، ولكن في الوقت ذاته لا يتم الأمر بصورة عشوائية، بل كل شيء مدبر، ويتم التواصل مع الجيل الجديد المجند من خلال لغة مشفرة ومهام مصممة على نمط الألعاب. نمط حياة إجرامي وأكدت اليوروبول، أن الشبكات الإجرامية تسعى من خلال ذلك إلى تقليل مخاطرها وحماية نفسها من السلطات، واصفين استغلال هؤلاء الشباب بالإجراء الإجرامي المضاد، والذي ينشئون من خلاله حاجزًا بين النشاط الإجرامي وأعضاء الشبكة الأساسيين، مما يساعدهم على البقاء مجهولي الهوية وتجنب رصد أجهزة إنفاذ القانون. كما أن الجيل الجديد من المجندين المجرمين يعتبرون بالنسبة للمنظمات الإجرامية منخفضي التكلفة وأسهل في التحكم والتوجيه، حيث يتم إيقاعها في فخ نمط حياة إجرامي منعمين بالخيرات، ولكن يصبح مع الوقت من الصعب عليهم التحرر منه، بل في حالات كثيرة يجرون من حولهم إلى نفس الدائرة الإجرامية. وحذر التقرير الاستخباراتي من أن الهدف ليس القبض على هؤلاء الشباب، الذين مازال معظمهم أطفالا لا يتخطون الخامسة عشرة من عمرهم، بل يتعلق بكيفية سحبهم من تلك الدائرة المنظمة التى لا يستطيعون الخروج منها، وطلبوا من الآباء الأوروبيين الانتباه كون الجريمة المنظمة تبدأ فى الانكشاف من المنزل. ومن أبرز علامات التحذير، التي تبدأ فى الظهور على هؤلاء الشباب المجند، هو استخدامهم تطبيقات المراسلة المشفرة، ويبدأون فى التحدث بلغة مختلفة، ويتجنبون الأسئلة تماما ويمارسون الكذب باستمرار، كما أنهم يظهر لديهم أصدقاء جدد، خاصة الشباب الأكثر سنا أو البالغين الذى لم يلتقوا بهم من قبل. طريق صعب أيضا من أهم علامات التحذير، أنه أصبح لديهم أشياءً جديدة وملابس وأموال وتقنيات حديثة لا يوجد تفسير لمصدرها، ويتوقفون عن طلب المال من الأهل، كما ينسحبون من الحياة الطبيعية، و يتغيبون عن المدرسة، ويتجنبون الروتين اليومي للأهل، ويبدأ اهتمامهم بالأصدقاء القدامى والهويات فى الاختفاء تدريجيا. وحذر خبراء الأمن من أن تلك الأمور لا تعتبر استقلالا، وإنما تعد علامات خطر، تحتاج تدخلا فوريا من الوالدين، محذرين من أن هؤلاء الأطفال يباع إليهم حلم جميل ينتهى بالسجن وما هو أسوأ من ذلك، وللأسف لا يوجد زر إرجاع، فبمجرد دخولهم إلى ذلك العالم يصعب الخروج منه. وبمجرد دخولهم إلى عالم الجريمة، يصبح الطريق أمامهم صعبا ومعقدا، ويبدأون فى تنفيذ الهجمات الإلكترونية، التى تكون في الغالب على شكل برامج فدية، واستخدامهم أيضا فى الاحتيال عبر الإنترنت، ومع التوسع أكثر، يبدأ فى المشاركة فى تهريب المهاجرين التى تعد العمليات الأكثر ربحا للشبكات الإجرامية. ومن أبرز المجالات أيضا، تجارة الأسلحة النارية، وغسيل الأموال، بخلاف تجارة المخدرات التى تعد الأكثر والأوسع انتشارًا في العديد من البلدان، و في المقام الأول فى أسواق الكوكايين، وفى شبكات المخدرات الاصطناعية والهيروين. أسواق الجريمة وتبين أن في العديد من البلدان يتوسع الأمر، وتتغير أساليب التجنيد، حيث يكلف الأطفال الأوروبيون، بشكل متزايد بأنشطة عنيفة بما في ذلك الابتزاز والقتل، مشيرين إلى أن الأطفال الذين يصل أعمارهم إلى 13 عاما يكونون قد وصلوا إلى سن كافي لحجز مكان في تلك الشبكات، سواء كانوا تجار أو سعاة أو عمال تفريغ وشحن. وتعتقد وكالة استخبارات اليوروبول، أن هؤلاء الشباب متورطون الآن في أكثر من 70% من عالم الجريمة القائمة فى مختلف أنحاء أوروبا، ويتم عرض مبالغ ضخمة عليهم مقابل تنفيذ الجرائم، حيث تصل إلى 21 ألف دولار من أجل تنفيذ عملية قتل واحدة. ولكن فى جميع المنظمات والهياكل الإجرامية، لا يتواصل هؤلاء العمال الشباب مباشرة مع المستويات العليا من أصحاب عملهم فى الجريمة، مما يحدّ من وعيهم وعلمهم بالتسلسل الإجرامي، علاوة على ذلك، فإن عدم وجود سجلات جنائية لديهم يجعلهم عملاء منخفضي المخاطر، ولا يستطيعون تزويد جهات إنفاذ القانون بمعلومات لا يعرفونها في حال اعتقالهم. ومن أجل محاولة التصدي لظاهرة « خدمة العنف» وتجنيد الشباب فى الجرائم الخطيرة، تعاونت سلطات إنفاذ القانون فى أوروبا وتم إنشاء فرقة عمل جديدة أطلق عليها اسم OTF GRIMM، حيث سيتبادل من خلالها الدول الأعضاء المعلومات الاستخباراتية وإجراء التحقيقات المشتركة عبر الحدود. كما سيعملون على تحديد أساليب التجنيد وطرق كسب المال التى تستخدمها الشبكات التى تجند هؤلاء الشباب، والعمل مع شركات التكنولوجيا للكشف عن التجنيد المضاد من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، بهدف تحديد وتفكيك مقدمى الخدمات الإجرامية الذين يطلبون خدمات العنف بمقابل مادي. اقرأ أيضا: بعد حدوث آلاف الهجمات الإلكترونية ..«اليوروبول» يحاصر شبكات «الدارك ويب»