تُعد قاذفة بي-2 سبيريت، المعروفة بلقب "شبح السماء"، تجسيداً للتفوق التكنولوجي الأمريكي في عالم الطيران العسكري. صُممت هذه القاذفة الاستراتيجية متعددة المهام بقدرات تخفي فائقة، مما يسمح لها باختراق أعتى الدفاعات الجوية وتنفيذ ضربات دقيقة وفعالة في أي بقعة من العالم دون أن يكتشفها الرادار. لم تكن مجرد إنجاز هندسي فحسب، بل أصبحت عنصراً حيوياً في استراتيجية الردع الاستراتيجي الأمريكية، وتُشكل جزءاً أساسياً من الثالوث النووي للولايات المتحدة، لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة. ◄ اقرأ أيضًا | صفارات إنذار تدوي في إسرائيل بعد رصد إطلاق صواريخ من إيران مؤخرًا، عادت B-2 سبيريت لتتصدر العناوين في سياق تصاعد التوتر مع إيران. ففي الأحد، 22 يونيو 2025، تأكد تدمير 3 منشآت نووية إيرانية جراء قصفها بواسطة قاذفات B-2. كانت عدة قاذفات من طراز B-2 قد أقلعت سابقاً من قاعدة وايتمان الجوية في ولاية ميسوري الأمريكية، متجهة غرباً نحو قاعدة غوام الأمريكية في المحيط الهادئ، والتي تبعد نحو 9500 كيلومتر شرق منشأة فوردو النووية. ورغم تأكيد المسؤولين الأمريكيين في البداية أن هذه التحركات لا تعني وشوك عملية عسكرية، إلا أن هذه الضربة المفاجئة جاءت بمثابة رسالة ردع واضحة لطهران. تبرز قدرة هذه القاذفات الفريدة على حمل قنبلة اختراق الذخائر الضخمة (MOP)، وهي القنبلة الوحيدة القادرة على تدمير منشآت نووية محصنة بعمق يصل إلى 90 متراً تحت سطح الأرض على غرار منشآة فوردو النووية الإيرانية، إذ تستطيع اختراق 61 متراً تحت الأرض قبل الانفجار، وهو عمق أكثر من كافٍ لتدمير مثل هذه المنشآت، على عكس الصواريخ أو القنابل التي تنفجر عادة عند أو بالقرب من نقطة الاصطدام. هذا الهجوم أثار دهشة وفضول العالم حول مدى قوة هذه القاذفات وأدق تفاصيلها، مما يستدعي تسليط الضوء على قصة قاذفات B-2 أو "شبح السماء". ◄ اقرأ أيضًا | الأهم في ترسانتها العسكرية.. 4 أنظمة إسرائيلية دفاعية أمام ضربات إيران الميزات التصميمية والخصائص الفريدة للشبح تُعد قاذفة B-2 سبيريت مثالاً هندسياً فريداً يجسد قمة التطور في عالم الطيران العسكري. يعتمد تصميمها بالكامل على تحقيق أقصى درجات التخفي لتبقى غير مرئية للأنظمة الرادارية والدفاعية، مما يمنحها قدرة لا مثيل لها على تنفيذ مهام القصف الدقيقة على أهداف ذات قيمة عالية دون أن يتم اكتشافها. الميزات التصميمية الرئيسية * تصميم الجناح الطائر: هذا هو العنصر الأكثر تميزاً في B-2. على عكس الطائرات التقليدية ذات جسم الطائرة والذيل والأجنحة المنفصلة، فإن B-2 عبارة عن جناح كبير واحد. يلغي هذا التصميم الأسطح العمودية، التي تُعد عادةً مصدراً رئيسياً لانعكاسات الرادار، مما يقلل بشكل كبير من المقطع العرضي الراداري للطائرة. * الشكل الانسيابي والمنحنيات: بدلاً من الأسطح المستوية والحواف الحادة، يتميز هيكل B-2 بسلسلة من الأسطح المنحنية والمعقدة ذات نصف القطر الكبير. صُمم هذا الشكل خصيصاً لتشتيت موجات الرادار بعيداً عن مصدرها، بدلاً من عكسها مباشرة. يُقدر المقطع العرضي الراداري لها بأنه يعادل حجم طائر صغير أو حتى حشرة. * المواد الماصة للرادار والطلاءات الخاصة: يُصنع جزء كبير من هيكل الطائرة من مواد مركبة متقدمة بالإضافة إلى استخدام طلاءات خاصة. تمتص هذه المواد والطلاءات موجات الرادار بدلاً من عكسها، مما يزيد من صعوبة اكتشاف الطائرة. * إخفاء المحركات والأسلحة: يتم دمج المحركات الأربعة بشكل كامل داخل جسم الجناح، وتوضع فتحات العادم فوق الجناح لتشتيت الغازات الساخنة وتقليل البصمة الحرارية للطائرة. كما تُحمل جميع الأسلحة، سواء التقليدية أو النووية، داخل حجرات داخلية لضمان عدم تأثيرها على خصائص التخفي. * أنظمة التحكم المتقدمة: نظراً لغياب الذيل التقليدي، تعتمد B-2 بشكل كبير على أسطح تحكم متحركة على الحافة الخلفية للجناح، بالإضافة إلى أنظمة تحكم طيران معقدة بواسطة الحاسوب للحفاظ على الاستقرار والقدرة على المناورة. ◄ اقرأ أيضًا | سيناريو حرب نووية عالمية تهدد 250 مليون أمريكي| خرائط الخصائص الفريدة والقدرات التشغيلية * التخفي الفائق: تتميز B-2 بقدرة فائقة على التخفي، حيث يصعب على أنظمة الرادار اكتشافها. هذه الخصائص تقلل بشكل كبير من بصماتها الحرارية والصوتية والكهرومغناطيسية والبصرية والرادارية، مما يجعلها قادرة على اختراق الدفاعات الجوية الأكثر تطوراً. * المدى والارتفاع: يمكن ل B-2 التحليق على ارتفاعات تصل إلى 50,000 قدم (15,000 متر). يبلغ مداها دون الحاجة للتزود بالوقود حوالي 6,000 ميل بحري (حوالي 11,000 كم)، ويمكنها الطيران لأكثر من 10,000 ميل بحري (19,000 كم) مع التزود بالوقود في الجو. * الحمولة القوية: تستطيع B-2 حمل ما يصل إلى 40,000 رطل (18,144 كجم) من الأسلحة. تشمل هذه الأسلحة القنابل النووية (مثل B61 و B83) والقنابل التقليدية الموجهة بدقة مثل قنابل JDAM (ذخيرة الهجوم المباشر المشترك) الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). كما أنها القاذفة الوحيدة القادرة على حمل قنبلة اختراق الذخائر الضخمة GBU-57 (MOP) التي تزن 30 ألف رطل والمصممة لتدمير الأهداف شديدة التحصين تحت الأرض. * الطاقم المصغر: تتكون B-2 من طيارين اثنين فقط (طيار وقائد مهمة)، وهو عدد أقل بكثير مقارنة بطاقم B-1B المكون من أربعة أفراد وطاقم B-52 المكون من خمسة. * التكلفة والصيانة العالية: تُعتبر B-2 من أغلى الطائرات في العالم، حيث تجاوزت تكلفة الطائرة الواحدة 2 مليار دولار أمريكي بما في ذلك التعديلات. ويُقدر أن صيانة كل قاذفة تكلف حوالي 40 مليون دولار سنوياً. خلفية تاريخية وسجل العمليات عُرضت أول طائرة B-2 علنًا في 22 نوفمبر 1988، وقامت بأول رحلة لها في 17 يوليو 1989. تُعتبر B-2 ثاني طائرة أمريكية مصممة بتقنية التخفي المتقدمة تدخل الخدمة العملياتية بأعداد كبيرة، بعد طائرة الهجوم F-117 نايت هوك (صقر الليل). قاعدة وايتمان الجوية في ميسوري هي القاعدة التشغيلية الوحيدة ل B-2، حيث تم تسليم أول طائرة، "روح ميسوري" (Spirit of Missouri)، في 17 ديسمبر 1993. ◄ اقرأ أيضًا | إعلام إلاحتلال: أمريكا قصفت مفاعل فوردو الإيراني ب30 طن متفجرات شاركت بي-2 في عدة عمليات قتالية رئيسية، أبرزها: * حرب كوسوفو (1999): أظهرت B-2 فعاليتها القتالية بتدميرها 33% من جميع الأهداف الصربية في الأسابيع الثمانية الأولى من عملية القوة المتحالفة. حلقت قاذفتان من B-2 لأكثر من 31 ساعة ذهابًا وإيابًا من قاعدتها في ميسوري إلى كوسوفو، وهاجمت أهدافًا متعددة وعادت مباشرة، مسجلة إنجازًا قياسياً في المدى والقدرة على الضربات الدقيقة. * عملية الحرية الدائمة (أفغانستان 2001): حلقت B-2 في واحدة من أطول مهامها القتالية على الإطلاق، حيث استغرقت إحدى المهام 44 ساعة متواصلة لدخول المجال الجوي الأفغاني، مع توقف سريع لمدة 45 دقيقة لتغيير الطاقم والصيانة دون إطفاء المحركات. * عملية حرية العراق (2003): أكملت B-2 أول انتشار قتالي لها لدعم هذه العملية، حيث نفذت 22 طلعة جوية من موقع تشغيل أمامي و27 طلعة جوية من قاعدة وايتمان، وأطلقت أكثر من 1.5 مليون رطل من الذخائر. * ليبيا (2011): شاركت في فرض منطقة حظر الطيران. * اليمن (2024): نفذت ضربات ضد أهداف تابعة للحوثيين، موجهة رسالة إلى إيران والجهات الأخرى. لم تُسجل أي خسائر لقاذفات B-2 نتيجة لعمل عدائي أو اكتشافها من قبل أنظمة العدو حتى الآن، مما يؤكد فعالية قدراتها الشبحية. الخصائص العامة * الوظيفة الأساسية: قاذفة ثقيلة متعددة المهام * المقاول الرئيسي: نورثروب غرومان كورب. * المحركات: أربعة محركات جنرال إلكتريك F118-GE-100 (17,300 رطل دفع لكل محرك) * باع الجناحين: 172 قدمًا (52.12 مترًا) * الطول: 69 قدمًا (20.9 مترًا) * الارتفاع: 17 قدمًا (5.1 مترًا) * أقصى وزن للإقلاع: 336,500 رطل (152,634 كيلوغرامًا) * الحمولة الداخلية: 40,000 رطل (18,144 كيلوغرامًا) * السرعة: تحت صوتية عالية (حوالي 1,010 كم/ساعة أو 628 ميلاً في الساعة) * المدى: عابر للقارات (6,000 ميل بحري بدون وقود، 10,000 ميل بحري مع إعادة التزود بالوقود) * السقف التشغيلي: 50,000 قدم (15,240 مترًا) * التسليح: أسلحة تقليدية أو نووية * الطاقم: طياران * المخزون الحالي: 19 طائرة (بعد تحطم إحداها عام 2008 وتقاعد أخرى بعد حادث عام 2022). ◄ اقرأ أيضًا | تعرف على حاملة الطائرات جيرالد آر فورد المستقبل والتحديثات على الرغم من بدء تطوير قاذفة B-21 رايدر التي ستحل محلها تدريجياً، لا تزال B-2 سبيريت أصلًا حرجًا وقادرة على التكيف. وتخضع الطائرة لبرامج تحديث مستمرة، مثل تحديث Spirit Realm 1 (SR 1) الذي يضيف بنية أنظمة مهمة مفتوحة، مما يدعم إضافة قدرات اتصالات وأسلحة جديدة. تهدف هذه التحديثات إلى ضمان بقاء أسطول B-2 فعالاً تشغيلياً حتى يتم استبداله بالكامل في أواخر العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات من القرن الحالي. مقارنة شاملة بين B-2 سبيريت وأبرز القاذفات العالمية يتطور عالم القاذفات الاستراتيجية باستمرار، وكل طائرة مصممة لأداء أدوار فريدة ضمن استراتيجيات الدفاع الوطنية. يوضح الجدول التالي مقارنة مفصلة بين B-2 سبيريت وخمس من أشهر القاذفات في العالم، مع التركيز على أهم خصائصها وقدراتها. الطائرة الدولة النوع تاريخ أول تحليق السرعة القصوى المدى (ميل بحري) الحمولة القصوى (رطل) الطاقم تكلفة الوحدة (مليار دولار أمريكي) أبرز الميزات/الدور B-2 Spirit الولاياتالمتحدة قاذفة شبحية استراتيجية 1989 تحت صوتية عالية 6,000 40,000 2 ~2.1 (معدلة) قدرات تخفي فائقة، اختراق الدفاعات الجوية، حمل قنابل MOP، جزء من الثالوث النووي. B-21 Raider الولاياتالمتحدة قاذفة شبحية استراتيجية 2023 غير معلوم غير معلوم غير معلوم 2 ~0.75 الجيل القادم من القاذفات الشبحية، مصممة لأكثر من 30 عامًا من الخدمة، ستُحل محل B-1B و B-2. توبوليف تو-160 إم2 روسيا قاذفة استراتيجية أسرع من الصوت 1981 (النسخة الأصلية) ماخ 2.05 (2,220 كم/ساعة) 7,500 45,000 4 ~0.25 (تقديري) أكبر وأثقل قاذفة أسرع من الصوت، أجنحة متغيرة، قدرات نووية وتقليدية، معروفة باسم "البجعة البيضاء". B-1B Lancer الولاياتالمتحدة قاذفة استراتيجية أسرع من الصوت 1974 (النموذج الأولي) ماخ 1.25 (1,530 كم/ساعة) 7,000 75,000 4 ~0.28 قاذفة عالية السرعة ومنخفضة الارتفاع، قدرة حمل أسلحة تقليدية ضخمة، أجنحة متغيرة، دور أساسي في الدعم الجوي القريب والهجمات بعيدة المدى. شيان إتش-20 (H-20) الصين قاذفة استراتيجية شبحية غير معلوم (قيد التطوير) غير معلوم 5,300 (تقديري) 45,000 (تقديري) غير معلوم غير معلوم أول قاذفة شبحية استراتيجية صينية، يُتوقع أن تعزز قدرات الصين بعيدة المدى، وتُشبه تصميم B-2. B-52H ستراتوفورتريس الولاياتالمتحدة قاذفة استراتيجية 1952 (النموذج الأولي) ماخ 0.86 (1,047 كم/ساعة) 8,800 70,000 5 ~0.014 قاذفة الأجيال، طويلة المدى وموثوقة للغاية، قادرة على حمل أسلحة نووية وتقليدية، من المتوقع أن تخدم حتى عام 2050 أو بعده.