يُحتفل في الحادي والعشرين من يونيو من كل عام ب"اليوم العالمي للموسيقى"، احتفاءً بهذه اللغة العالمية التي تخاطب الأرواح وتتجاوز حدود الزمان والمكان. وبهذه المناسبة، لا يمكن إلا أن نسلط الضوء على الحضارة المصرية القديمة التي لم تكن فقط منارة للعلم والمعمار والفنون، بل كانت أيضًا من أوائل الحضارات التي أولت الموسيقى أهمية كبرى، واعتبرتها جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الدينية، والحياة اليومية، والمناسبات الاجتماعية. اقرأ أيضًا | فى يومها العالمى.. الموسيقى «أصلها مصرى» الموسيقى في مصر القديمة: هوية حضارية متكاملة في قلب حضارة امتدت لآلاف السنين، كانت الموسيقى جزءًا أصيلًا من نسيج المجتمع المصري القديم لم تكن مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة تعبيرية وروحية، استخدمت في المعابد والقصور والمزارع وحتى في ساحات المعارك. وقد ساعدت الموسيقى في إحياء الطقوس الجنائزية، والاحتفالات الملكية، وطقوس الولادة والحصاد. الآلات الموسيقية: تنوع وعبقرية تصميم تشهد النقوش الموجودة على جدران المعابد والمقابر على ثراء المشهد الموسيقي، حيث نرى نساء ورجالًا يعزفون على آلات الهارب (القيثارة)، والناي، والطبول، والصاجات، والمزامير، بأيدٍ متمرسة تعبّر عن ذوق رفيع. تُعرض اليوم نماذج من هذه الآلات في المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة، بعضها محفوظ بحالة مدهشة رغم مرور آلاف السنين، مما يدل على براعة الصنّاع ودقة التصميم. فرق موسيقية وأوركسترا فرعونية من المدهش أن بعض النقوش والمشاهد الفنية تظهر مجموعات موسيقية مكتملة، وكأنها فرق أوركسترا تؤدي عروضًا متقنة، بتناغم واضح وتوزيع منظم للأدوار. هذه المشاهد توحي بأن المصريين القدماء لم يتقنوا صناعة الموسيقى فحسب، بل نظموا أيضًا أداءها، مما يدل على وجود ثقافة موسيقية عميقة ومدارس فنية متخصصة. الموسيقى في الطقوس الدينية والجنائزية كان للكهنة والكاهنات أدوار موسيقية في الطقوس الدينية، حيث كانت الأناشيد تُؤدى بأصوات نسائية رقيقة، وغالبًا ما كانت تُعزف الآلات المصاحبة لتهدئة الأرواح والتقرب من الآلهة. وفي الجنازات، كان للموسيقى دور في تخفيف الحزن، وإضفاء طابع مهيب على مراسم الوداع. الأناشيد والغناء: رسائل حب وولاء لم تقتصر الموسيقى على الآلات، بل كانت مصحوبة بالغناء والأناشيد التي حملت مضامين دينية وعاطفية وسياسية. فقد تغنى المصريون القدماء بالحب، والحياة، والوطن، والآلهة، وتنوعت الأشكال الغنائية بين الفردية والجماعية، الرسمية والعامية، مما أضاف ثراءً على التجربة السمعية والروحية. الموسيقى في الحياة اليومية في الحقول، كانت الأغاني تُنشد لتشجيع الفلاحين أثناء الحصاد. وفي القصور، كانت الموسيقى تزين الاحتفالات والمناسبات الملكية. حتى في البيوت البسيطة، لم تكن الحياة تخلو من نغمة تصاحب الطقوس اليومية، كالغزل والطهي وتربية الأطفال. استمرارية التأثير حتى اليوم لا تزال الموسيقى جزءًا من الهوية المصرية، حاملة في طياتها ذلك الإرث الفرعوني البديع. فقد حافظت الموسيقى الشعبية والريفية والنوبية والسيناوية وغيرها على نغمات وأسلوب يعكس الروح القديمة، ويؤكد أن مصر لم تكن فقط مهد الحضارة، بل مهد الموسيقى أيضًا. في اليوم العالمي للموسيقى، نستحضر مشاهد من زمن ساد فيه الجمال، كانت فيه النغمات لغة تعبير، ووسيلة تواصل، وجسرًا يصل بين الإنسان والآلهة، وبين الحياة والموت. إن حضارة مصر القديمة ما زالت تهمس لنا بألحانها، لتذكرنا أن الموسيقى كانت دائمًا، وستظل، لغة الخلود.