الموسيقى جزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية، فهي تعكس تطور المجتمعات وثقافاتها عبر العصور، في مصر القديمة، ولعبت الموسيقى دورًا رئيسيًا في الحياة الدينية والاحتفالية، حيث ارتبطت بالطقوس الروحانية والمناسبات الملكية والاجتماعية. ومن بين أبرز الآلات الموسيقية التي استخدمها المصريون القدماء، تبرز آلة الهارب أو القيثارة، التي ظهرت في العديد من النقوش والرسومات داخل المعابد والمقابر. وفي المقابل، تعد السمسمية اليوم من الآلات الوترية الشهيرة في التراث الشعبي المصري، خاصة في مدن القناة، حيث ارتبطت بالمقاومة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني والعدوان الثلاثي، وعلى الرغم من اختلاف الأصل التاريخي لكل من الهارب والسمسمية، إلا أن كليهما يعكسان دور الموسيقى في تشكيل الهوية الثقافية للمصريين عبر العصور، كما أكده الدكتور محمد علي حسن، الباحث الأثري وعضو مؤسسة زاهي حواس لتراث الآثار، في تصريحاته الخاصة ل "بوابة أخبار اليوم". الموسيقى في مصر القديمة: دورها وأهميتها امتلكت مصر القديمة ثقافة موسيقية غنية، حيث ارتبطت الموسيقى بالحياة الدينية والاجتماعية والسياسية. وقد لعبت دورًا بارزًا في: 1- الطقوس الدينية: كانت الموسيقى تستخدم في المعابد أثناء تقديم القرابين والصلوات، حيث يرافق العازفون الطقوس باستخدام آلات وترية وإيقاعية. 2- الاحتفالات الملكية: كانت المراسم الرسمية للملوك تتضمن عروضًا موسيقية، مما يعكس أهمية الموسيقى في تعزيز الهيبة الملكية. 3- المناسبات الاجتماعية: استخدمت الموسيقى في الأفراح والمهرجانات، وظهرت فرق موسيقية تتكون من مغنين وعازفين على مختلف الآلات. الهارب: آلة موسيقية مقدسة في مصر القديمة الهارب أو القيثارة، تعد من أقدم الآلات الموسيقية في العالم، وظهرت في مصر منذ عصر الدولة القديمة. وقد تم توثيقها في العديد من المقابر والمعابد، حيث كان العازفون يُصوَّرون وهم يعزفون عليها في المناسبات المختلفة. خصائص آلة الهارب تصميمها: كان الهارب في مصر القديمة يُصنع من الخشب، ويأخذ شكلًا منحنيًا، مع أوتار مشدودة تمتد على طول هيكله. استخداماتها: استخدمت في الطقوس الدينية داخل المعابد، حيث كان يُعتقد أنها تساهم في خلق أجواء روحانية، كما ظهرت في الاحتفالات الملكية. اقرأ أيضا | عازفين من دول مختلفة في الليلة الثالثة لمهرجان كتارا لآلة العود تطورها: مع مرور العصور، شهد الهارب بعض التعديلات، حيث زاد عدد أوتاره وأصبح أكثر تطورًا من الناحية الصوتية. الآلات الموسيقية الأخرى في مصر القديمة إلى جانب الهارب، استخدم المصريون القدماء العديد من الآلات الموسيقية، مثل: الدفوف والطبول: كانت تُستخدم في الطقوس الدينية والاحتفالات. المزمار: من آلات النفخ التي ظهرت في النقوش، وكان يُستخدم في المراسم الرسمية والمناسبات الاحتفالية. العود: ظهر في بعض الجداريات، لكنه لم يكن شائعًا مثل الهارب. السمسمية: الآلة الموسيقية الشعبية لمقاومة الاحتلال على الرغم من عدم وجود أدلة أثرية تثبت وجود آلة مشابهة للسمسمية في مصر القديمة، إلا أنها أصبحت جزءًا مهمًا من التراث الموسيقي المصري الحديث، خاصة في مدن القناة مثل بورسعيد والسويس والإسماعيلية. أصل السمسمية وتطورها يرجع أصل السمسمية إلى آلات وترية مشابهة مثل التانبور أو الطنبورة، التي ظهرت في ثقافات شرق إفريقيا وجنوب الجزيرة العربية. انتشرت في مصر خلال العصور الإسلامية، لكنها برزت بشكل واضح خلال فترة الاحتلال البريطاني. تطورت من آلة بسيطة تُستخدم للتسلية إلى رمز للمقاومة الوطنية، حيث استخدمها أهل القناة في التعبير عن رفضهم للاستعمار. دور السمسمية في المقاومة الوطنية خلال العدوان الثلاثي عام 1956، أصبحت السمسمية أداة لنشر الأغاني الوطنية التي تحفز على الصمود. شكلت جزءًا من التراث الشعبي للمقاومة، حيث رافقت الأهازيج التي تدعو للوحدة والتضامن. استمر تأثيرها حتى بعد جلاء الاحتلال، حيث تحولت إلى رمز ثقافي يعكس روح الشعب المصري. المقارنة بين الهارب والسمسمية يمكن مقارنة آلة الهارب والسمسمية من عدة جوانب، حيث يختلف كل منهما في الأصل والشكل والاستخدام والدلالة الثقافية. من حيث الأصل التاريخي، تعود آلة الهارب إلى مصر القديمة، حيث كانت جزءًا من الطقوس الدينية والمناسبات الملكية، بينما يُعتقد أن السمسمية مستوحاة من آلات وترية ظهرت في ثقافات شرق إفريقيا وجنوب الجزيرة العربية قبل أن تنتقل إلى مصر وتصبح جزءًا من التراث الشعبي. أما من حيث الشكل والتصميم، فإن الهارب يتميز بانحناء هيكله مع أوتار طويلة مشدودة، مما يمنحه صوتًا رنانًا عميقًا. في المقابل، تأخذ السمسمية شكلًا مستطيلاً، وتحتوي على أوتار أقصر نسبيًا، مما يعطيها طابعًا صوتيًا مختلفًا يناسب الأغاني الشعبية. وفيما يتعلق بالاستخدامات، كان الهارب يُعزف في المعابد خلال الطقوس الدينية ويستخدم في الاحتفالات الملكية، مما جعله رمزًا للروحانية والفن الراقي في مصر القديمة. أما السمسمية، فقد ارتبطت بالأغاني الشعبية والمقاومة الوطنية، خاصة خلال فترة الاحتلال البريطاني والعدوان الثلاثي، حيث أصبحت وسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية وروح المقاومة. أما من ناحية الدلالة الثقافية، فإن الهارب يمثل الجانب الروحاني والملكي للموسيقى المصرية القديمة، بينما تعكس السمسمية الطابع الشعبي والنضالي للموسيقى الحديثة، حيث تحولت من وسيلة للتسلية إلى رمز للنضال الشعبي والتلاحم الوطني. الموسيقى كهوية ثقافية عبر العصور الموسيقى لم تكن مجرد وسيلة للترفيه، بل شكلت جزءًا أساسيًا من هوية المصريين، سواء في العصور القديمة أو الحديثة. فقد كانت الموسيقى تعبر عن المشاعر، وتنقل القيم، وتوثق اللحظات التاريخية المهمة. من الهارب الذي عزف في معابد الكرنك، إلى السمسمية التي دوت في شوارع السويس خلال العدوان الثلاثي، تظل الموسيقى لغة تتجاوز الأزمنة وتجمع بين الأجيال. يعد كل من الهارب والسمسمية مثالًا واضحًا على تنوع التراث الموسيقي المصري، حيث يمثل الهارب العصر الفرعوني وطقوسه الدينية، بينما تعكس السمسمية التراث الشعبي والمقاومة الوطنية. وبينما تتغير الآلات الموسيقية وتطورها عبر الزمن، تبقى الموسيقى دائمًا جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والحضارية لمصر، توحد الأفراد وتعبر عن روح الأمة.