بقلم : محمد عبد المنعم لم تكن ثورة 30 يونيو انفجارًا مفاجئًا لغضب شعبى عابر، بل كانت نتاجًا لتراكمات من الانتهاكات الجسيمة التى مارستها جماعة الإخوان المسلمين بحق الدولة والمجتمع فى تاريخ الأمم لحظات فارقة تُعاد فيها كتابة المصير، وتُرسم فيها ملامح المستقبل بيد الشعوب، لا الأقدار. من بين تلك اللحظات التى حفظها التاريخ بحروف من نور، تبرز ثورة 30 يونيو 2013 كعلامة بارزة فى مسيرة مصر المعاصرة، ليس فقط لأنها أطاحت بحكم جماعة حاولت اختطاف الدولة ومؤسساتها، بل لأنها كانت صرخة وعى، وهبّة إنقاذ، أوقفت انزلاق البلاد نحو الهاوية، ونحو مصير لا يُحمد عقباه. لقد جاءت هذه الثورة كرد فعل شعبى واسع النطاق على ممارسات جماعة الإخوان المسلمين، التى وصلت إلى الحكم فى غفلة من الزمن وتحت مظلة ديمقراطية شكلية، لم تؤمن بها يومًا فى جوهرها، بل سعت منذ اليوم الأول إلى اختزال الدولة فى الجماعة، وتقويض مؤسساتها، والعبث بأسس التعددية وركائز المواطنة. جرائم جماعة الإخوان المسلمين وتهديدها لكيان الدولة.. لم تكن ثورة 30 يونيو انفجارًا مفاجئًا لغضب شعبى عابر، بل كانت نتاجًا لتراكمات من الانتهاكات الجسيمة التى مارستها جماعة الإخوان المسلمين بحق الدولة والمجتمع، منذ وصولهم إلى الحكم وحتى لحظة سقوطهم. فقد انتهجت الجماعة سياسة التمكين، التى تقوم على إحلال عناصرها فى مفاصل الدولة بدلًا من أصحاب الكفاءة والخبرة، فى محاولة ممنهجة للسيطرة على مؤسسات الحكم، وتحويل النظام الديمقراطى إلى أداة لتحقيق مشروع أيديولوجى مغلق. من أبرز الجرائم والانتهاكات التى أثارت سخطًا شعبيًا واسعًا: محاولة الهيمنة على السلطة القضائية، من خلال السعى لعزل النائب العام، والهجوم المتكرر على القضاة، وصياغة قانون سلطة قضائية يهدف إلى إخضاعها للجماعة. الدفع بدستور معيب عام 2012، صيغ فى غرف مغلقة وافتقر إلى التوافق الوطنى، وكرّس لمفاهيم إقصائية تهدد مدنية الدولة وتنوعها. قمع حرية التعبير والإعلام، عبر ملاحقة الصحفيين والإعلاميين، وإغلاق قنوات إعلامية معارضة، والتحريض على المخالفين. العنف ضد المتظاهرين، كما حدث فى قصر الاتحادية فى ديسمبر 2012، حينما تم استخدام ميليشيات الإخوان فى الاعتداء على المعتصمين السلميين، فى واحدة من أخطر مظاهر استباحة العنف السياسى.. التخابر مع جهات خارجية، حيث أُدين قادة الجماعة فى قضايا تتعلق بتسريب معلومات حساسة عن الأمن القومى المصرى لقوى خارجية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة الدولة. محاولة فرض أسلمة قسرية على المجتمع، عبر خطب وتحركات تضمنت تكفير الخصوم، وتحريضًا ضد الأقليات، ما أثار المخاوف من تقسيم المجتمع على أسس طائفية ومذهبية.. التهديد الصريح باستخدام العنف المسلح حال عزلهم، وهو ما أثبتته اعترافاتهم لاحقًا، وتفجّر لاحقًا فى موجات الإرهاب التى استهدفت الدولة بعد سقوطهم. كل هذه الجرائم وغيرها شكلت مزيجًا من الفشل السياسى، والاستبداد الدينى، والاستعلاء التنظيمى، الأمر الذى دفع المصريين إلى التحرك دفاعًا عن دولتهم، وهويتهم، ومستقبلهم، فى واحدة من أعظم موجات التصحيح الثورى فى التاريخ المعاصر. كما أن هذه الجرائم جعلت لمن يرى المشهد يقول إن تراكم المؤشرات جعل مصر تمضى بخطى مسرعة نحو سيناريوهات كارثية؛ فكانت هناك محاولات منهجية للهيمنة على القضاء، وإقصاء الخصوم، وفتح البلاد أمام قوى خارجية لا تحمل لمصر سوى مشاريع الهيمنة والفوضى. فى ظل هذه التهديدات، بدأ الشعب المصرى يشعر بأن الدولة تتفلت من بين يديه، وأن الوطن الذى حلم به بعد ثورة يناير لم يعد ممكنًا فى ظل حكم يسير فى اتجاه استبدادى مغلف بالدين. لكن الشعب المصرى، الذى طالما أثبت وعيه التاريخى، خرج فى الثلاثين من يونيو بملايينه، فى واحدة من أكبر التظاهرات فى التاريخ المعاصر، مطالبًا بإسقاط النظام وإنقاذ الوطن. لم يكن الحراك مجرد تعبير عن السخط، بل كان لحظة إدراك وطنى عميق بأن استمرار الحال على ما هو عليه لن يعنى سوى الانزلاق إلى حرب أهلية، كما حدث فى دول أخرى بالمنطقة، حيث مزقت النزاعات الطائفية والسياسية النسيج الوطنى، وتحولت الخلافات السياسية إلى صراعات دامية لا تنتهى. استجابت القوات المسلحة المصرية لنداء الشعب، وأعلنت انحيازها لإرادة الجماهير، واضعة بذلك حدًا لمرحلة من الفوضى السياسية والانقسام المجتمعى. وكان هذا التدخل أحد أهم عوامل إنقاذ البلاد من مصير مجهول، فبفضل هذا القرار الجرىء، تم تجنيب مصر السيناريو السورى أو الليبى، حيث انهارت الدولة وسادت الفوضى المسلحة.. لم تكن ثورة 30 يونيو نهاية المطاف، بل كانت بداية مرحلة جديدة من إعادة بناء الدولة واستعادة الاستقرار. أمين عام اتحاد الناشرين مساعد رئيس حزب الوعى للشئون العربية