مع استمرار التصعيد بين تل أبيب وطهران لليوم التاسع على التوالي، وضعت الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، العالم أمام احتمال مرعب، بشأن اقترب الشرق الأوسط من كارثة تسرّب نووي، فما القصة؟ بين تأكيدات باستهداف إسرائيل مواقع نووية إيرانية مثل نطنز وآراك، وتحذيرات من الاقتراب من مفاعل بوشهر، تدق أجراس الإنذار حول خطر بيئي قد لا يبقى محصورًا داخل إيران وحدها. رغم التطمينات الأولية، يُجمع مُراقبون على أن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية تحمل في طياتها مخاطر بيئية وكيميائية متزايدة، خاصة إذا طالت منشآت مثل مفاعل بوشهر، الوحيد من نوعه في البلاد، والذي قد يطلق في حال استهدافه كميات ضخمة من الإشعاع تهدد سكان المنطقة ومياه الخليج. نشرت وكالة "رويترز"، تقريرًا تناول السيناريوهات المحتملة، مؤكدة أن محاولات إسرائيل تعطيل البرنامج النووي الإيراني عسكريًا أعادت للواجهة هواجس "تشيرنوبل مصغرة" في قلب الشرق الأوسط. ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي، الخميس الماضي، عن قصف موقع "بوشهر"، عاد وتراجع قائلًا إن الإعلان كان نتيجة خطأ. لكن القلق العالمي لم يتراجع، خاصة مع تأكيدات إسرائيل أنها استهدفت بالفعل منشآت في نطنز وأصفهان وآراك وطهران، تحت مبرر منع طهران من امتلاك السلاح النووي، وهو ما تنفيه إيران باستمرار. اقرأ أيضًا| بلا تصريح وبغطاء أمريكيّ.. كيف بنت إسرائيل ترسانة نووية كاملة؟ أضرار حقيقية في مواقع حساسة أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على وقوع أضرار مباشرة في المنشآت النووية الإيرانية لتخصيب اليورانيوم ب"نطنز"، وكذلك في مجمع "أصفهان" النووي، حيث توجد منشآت لإنتاج أجهزة الطرد المركزي. كما طالت الضربات موقع "آراك" المعروف باسم "خُنداب"، وهو مُفاعل أبحاث يعمل بالماء الثقيل، لا يزال قيد الإنشاء، لكنه قادر مستقبلاً على إنتاج البلوتونيوم، أحد مكونات الأسلحة النووية. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إنها لم ترصد آثارًا إشعاعية مباشرة حتى الآن، لكن التقييمات الأولية تؤكد أن مبانٍ رئيسية تضررت بشكل كبير، ما يطرح تساؤلات حول سلامة المواد المُشعة داخلها، خُصوصًا مع استمرار العمليات. عُلماء: «لا خطر إشعاعي كبير حتى الآن» أوضح أستاذ علوم الحماية من الإشعاع بجامعة ليفربول البريطانية، بيتر براينت، أن المنشآت النووية الإيرانية مثل "نطنز" تقع تحت الأرض، وأن موقع "آراك" لم يكن يعمل وقت الاستهداف، ما يُقلّل من فرص التسرّب الإشعاعي. وأضاف أن اليورانيوم المُخصب لا يُشكل خطرًا كبيرًا إلا إذا تم استنشاقه أو دخوله إلى الجسم، وهو احتمال ضعيف في هذه المرحلة. من جهتها، أكدت الباحثة داريا دولزيكوفا من المعهد الملكي البريطاني، أن أغلب المنشآت النووية الإيرانية المُستهدفة تدخل ضمن المرحلة الأولى من دورة الوقود النووي، أي قبل أن يصبح اليورانيوم مشعًا بشكل حاد. وأشارت الباحثة داريا، إلى أن الخطر الأساسي ليس إشعاعيًا بقدر ما هو كيميائي، خاصة في حال تفاعل مادة "سادس فلوريد اليورانيوم" مع بخار الماء، ما قد ينتج غازات سامة وخطيرة. وتابعت أن مدى تأثير المواد المنبعثة يعتمد بشكل كبير على الطقس وسرعة الرياح، ففي الأجواء الساكنة قد تبقى الغازات محصورة في موقع الانفجار، بينما في حال وجود رياح قوية قد تنتشر إلى مناطق بعيدة نسبيًا. اقرأ أيضًا| إلى متى تستطيع إسرائيل مواجهة إيران دون ذخائر أمريكا؟ الخطر الأكبر| «مفاعل بوشهر.. الخط الأحمر» السيناريو الكارثي، بحسب أغلب الخبراء، يرتبط بتوجيه ضربة مباشرة لمفاعل بوشهر النووي، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وقال البروفيسور ريتشارد ويكفورد، أستاذ علم الأوبئة النووي في جامعة مانشستر بإنجلترا، إن استهداف بوشهر قد يُطلق مواد مشعة إلى الغلاف الجوي أو البحر، ما يعني كارثة إقليمية. أما الباحث الأمريكي جيمس أكتون من مؤسسة كارنيجي، فقد ذهب أبعد من ذلك، مُحذرًا من أن ضرب بوشهر قد يتسبب بكارثة إشعاعية كاملة، على عكس الهجمات على منشآت التخصيب التي تبقى آثارها محدودة ومحصورة محليًا. وأضاف أن "سادس فلوريد اليورانيوم" سام جدًا، لكن غير مشع فعليًا ولا ينتقل لمسافات بعيدة، إلا أنه يبقى خطيرًا إذا تسرّب بشكل مكثف. تداعيات الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية يرى سايمون بينيت من جامعة ليستر البريطانية، أن استهداف منشآت التخصيب لا يُمثل خطرًا إشعاعيًا فوريًا لأن مُعظمها يقع تحت الأرض ومدعّم بطبقات من الخرسانة، لكن الوضع يختلف تمامًا في حال استهداف مفاعل طاقة عامل. واعتبر أن توجيه ضربة لبوشهر سيكون "عملًا متهورًا" قد يفتح الباب أمام كارثة إنسانية وبيئية ضخمة، لا تختلف كثيرًا عن حوادث نووية كبرى وقعت في التاريخ الحديث. وتحليلا لما سبق، تُنذر الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية بتطور بالغ الخطورة. وحتى لو لم تُسجَّل تسريبات إشعاعية واسعة حتى الآن، فإن احتمال توجيه ضربة مستقبلية لمُفاعل بوشهر قد يُحوّل التوتر السياسي إلى كارثة بيئية عابرة للحدود... وبين القصف والتكذيب والتطمينات، يبقى "صندوق التلوث النووي" مفتوحًا... والخطر، كما يقول الخبراء، لم يبدأ بعد. اقرأ أيضًا| هل بدأت واشنطن العد التنازلي لمواجهة إيران؟