قد تصل هذه السطور إليك -عزيزى القارئ- والولايات المتحدة تقصف بطائراتها العملاقة المفاعل النووى الإيرانى فى «فوردو»، بأوامر من الرئيس ترامب، وقد تصل هذه السطور إليك والمفاوضات قد عادت بين واشنطنوطهران من أجل التوصل لاتفاق يمنع الكارثة»!!».. التناقض فى التصريحات الأمريكية بلغ مداه، والرئيس ترامب الذى طلب من سكان العاصمة الإيرانيةطهران إخلاءها فورا، هو نفسه الذى عاد بعد وقت لا يذكر للحديث عن إمكانية التفاوض»!!»، بل إن الخطاب الواحد للرئيس ترامب قادر على أن يجمع فى وقت واحد بين طلب الاستسلام الإيرانى دون قيد أو شرط، وبين أن الفرصة مازالت متاحة للاتفاق!! الموقف أصبح محيرًا حتى لأقرب الحلفاء.. ما حدث مع الرئيس الفرنسى ماكرون لافت هنا ماكرون قال إن ترامب قطع مشاركته فى اجتماعات الدول السبع الكبرى فى كندا من أجل العمل على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وسارع ترامب للنفى، وكان تعليق ماكرون: إن من حق ترامب أن يغير موقفه كل 24 ساعة لكن ذلك لا ينفى أن حديث وقف إطلاق النار صحيح!!.. والأرجح أن ترامب واجه توافقا بين الحلفاء الغربيين الكبار على ضرورة وقف التصعيد واستئناف التفاوض، علما بأنهم جميعا مع منع إيران من امتلاك سلاح نووى، ومع تشديد العقوبات عليها حتى توافق، وأنهم أيدوا الضربة العسكرية الإسرائيلية ووصفها المستشار الألمانى بأن إسرائيل تقوم بالعمل «القذر» نيابة عن الغرب!!.. واجه ترامب هذا الموقف وآثر الاحتفاظ بأوراقه وهو يترك قمة السبع الكبار ليطلق تهديداته لإيران وهو فى طريق العودة لواشنطن!! ومع ذلك تبقى مشكلة ترامب الحقيقية مع الداخل الأمريكى قبل أى طرف آخر، ومع أنصاره قبل معارضيه»!!».. ورغم أن الغالبية العظمى من الأمريكيين تعارض إيران وترفض امتلاكها السلاح النووة، وجزء كبير منها يؤيد إسرائيل فى عدوانها على إيران، إلا أن المشكلة الأساسية تبقى فى مشاركة أمريكا المباشرة فى الحرب. آخر استطلاعات الرأى أوضحت أن 60٪ من الأمريكيين لا يؤيدون مشاركة أمريكا فى هذه الحرب بينما لا يؤيد ذلك أكثر من 16٪ من الأمريكيين «!!». والمعضلة الأساسية أمام ترامب هنا ليست مع الديمقراطيين فقط، وإنما مع الجناح المؤثر فى حزبه الجمهورى الذى يرفع شعار «أمريكا أولا»، الذى كان حاسما فى وصوله للبيت الأبيض. هذا الجناح يقول بوضوح: هذه ليست حربنا، ولا ينبغى أن نكرر أخطاءنا فى العراق ولا خروجنا الذليل من أفغانستان، ويكفى ما نقدمه لإسرائيل من دعم وأن نضغط على إيران دون أن نعرض أبناءنا للقتل أو نبدد مصالحنا فى المنطقة!! من جانب آخر، قد يكون ما يقال عن انقسام بين كبار مساعدى ترامب حول المشاركة المباشرة فى الحرب مبالغا فيه، لكن بالتأكيد هناك أصوات مؤثرة داخل الإدارة تعارض الدخول فى حرب تراها فى غير مصلحة أمريكا، بالإضافة إلى شيوخ ونواب فى الكونجرس من الجمهوريين وشخصيات إعلامية وسياسية مؤثرة لا يمكن اتهامها بالعداء لترامب لكنها تتمسك بأن برنامج ترامب نفسه فى الانتخابات كان يركز على عدم الدخول فى حروب جديدة والتفرغ لما أسماه «ترامب»، إعادة عظمة أمريكا»!!».. ويذكر هنا أن رئيسة المخابرات الأمريكية «تولسى جابرد»، ألغت جلسة لها فى مجلس الشيوخ يوم الخميس الماضى لأنها كانت ستطالب بتوضيح موقفها علنا بعد ما نشر عن معارضتها للمشاركة فى الحرب، وبعد أن كانت هى نفسها قد أعلنت للمجلس بأن أمام إيران سنوات لتتمكن من إنتاج سلاح نووى!! فى كل الأحوال سيبقى القرار فى يد الرئيس الأمريكى، لكنه إذا قرر الدخول فى الحرب بشكل مباشر وذهبت قواته لضرب إيران وإنهاء «المهمة القذرة»، كما وصفها المستشار الألمانى، فسيكون عليه أن يبرر للأمريكيين قبل غيرهم لماذا لم يستمع لتقديرات أجهزة مخابرات أمريكا وتحذيرات كل الحلفاء، وأستمع فقط لنداءات نتنياهو لتوريط أمريكا فى حرب أخرى لن تكون نتيجتها إلا تكرارا لنتائج كل الحروب، التى خاضتها أمريكا فى المنطقة، والتى مازالت تدفع فواتيرها حتى الآن؟!