فى لحظة فارقة من التاريخ الدبلوماسى العالمي، دوَّى صوت مصر فى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تكن الكلمة الأقوى والأصدق والأكثر جرأة داخل المنظمة فحسب؛ بل صرخة إدانة مدوية ضد الانتقائية الأمريكية والانتهاكات السياسية الفاضحة، صرخة تخطت الأعراف، وكسرت حاجز الصمت، أطلقها السفير أسامة عبد الخالق من المنبر الأممى، فى إعلان تمرد صريح على وجه نظام عالمى لم يعد قادرًا على إخفاء عوراته، ولا التستر على خيانته لمبادئه! كلمة مصر كانت رسالة سياسية حاسمة، صوِّبت مباشرة نحو حق «الفيتو»، هذا الامتياز الجائر الذى يُستخدم لتكريس الظلم، وشرعنة الإبادة، وتقويض العدالة، جاءت الإشارة صريحة إلى الولاياتالمتحدة، التى استخدمت «الفيتو» مرارًا وتكرارًا لعرقلة قرارات وقف إطلاق النار فى غزة، وتوفير الغطاء السياسى لمجازر كيانٍ لا يعترف بقانون، ولا يؤمن بسيادة، وفى مشهد نادر يكشف عمق الخلل فى توازن القوة والمبادئ، وانحراف منظومة الأمن الدولي، دعت مصر إلى الإصلاح الجذرى والدائم لتركيبة مجلس الأمن وآليات اتخاذ القرار فيه، ومعالجة العوار القائم فى آلية «الفيتو» التى تحولت إلى أداة للهيمنة والانحراف، وتهديد مباشر للسلم العالمي، يستوجب تغييرًا حقيقيًّا، بعيدًا عن هيمنة الدول الخمس الكبرى، وبما يضمن تمثيلًا عادلًا ومتوازنًا للدول الإفريقية والعربية، بعد أن عانت طويلًا من التهميش التاريخى فى صياغة القرارات المصيرية. أعلنها السفير أسامة عبد الخالق بلا مواربة: فلسطين ليست ورقة تفاوض، ومصر لا تساوم على ثوابتها، ولا تقف على الحياد حين يتعلق الأمر بالدم العربى والكرامة الوطنية. وهى تدين الهجمات الإسرائيلية على إيران، وانتهاك سيادة الدول، وخرق المواثيق الدولية، سواء فى غزة أو طهران أو أيّ بقعة تتعرض للعدوان والوصاية. وفى ظل نظام دولى بات يُكافئ الجلاد ويُدين الضحية، فإنها ترفض أن تكون شريكًا فى هذا العار، حتى بالصمت. كسرت مصر حاجز السكوت، وقالتها صريحة: لا شعب أحق بالحرية من غيره، ولا دولة أولى بالسلم من سواها، والعدالة لا يمكن أن تبقى رهينة «فيتو» لا يعترف إلا بالقوة. وطالبت بعدم إبقاء النظام الدولى أسيرًا لمصالح ضيقة، تمارسها قوى لا تزال تعتقد أن العالم ساحة خلفية لهيمنتها.. حقًا إنها لحظة صدق نادرة، وشهادة فخر لكل مصرى، أن تكون بلاده صوتًا للحق حين يخفت الصوت، وقِبلة للعدل حين تتوارى القيم خلف حسابات المصالح.