أيام وتبدأ أعمال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ويتحول مقرها فى نيويورك بالولاياتالمتحدة إلى خلية نحل وفود من كل الدنيا وقاراتها على مستويات مختلفة مندوبين ووزراء وقادة جدول أعمال مزدحم ما بين بيانات فى الاجتماعات العامة تتناول كل القضايا والتحديات التى تواجه العالم وما أكثرها واجتماعات نوعية مخصصة لقضايا بعينها . ولكن جديد هذا العالم هو التنفيذ الفعلى لقرار تم اتخاذه منذ عامين بعقد قمة المستقبل التى تأتى استشعارا من الجميع بضرورة الاستعدادات لزمن ونظام مختلف ولعل كلمة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيرش تمثل تلخيصا لأهمية مايجرى والذى قال فيها ( لا يمكننا بناء مستقبل للأحفاد بنظام بناه الأجداد ) والقمة قد يتمخض عنها مشروع لتطوير الأممالمتحدة ذاتها بما يتوافق مع تحديات القرن الحالى مما يعنى أن هناك حالة من التوافق بأن الحقب الماضية كشفت . عن عوار النظام العالمى القديم وأن هناك حاجة ملحة إلى آخر مختلف يتوافق مع المتغيرات التى شهدتها كل تلك السنوات والتى حفلت بمثالب ماحدث خلال تلك الفترة حيث عانى العالم خلالها من الحرب الباردة بين الشرق والغرب ورمز كل منهما الاتحاد السوفيتى سابقا وأمريكا رغم أنهما كانا شركاء فى مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية ولم تهدأ الأمور عندما تم إدارة العالم بقطب واحد وهو الولاياتالمتحدة بإمكانياتها العسكرية والاقتصادية فمازالت الصراعات على حالها بعضها قديم مثلما هو الحال مع القضية الفلسطينية التى بدأت مع إنشاء الأممالمتحدة وبعضها حديث مثل الحرب الأوكرانية التى تهدد بالفعل باندلاع حرب عالمية ثالثة وباستخدام السلاح النووى ناهيك عن حالة عدم استقرار عام فى الكثير من مناطق العالم وهذه محاولة لرصد معالم نظام العالم القديم بكل سلبياته ونقائصه ورسم ملامح إن لم يكن عالم جديد فعلى الأقل إعادة فكه وتركيبه قمة المستقبل.. أمل العالم فى التغيير للأفضل يلتئم شمل الأسرة الدولية فى سبتمبر من كل عام تحت سقف مقر الأممالمتحدة فى نيويورك، لكن اجتماعات الجمعية العامة فى دورتها التاسعة والسبعين خلال الشهر تعد استثنائية بالنظر للظروف التى يعقد فيها قادة العالم اجتماعهم السنوي، إذ يقترب العدوان الإسرائيلى على غزة من إتمام العام، فيما تتبادل روسيا وأوكرانيا التصعيد العسكري، وغيره من ملفات النزاعات الدولية المفتوحة بينما تبدو آليات عمل الأممالمتحدة عاجزة عن معالجة الاضطراب الدولى الذى يتسع نطاقه، وسط استقطاب سياسى ونزاعات اقتصادية وأزمات ذات طبيعة خاصة مثل التغيرات المناخية والجوائح الصحية، وفى ظل تلك الأجواء تترقب دول العالم قمة المستقبل التى تعقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة يومى 22 و23 سبتمبر الجارى بهدف وضع أسس جديدة للنظام الدولى للتعامل مع التحديات الدولية. اقرأ أيضًا| «القومي للمرأة» يشارك في ختام البرنامج الإقليمي المشترك «تعزيز العمل الإنتاجي» تم اتخاذ قرار عقد قمة المستقبل فى سبتمبر 2022 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف تنشيط التعاون الدولى للتعامل بشكل أفضل مع المشكلات العالمية المتزايدة، وإعادة الالتزام بالمبادئ الأساسية لميثاق الأممالمتحدة، إلا أن التطورات المتسارعة على مدار العامين الماضيين جعلت الحاجة لتلك القمة أكثر إلحاحاً. وخلال الإعداد للقمة العام الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إن قمة المستقبل «فرصة فريدة للمساعدة فى إعادة بناء الثقة وجعل المؤسسات والأطر متعددة الأطراف التى عفا عليها الزمن متوافقة مع عالم اليوم، على أساس المساواة والتضامن». ومن المرتقب خلال القمة أن يتوافق زعماء العالم فى نهاية القمة على «ميثاق المستقبل» الذى سيحدد معالم النظام الدولى فى المرحلة المقبلة، والذى سوف يتضمن خمسة فصول أساسية، وهى التنمية المستدامة وتمويل التنمية، السلام والأمن الدوليان، العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتعاون الرقمي، الشباب والأجيال القادمة، الحوكمة العالمية. وينتظر أن يساعد الميثاق الجديد فى تعزيز الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التى تعثرت بسبب الأزمات العالمية مثل جائحة كوفيد-19، وإعادة النظر فى آليات السلام والأمن لضمان قدرتها على التعامل مع النزاعات المعقدة والمتغيرة، إلى جانب التركيز على الابتكار والتكنولوجيا الرقمية كأدوات أساسية فى مواجهة التحديات المستقبلية، وتعزيز التعاون بين الدول فى المجال الرقمى لمواكبة التغيرات التكنولوجية السريعة، بالإضافة إلى وضع استراتيجيات لدعم الشباب وتمكينهم كقادة للمستقبل. وحسب المنسق المقيم للأمم المتحدة فى مصر إيلينا بانوفا، فإن القمة تتركز حول الأمل والتغيير، وستشكل سلسلة من المقترحات المقدمة من الأمين العام للأمم المتحدة إطار جهود الوفاء بتحقيق أهداف التنمية المستدامة التى تم تحديدها فى عام 2015، وتعزيز فاعلية الأممالمتحدة فى مواجهة تحديات المستقبل، وتعزيز المبادئ الأساسية للمنظمة التى تم التوافق حولها عام 1945 لكن بما يتواءم مع التحديات والفرص البارزة فى العصر الحالي. ويأمل المراقبون أن يساهم «ميثاق المستقبل» فى تعزيز الاستعداد العالمى للتعامل مع التحديات الراهنة والمستقبلية، والنجاح فى توزيع أكثر عدلاً لكلفة التحديات الدولية بين الدول. كما تهدف القمة إلى ضمان أن يكون النظام الدولى الجديد أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات السريعة والتحديات المتعاقبة التى يشهدها العالم. أول دعوة لعقد المؤتمر جاء فى تقرير للأمين العام للأمم المتحدة بعنوان «خطتنا المشتركة» الذى دعا إلى تجديد الثقة والتضامن على جميع المستويات بين الشعوب والبلدان والأجيال، حيث أكد التقرير ضرورة إعادة النظر بشكل جذرى فى النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتكون فى خدمة الجميع، على عكس الوضع السائد حالياً الذى تتفاوت فيه مستويات التقدم والثراء على نحو شاسع، وأوصى التقرير بتجديد النظام المتعدد الأطراف، وذلك فى ظل تصاعد حدة التحديات المرتبطة بالمناخ والنزاعات والأمن الغذائى وأسلحة الدمار الشامل والجوائح والأزمات الصحية. كان جوتيريش قد أصدر سلسلة من 11 ملخصاً للسياسات العالمية، سعياً للتحضير لقمة المستقبل، وتعد كل سلسلة بمثابة خريطة طريق عالمية للتعامل مع التحديات بطرح خطط قابلة للتنفيذ. وتضمنت تلك السلسلة الدعوة إلى ضمان تلبية الاحتياجات الحالية دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها بغرض استدامة الثروات، كما شملت الدعوة إلى اتباع نهج متعدد الأطراف قادر على التنبؤ بالصدمات العالمية والتعامل السريع مع الأزمات بما يحمى الفئات الأكثر ضعفاً. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى تحقيق مشاركة هادفة للشباب فى صنع القرار والتخطيط طويل الأجل بما يتجاوز التمثيل الرمزي. وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد جوتيريش على ضرورة التركيز على تحقيق الرفاه واستدامة التنمية وعدم الاكتفاء بأرقام الناتج المحلى كمقياس لتقدم الاقتصادات، فضلاً عن الدعوة إلى إيجاد نظام مالى أكثر عدالة وفعالية باعتباره ضرورة أخلاقية، وذلك عبر إعادة صياغة الهيكل المالى الدولي. كما دعا إلى إقرار ميثاق رقمى عالمى يحدد المبادئ والأهداف للاستفادة من فوائد التقنيات الرقمية مع وضع حواجز الحماية والحوكمة لمنع إساءة استخدامها، بالإضافة إلى التشديد على وضع مبادئ سلوك لمساحة أكثر أماناً وشمولية على المنصات الرقمية. واقترح الأمين العام للأمم المتحدة اتخاذ تدابير لتحقيق أقصى قدر من الفوائد من الأنشطة فى الفضاء مع تقليل المخاطر إلى أدنى حد، بما يحقق أهداف التنمية المستدامة. كما تناولت التوصيات تطوير التعليم. ويؤكد موجز السياسات الذى أصدرته الأممالمتحدة الحاجة إلى نظام عالمى جديد، واقترح 12 إجراءً لتعزيز السلام ومنع الصراعات وتعزيز نظام الأمن الجماعي. وشملت الإصدارات مشروعا لتطوير الأممالمتحدة بما يتوافق مع تحديات القرن الحادى والعشرين بالسرعة المطلوبة لتحقيق نتائج أقوى مع تحقيق أكبر قدر من دعم الدول الأعضاء. القضية الفلسطينية ضحية ضعف النظام الدولى على مدار أكثر من 76 عاماً من الصراع الإسرائيلى الفلسطيني، عجز النظام الدولى وفى القلب منه منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن، عن إنصاف القضية الفلسطينية وتوفير الحماية والأمن للشعب الفلسطيني. وجاء العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، ليكشف عوار المنظومة الدولية برمتها حيال تحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ما يبرز الوجه الحقيقى للنظام الدولى وكذلك الدول الغربية التى سقطت أخلاقياً فى اختبار غزة. ومنذ تأسيس الأممالمتحدة، كانت القضية الفلسطينية على رأس القضايا الدولية الساخنة التى طُرحت داخل أروقة المنظمة الدولية الأكبر فى العالم، ومثلت امتحاناً حقيقياً لمصداقية هذه الهيئة التى جعلت من حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان من ضمن أهم مقومات وجودها، وأصدرت مجموعة من القرارات والتوصيات سواء من قبل مجلس الأمن أو الجمعية العامة، وهى تمثل فى مجملها مرتكزاً لتأكيد الحقوق الفلسطينية المشروعة. إلا أن هذه القرارات ظلت بلا أنياب ودون فعالية وبين عامى 1948 و1989 قبل مؤتمر مدريد للسلام أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن حوالى 300 قرار إدانة لإسرائيل، إلا أنها لم تسهم فى ردعها، وخلال نفس المدة أدان مجلس الأمن إسرائيل 46 مرة، كان بالإمكان أن تصل إلى 68 مرة لو لم تستعمل واشنطن الفيتو لمصلحة إسرائيل وهو ما جعل القضية الفلسطينية تتأثر بشكل سلبى حتى وقتنا الحالي. وإلى الآن، لم تستطع الأممالمتحدة، بل لا تجرؤ على تنفيذ قرار تقسيم الأراضى الفلسطينية رقم 181 الصادر فى نوفمبر عام 1947، والخاص بإنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين عربية ويهودية. فمن خلال التقييم المنطقى لإدارة الأممالمتحدة لملف القضية الفلسطينية منذ أربعينيات القرن الماضى وحتى الآن، فإنه يمكن التأكيد وبشكل منصف أن المنظمة الدولية سجلت فشلاً ذريعاً وكل يوم يمر على حرب الإبادة الجماعية التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين العُزل، يعكس سقوطاً قانونياً وأخلاقياً على المستوى الدولى والدول التى تتشدق بالتمسك والحرص على مبادئ حقوق الإنسان وحماية المدنيين، وخاصة الولاياتالمتحدة الأمريكية التى ربطت مصيرها ومستقبلها بمصير نظام عنصرى توسعى يمارس الاحتلال الاستيطاني، تلك الدول فشلت فى تحقيق الاستجابة السريعة والإغاثية للمواطنين الفلسطينيين الذين يئنون من القتل والقصف الهمجى بالأسلحة المحرمة دولياً فى أبشع وأوضح أشكال التواطؤ الدولى مع الاحتلال الإسرائيلي. موقف الأممالمتحدة على صعيد القضية الفلسطينية يمثل نموذجاً صارخاً على ضعف وهشاشة هذه المنظمة، وهذا ليس تجنياً على دورها الإنسانى الذى لا يزال فاعلاً فى أقاليم الكوارث وفى إطار اللاجئين الهاربين من الحروب والصراعات على صعيد الملف الفلسطيني، ولهذا فإن القضية الفلسطينية هى إحدى ضحايا ضعف الأممالمتحدة، وستظل رهينة النظام الدولى الذى يتعامل بازدواجية معايير والكيل بمكيالين مع الفلسطينيين، لتستمر الدلائل على إفلاس النظام الدولى الراهن. فى الوقت الذى تعترف فيه أغلبية كبيرة من الدول الأعضاء بالأممالمتحدة بأن قضية فلسطين لا تزال هى لُب مشكلة الشرق الأوسط التى تعتبر أخطر تهديد للسلم يجب على الأممالمتحدة أن تكافحه، وقد أثبتت الولاياتالمتحدة الأمريكية فشلها الذريع فى قيادة العالم من خلال النظام الدولى الأحادي، وهى تفتعل الأزمات الإقليمية للحفاظ على بريقها السياسي، الذى يعانى قانونياً وإنسانياً وأخلاقياً، خاصة تجاه العدوان الإسرائيلى الهمجى على الشعب الفلسطيني. وخرجت الشعوب الغربية منددة بمواقف واشنطن المنحازة للعدوان، ولم تظهر واشنطن أى قيادة حكيمة لوقف المجازر وحرب الإبادة التى يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى على مدى يقترب من عام، حيث فقد عشرات الآلاف من الأطفال والنساء حياتهم، كما دمرت غزة على ساكنيها، وتقوم واشنطن بتحركات شكلية لا ترقى إلى الضغط الحقيقى على حكومة نتنياهو المتطرفة. وخرج عشرات الآلاف من الطلبة الأمريكيين احتجاجاً على موقف بلادهم السلبى تجاه العدوان الصهيونى وتزويد الكيان الإسرائيلى بالأسلحة الفتاكة، ورغم ذلك ليس هناك شعور فى الإدارة الأمريكية بأن تلك المآسى الإنسانية يجب أن تتوقف، ويبقى القول، إن العالم فى مفترق طرق ويحتاج إلى نظام متعدد الأقطاب يعيد التوازن للعلاقات الدولية على أسس ومعايير أخلاقية وسلوكيات قانونية تلتزم النظم وحل الخلافات والصراعات بالطرق السلمية ومناصرة القضايا العادلة وفقاً للقانون الدولي، وهذا يحتاج إلى رؤية تبدأ بانتهاء الهيمنة الأمريكية التى أضرت بقضايا العالم ومصالحه على مدى عقود. ومن هنا فإن أمام المجتمع الدولى فرصة من خلال حراك سياسى إقليمى ودولى لتصويب المعادلة حتى لا يتجه العالم إلى مخاطر انزلاق حرب كونية لا أحد يستطيع أن يتكهن بالتحولات الكبيرة التى سوف تحدثها. فى وقت يبحث فيه نتنياهو عن حرب إقليمية تخرجه من أى محاكمة محتملة فى إسرائيل، ليس بسبب إخفاقه يوم السابع من أكتوبر الماضي، ولكن لوجود تهم فساد ضده فى المحاكم الإسرائيلية. وعلى ضوء ذلك فإن العالم يعيش أوضاعاً غير مستقرة، كما أن واشنطن بدأت تستخدم قوتها الناعمة فى الضغط على أى دولة ترفض سلوكها السياسي، لتصبح مصداقية السياسة الخارجية الأمريكية متدنية ومتناقضة. فهل نشهد خلال السنوات القادمة ظهور ملامح النظام الدولى متعدد الأقطاب وتنتهى هيمنة القطب الأمريكى الأوحد؟، الكل يتطلع إلى ذلك لأنه لمصلحة العالم وشعوبه. الصين قطب دولى بلا أنياب.. ولايسعى للقيادة عامر تمام تنامى الحديث مؤخرا حول بدء حدوث تغييرات على النظام العالمى الحالى فى ضوء الاضطرابات التى يمر بها العالم حاليا، وتتزايد التوقعات بشأن احتمال أن تحل الصين الصاعدة اقتصاديا وعسكريا محل الولاياتالمتحدة كقوة عالمية مهيمنة تقود العالم. هذه القراءات تعتمد على صعود الصين اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا خلال السنوات الماضية، وظهور تصدعات فى طريقة إدارة الولاياتالمتحدة للنظام العالمى الحالى خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط وعجز المؤسسات الأممية لاسيما مجلس الأمن عن القيام بدوره فى حفظ الأمن والسلم العالميين. ومن الواضح أن الصين تسعى بكل حزم أن تصبح قوة عالمية فى مجال صناعات التكنولوجيا الفائقة مع حلول عام 2025؛ فهى تعمل على الحد من الاعتماد على التكنولوجيات الأجنبية لتمكين الشركات الصينية من المنافسة على المستوى المحلى والعالمي، بالنظر إلى طرق تصنيف القوى العالمية والإقليمية، فإن الطريقة الأكثر شيوعا لتحديد القوى التى تعتبر عظيمة هى النظر إلى المؤشرات الرئيسية: السكان، والحجم الإقليمي، وثروة الموارد، والقدرة الاقتصادية، والقوة العسكرية، والاستقرار السياسي، والكفاءة السياسية. ووفقا لهذه المعايير السبعة فإنه يمكن تصنيف الصين كقطب عالمى ينافس الولاياتالمتحدة إلى جانب روسيا، لكنه قطب بلا أنياب حقيقية يسعى فقط للحفاظ على مصالحه فى محيطه الإقليمي، حتى إذا ما قرر التدخل فى قضايا عالمية فهو يستخدمها للمساومة على قضايا ومصالح إقليمية. على الرغم من أنه يمكن تصنيف الصين على أنها تمثل قطبا فيما أصبح الآن نظاما ثنائى القطب بين الولاياتالمتحدة والصين، إلا أنها ليست قوة مهيمنة إقليمية ولا قوة عظمى. المتابع لصعود الصين اقتصاديا وتطور سياستها الخارجية وبناء قدراتها العسكرية يصل إلى قناعة أن قادة الحزب الشيوعى الحاكم غير مستعدين وغير راغبين فى خلافة الولاياتالمتحدة فى قيادة العالم، بالإضافة إلى أن الأهداف التى يسعى إلى تحقيقها الحزب الشيوعى خلال السنوات المقبلة على المدى المنظور ليس من بينها قيادة العالم، وإنما يركز على أن تكون الصين قوة حديثة فى عالم لا تحكمه الهيمنة الأمريكية وتقوده عدة قوى عالمية من بينها روسيا والصين والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. تسعى الصين إلى أن تكون قوة إقليمية مهيمنة أولا فى محيطها فى منطقة جنوب شرق آسيا وهو أمر ليس بالهين فى ظل وجود قوى مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى وجود صراعات بين الصين وعدد ليس بالقليل من جيرانها، على الجانب الآخر هناك عداء تاريخى مع اليابان وصراع على جزر فى بحر الصين الشرقي، وهو ما يضيف تحديات جديدة على صعود الصين وهيمنتها على إقليمها، كما أن الصراع الحدودى مع الهند على طوال الحدودى بين الجانبين والذى كان سببا لاشتباكات عسكرية بين القوات الصينية والهندية خلال السنوات الماضية أحد العراقيل على طريق صعود الصين لقوة عالمية مهيمنة. لكن القضية الأهم والتى تسعى الصين جاهدة لحلها هى قضية جزيرة تايوان ورغبة الصين فى استعادتها لسيادتها، فمن غير المنطقى أن تكون هناك قوة عالمية مهيمنة وفى نفس الوقت غير قادرة على توحيد أراضيها. ورغم إعلان الصين فى أكثر من مناسبة أنها عازمة على استعادة تايوان عسكريا أو دبلوماسيا، لكن من غير المرجح أن تدخل الصين فى صراع أو حرب مع الولاياتالمتحدة التى أعلنت أنها ستدافع عن الجزيرة إذا ما تعرضت لتهديد من جانب الصين. فى ضوء ما سبق، الصين غير مستعدة أو بالأحرى غير قادرة على قيادة العالم الذى يحتاج إلى انتشار قوات عسكرية، لحماية مصالحها وهو أمر مكلف للغاية ويتناقض مع ثقافة الصينيين الذين طوال تاريخهم ما يكونون راغبين فى الهيمنة على العالم. تنتهج الصين طرقا أخرى لخلق نفوذ عالمى وذلك من خلال الهيمنة الاقتصادية والتجارية وهو ما تجيده الصين جيدا، لكن المصالح الاقتصادية والنفوذ الاقتصادى لا يخلق قوة عالمية قادرة على قيادة العالم. هذه الطريقة لا تحمل الصين أى مسئوليات أمنية أو عسكرية، لكن تمنحها فرصة لحلحلة الكثير من القضايا الإقليمية، فإذا ما تراجع دور الولاياتالمتحدة سيكون من السهل على الصين الوصول إلى تفاهمات فى محيطها الإقليمي، واستعادة تايوان إلى الوطن الأم الأمر الذى يؤهلها لتكون قوة إقليمية مهيمنة على منطقة جنوب شرق آسيا ولها نفوذ اقتصادى عالمى وهو ما تسعى لتحقيقه. مجلس الأمن رهينة الفيتو.. وأفريقيا تطالب بتوسيع العضوية محمد رمضان عقود تجر أخرى وعودة الدول من مجلس الأمن أصعب من الذهاب إليه، تلك الهيئة الرئيسية لإدارة الأزمات فى الأممالمتحدة، المفوضة بفرض التزامات على الدول الأعضاء فى المنظمة الدولية البالغ عددها 193 دولة للحفاظ على السلام. يجتمع الأعضاء الخمسة الدائمون والعشرة المنتخبون فى مجلس الأمن بانتظام لتقييم التهديدات للأمن الدولى، بما فى ذلك الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية وانتشار الأسلحة والإرهاب. ظل مجلس الأمن دون تغيير إلى حد كبير منذ تأسيسه فى عام 1946،. تعود جذور المكانة المتميزة للدول الخمس الدائمة العضوية إلى تأسيس الأممالمتحدة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. وكانت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتى المنتصرين الصريحين فى الحرب، وساهما مع المملكة المتحدة فى تشكيل النظام السياسى بعد الحرب. فى الوقت الذى بدأت فيه خططهم لما سيصبح الأممالمتحدة تتشكل، أصر الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت على إدراج الصين، متصورًا مجلس الأمن الدولى الذى يقوده «أربعة رجال شرطة». ورأى رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل فى فرنسا حاجزًا أوروبيًا ضد العدوان الألمانى أو السوفييتى المحتمل، ولذلك رعى مساعيها لاستعادة مكانتها كقوة عظمى. لكن «الفيتو الخماسى» غيّر كثيرًا من مجريات الأمور داخل المجلس منذ بدايته وأثر على أدائه لسنوات طويلة، إذ مارس أعضاء الدول الخمس الدائمة العضوية حق النقض بدرجات متفاوتة. وإذا وضع فى الحسبان السنوات التى شغل فيها الاتحاد السوفييتى مقعده، فإن روسيا كانت أكثر من استخدم حق النقض، حيث عرقلت 155 قراراً منذ تأسيس مجلس الأمن. وبالمقارنة، استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض تسعين مرة، وذلك حتى الثامن من ديسمبر 2023 ضد قرار دعا إلى وقف إطلاق النار فى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ولطالما استخدمت الولاياتالمتحدة تاريخيًا حق النقض لحماية إسرائيل من قرارات مجلس الأمن، حيث استخدمت ما يقرب من ثلث أصواتها السلبية منذ عام 1972 على القرارات التى تنتقد إسرائيل، بحسب مجلس العلاقات الخارجية «سى إف آر». لكن تحليل أجرته «بلو ماربل» يشير إلى أن الولاياتالمتحدة استخدمت حق النقض ضد قرارات تنتقد إسرائيل أكثر من أى عضو آخر فى المجلس - 45 مرة حتى 18 ديسمبر 2023، أى نحو نصف مرات «الفيتو» الأمريكى فى المجلس تاريخيًا. أما الصين فلجأت إلى حق النقض بشكل متكرر فى السنوات الأخيرة، على الرغم من أنها كانت تاريخيًا أكثر تحفظًا من الولاياتالمتحدة أو روسيا؛ حيث عرقلت بكين حتى التاريخ نفسه 20 قرارًا. ومنذ تفكك الاتحاد السوفييتى فى عام 1991، استخدمت الصين وروسيا حق النقض معًا أكثر من ربع المرات. وعلى النقيض من ذلك، لم تمارس فرنسا والمملكة المتحدة حق النقض منذ عام 1989 ودعت الدول الخمس الدائمة العضوية الأخرى إلى استخدامه بشكل أقل. والأسوأ أنه غالبًا ما يتم تجاهل قرارات مجلس الأمن، ففى حين أن قرارات المجلس ملزمة قانونًا، إلا أنها تنتهك أيضًا بشكل متكرر، إذ يقول ريتشارد جاويان، مدير مجموعة الأزمات الدولية فى الأممالمتحدة، إن الدعوات السابقة لوقف إطلاق النار قد صدرت «بتأثير ضئيل أو بدون تأثير». ويجرى التناوب على رئاسة مجلس الأمن على أساس شهرى، مما يضمن قدراً من النفوذ فى تحديد جدول الأعمال لأعضائه العشرة غير الدائمين، الذين يتم انتخابهم بأغلبية ثلثى أصوات الجمعية العامة للأمم المتحدة. والمعيار الرئيسى للأهلية هو المساهمة «فى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين»، والتى يتم تحديدها غالباً من خلال المساهمات المالية أو العسكرية فى عمليات حفظ السلام أو القيادة فى المسائل المتعلقة بالأمن الإقليمى التى من المرجح أن تظهر أمام مجلس الأمن. كان هناك اعتبار ثانوى، وهو «التوزيع الجغرافى العادل»، والذى أدى إلى ظهور المجموعات الإقليمية المستخدمة منذ عام 1965 فى الانتخابات: فالمجموعة الأفريقية لها (ثلاثة مقاعد) ومجموعة آسيا والمحيط الهادئ (مقعدان) ومجموعة أوروبا الشرقية (مقعد واحد) ومجموعة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى (مقعدان) ومجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى (مقعدان) ولكل من تلك المناطق معايير انتخابية خاصة بها. ويتناوب المقعد العربى بين الكتلتين الأفريقية والآسيوية باتفاق غير رسمى. وتشمل الأجهزة الفرعية التى تدعم مهمة مجلس الأمن اللجان المخصصة للعقوبات ومكافحة الإرهاب والأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية، فضلاً عن المحاكم الجنائية الدولية لرواندا ويوغوسلافيا السابقة. وفى إطار الأمانة العامة للأمم المتحدة، تتولى إدارة عمليات حفظ السلام وإدارة الدعم العملياتى إدارة العمليات الميدانية. وتلعب لجنة بناء السلام، التى أنشئت فى عام 2005 دوراً استشارياً. ومع رغبة متزايدة فى إصلاح مجلس الأمن، تقف إفريقيا فى القلب من المجموعة المطالبة بتطويره، وهنا يؤكد رئيس سيراليون جوليوس مادا بيو باعتباره منسق لجنة رؤساء الدول والحكومات العشرة فى الاتحاد الأفريقى المعنية بإصلاح مجلس الأمن، والمعروفة باسم (سى 10)، على الطبيعة العتيقة لهيكل مجلس الأمن الحالى. ويقول: «إن الهيكل الحالى للمجلس يعكس نظامًا عالميًا عفا عليه الزمن، وعصرًا يفشل فى الاعتراف بأهمية أفريقيا ومساهماتها المتزايدة». الرئيس بيو أوضح أن القارة موطن ل 1.3 مليار شخص و54 من أصل 193 دولة عضوًا فى الأممالمتحدة، وهو جزء كبير من المجتمع العالمى، مضيفًا: «لا يمكننا أن نكون مجرد أرض للحروب بالوكالة.. أكثر من 60% من القضايا التى نوقشت فى مجلس الأمن تتعلق بأفريقيا». وفى حين تستعد الأممالمتحدة للاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيسها فى عام 2025، فإن هذا الاحتفال لن يكون ذا معنى إلا إذا تم إصلاح التكوين الحالى للمجلس. وتطالب أفريقيا بمقعدين دائمين على الأقل ومقعدين غير دائمين إضافيين، مما يرفع العدد الإجمالى للمقاعد غير الدائمة إلى خمسة. بالإضافة إلى ذلك، تدعو القارة السمراء إلى إلغاء حق النقض. نهاية الهيمنة الأمريكية.. بين الحقيقة والأوهام نوال سيد عبدالله فى أواخر السبعينيات، بدت الولاياتالمتحدة وكأنها قوة عظمى فى حالة تراجع. تعرضت لأزمات ونكسات فى جميع أنحاء العالم، وبدا أن قيادتها الدولية بعد الحرب العالمية الثانية تتلاشى تدريجيًا. ولكن بعد أكثر من عقد بقليل، بحلول أوائل التسعينيات، عادت الهيمنة الأمريكية على الساحة العالمية بشكل درامي. انتهت الحرب الباردة بانتصار واشنطن وحلفائها، وانتشرت الأسواق الحرة بشكل غير مسبوق. كانت الولاياتالمتحدة تستمتع بلحظتها «الأحادية القطب» - وهى حقبة لم تواجه فيها واشنطن أى منافسين قريبين فى السلطة والنفوذ العالمي، وكانت السمة المميزة للسياسة الدولية هى الهيمنة الأمريكية. وفى الوقت الحالى ومع احتدام الأحداث فى أكثر من بقعة فى العالم، يدور الكثير من الجدل حول مفهوم القطبية، الذى يتعلق بكيفية توزيع السلطة بين الدول، حيث يتساءل الخبراء عما إذا كانت الولاياتالمتحدة لا تزال قوة أحادية القطب أو فى حالة تراجع مع بروز قوى جديدة. خاضت أمريكا بكل ما لديها من قوة فى القرن العشرين لتأكيد هيمنتها العالمية، وكانت التسعينيات تتويجًا لهذا الهدف. وبدلاً من النمط التقليدى للإمبراطوريات الذى يعتمد على الاستعمار المباشر، قامت أمريكا ببناء نظام يستند إلى المؤسسات والاتفاقيات التى تضمن استمرار نفوذها. وهذا النهج كان بنفس أهمية القواعد العسكرية التى نشرتها فى جميع أنحاء العالم، حيث بلغ عددها 700 قاعدة. من جانب ضمنت الأممالمتحدة لأمريكا شكلاً من أشكال الإجماع على قيادتها للنظام العالمي، بينما كان البنك الدولى وصندوق النقد الدولى على الجانب الآخر يضمنان إعادة هيكلة الأسواق بما يحافظ على وجودها ضمن نطاقها الاقتصادي. أنفق الأمريكيون 916 مليار دولار على الدفاع العسكرى فى العام الماضي، وهى النسبة الأعلى عالميًا، وتتجاوز ما تنفقه القوى الكبرى الأخرى مجتمعة. هذه نقطة قوة بلا شك، ولكنها فى نفس الوقت نقطة ضعف. الجدل الدائر الآن لا يختلف كثيرًا عن الذى دار فى خمسينيات القرن الماضي. حيث حذرت وثيقة الأمن القومى الأمريكى فى تلك الفترة من الفجوة المتزايدة بين القوة العسكرية لأمريكا والتزاماتها كقوة عظمى، وأنه إذا استمرت هذه الفجوة، فقد يتعرض العالم الحر لخطر الانهيار أمام الاتحاد السوفيتي. شهدت أمريكا أزمات اقتصادية حادة فى فترات لكنها تمكنت بعد كل منها من العودة أقوى. بالنظر إلى العقود الأربعة الماضية، سنجد أن حصتها من الإنتاج العالمى لا تزال حوالى الربع. صعود الصين أخذ من حصة أوروبا واليابان، وليس من حصة أمريكا. كونك قويًا اقتصاديًا وعسكريًا لا يكفى للسيطرة على العالم. لكن أمريكا تتمتع بالأفكار والثقافة، وهو ما يسمى بالقوة الناعمة؛ أن تلهم العالم، وأن يكون لديهم طموح ليصبحوا مثلك. ما زال الناس يموتون فى البحار والمحيطات محاولين الوصول إلى أمريكا.. إنه الحلم الأمريكي. فى المقابل، لا نغفل أن أمريكا انشغلت بحروب غير استراتيجية، أنفقت فيها الكثير من الأموال وخسرت الكثير من سمعتها، وأثارت فيها مشاعر العداء المتزايدة، ولكنها فى الوقت نفسه أفسحت المجال أمام صعود الصين وروسيا. بينما واصلت الصين نموها بهدوء، وسعت روسيا لتأكيد نفوذها الإقليمى بمهاجمة جورجيا ثم القرم وأوكرانيا. مؤخراً، شهدنا عودة لكل من سلوك التوازن (أى الجهود الرامية إلى ردع أو هزيمة الولاياتالمتحدة) والسلوك المراجع (أى الجهود الرامية لتغيير الوضع الراهن) من قبل روسيا والصين. سعت موسكو لمنع التوسع الإضافى للاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى من خلال التدخلات العسكرية والدبلوماسية القسرية فى جورجيا وأوكرانيا وأرمينيا. وعدلت خريطة أوروبا من خلال ضم شبه جزيرة القرم، وهو أول عمل إحياء للأراضى هناك منذ الحرب العالمية الثانية. ومن جانبها، سعت الصين لتعديل الوضع الراهن البحرى فى بحر الصين الجنوبى وكذلك بإظهار قوتها فى بحر الصين الشرقى وأماكن أخرى. كما أنها توازن بشكل نشط ضد الولاياتالمتحدة من خلال بناء عسكرى كبير. وختامًا، نتعلم التاريخ للاستفادة به فى المستقبل.. فالتجارب غالبًا ما تنهار ليس بسبب قلة الثقة بالنفس، بل بسبب الإفراط فيها. التراجع قد يحدث دون أن يلاحظه حتى أكثر الناس حرصًا. والقدرة على تجاوز الأزمات عدة مرات لا تعنى أن تجاوز الأزمات هو صفة دائمة، بل قد تستغل الأزمات تلك الثقة المفرطة ضدك. ربما لم تدرك بريطانيا أنها لم تعد قوة عظمى إلا بعد فشلها فى العدوان الثلاثى على مصر، وربما تفاجأت بأن هناك قوى أخرى أصبحت أقوى منها، وأنه لكى تحترم مكانتها، يجب أن تفسح المجال لصعود الآخرين. والسؤال هنا.. بعد مرور ما يقرب من نصف قرن بعد وفاته، هل يصدق مؤسس الصين الشعبية، الزعيم الشيوعى ماوتسى تونج، حين قال: «أمريكا هى قوة عظمى متدهورة وخائفة من أن تتورط فى قضايا العالم الثالث، وأصبحت غير قادرة بوضوح على أن تفرض هيمنتها»! «الأونروا» و«العدل الدولية» منظمات لا تستطيع الدفاع عن نفسها مروى حسن حسين فى تجاهل صارخ للقانون الإنسانى الدولى تحولت مقرات الأونروا فى مدينة غزة إلى ساحات للمعارك ولحق بها الدمار والخراب، هذا وتتزايد الضغوط التى تهدف إلى تفكيك آلية عمل تلك الوكالة الانسانية. منذ الهجوم الذى نفذته حماس فى 7 أكتوبر ضد إسرائيل، تواجه الأونروا سلسلة من الاتهامات الاسرائيلية . أكثرها خطورة تم توجيهها نهاية شهر يناير الماضى، حيث اتهمت إسرائيل 12 موظفاً وموظفة فى الوكالة بمشاركتهم فى هذا الهجوم. ورغم مسارعة المفوض العام للاونروا باصدار قرار فصل هؤلاء الموظفين، بناء على مزاعم الاحتلال، واعلانه عن فتح تحقيق فى الموضوع من قبل الاممالمتحدة، الا ان عددا من الدول (19 دولة) وفى مقدمتها الولاياتالمتحدة، بريطانيا، المانيا، كندا، استراليا، اليابان، ايطاليا، فنلندا، السويد، رومانيا، هولندا، فرنسا، نيوزيلاندا، سارعت الى اعلان تعليق مؤقت لمساعداتها وتمويلها الاضافى للاونروا وقبل معرفة نتائج التحقيق الاممي. فيما سارعت العديد من الدول والمنظمات الدولية والاتحادات المحلية والدولية والفصائل الفلسطينية الى ادانة تلك القرارات، قبل صدور نتائج التحقيق. وتم اعتبار قرار التعليق بمثابة عقاب جماعى لعموم اللاجئين والاونروا، وقرار الفصل تعسفى ومتسرع لانه استبق نتائج التحقيق. كان الهدف من إنشاء الأونروا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة تقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين الذين فروا من منازلهم بعد اعتداءات إسرائيل عليهم عام 1948. وتقدم الوكالة خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية لنحو 5.9 مليون لاجئ فلسطينى فى قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، والأردن، وسوريا، ولبنان.. حيث يعتبر البعض وكالة الأونروا بمثابة ضمانة من المجتمع الدولى بأن الفلسطينيين سيحصلون يوماً ما على حق العودة إلى أراضيهم، كجزء من أى مفاوضات حول حل الدولتين، لهذه الأسباب نفسها، تعتبر إسرائيل الأونروا بمثابة تحد لمشروع كيانها كدولة على رغم تزايد الإدانات التى تحولت لاتهامات تبعتها إجراءات قانونية دولية فى حق إسرائيل وقادتها، فإن استمرار الحرب دفع للتساؤل عن مدى المصداقية التى يمتلكها نظام دولى لا يملك أدوات فرض قراراته. فرغم قرار محكمة العدل الدولية بالعمل على فتح معبر رفح واتخاذ التدابير اللازمة لضمان وصول المحققين من دون عوائق إلى القطاع، ووقف العملية العسكرية الإسرائيلية فى رفح، وعلى رغم الصفة الإلزامية لقرارات محكمة العدل الدولية لكل الدول الأطراف فى الأممالمتحدة وكونها نهائية لا يجوز الطعن فيها، فإن منح القانون الدولى مجلس الأمن سلطة معاقبة الدول التى لا تلتزم بقرارات المحكمة يجعل إسرائيل فى مأمن نسبياً عن أية عقوبات من المجلس، كما تقاعس المجلس عن اتخاذ إجراءات حازمة وعقابية لإجبار إسرائيل على الانصياع للقانون الدولى وتنفيذ أحكام محكمة العدل، يمثل ضربة قاصمة لدور المجلس فى حفظ الأمن والسلم الدوليين كما ينص ميثاق الأممالمتحدة، كما أن صمت الأجهزة الدولية الرئيسة المطبق حيال تمادى إسرائيل فى جرائمها اليومية ضد الفلسطينيين، وعدم محاسبتها وفرض عقوبات عليها جراء انتهاكاتها الخطرة والمتكررة للقانون الدولى الإنساني، يقوض ثقة دول العالم فى المنظومة الأممية، ويجعلها عرضة للانتقاد والاتهام بعدم الحياد والكيل بمكيالين والازدواجية فى المعايير. على الأممالمتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ان تكون قراراتها ومناقشاتها ذات تأثير حقيقى على الممارسات الإسرائيلية الغاشمة فى حق الفلسطينيين، يجب ان لا تجد إسرائيل من يدعمها فى مجلس الأمن بالقرارات المناصرة لسياساتها فى مواجهة «حماس» وتدمير غزة بالكامل، فالدول الأوروبية والولاياتالمتحدة تدعم إسرائيل بالسلاح والذخيرة والأموال، «بالتالى ستستمر فى عدوانها»، وهو ما يعرض النظام الدولى للانهيار.