(إن بعض الظن إثم) ولم يقل كله، فبعض الظن خير، وظنى بك ليس منهيا عنه.. يمر بك أحدهم فيوقظك من سباتك العميق، ويخرجك من غيبوبتك، وكلما رأيته تستيقظ فى غير موعد النوم، كأنك فى غفلة، وحده من ينبهك إلى الاستيقاظ!.. في كل مرة تراه فيها أو تسمع صوته، يقول دون كلام: «أفق، وافتح قلبك وانثر روحك فأنا من يكمل نقصك»!!.. أنت الذى كنت تظن طوال عمرك أنك كنت مستيقظا ومنتبها، ولم تعرف بأنه ضرب على قلبك فلبثت فى كهف وحدتك سنين عددا،حين تستيقظ على صوت وكلام وهمس ونظرات توأم الروح يكون حالك، كحال مولانا ابن الرومى، إن كنت معى، أسهر الليل كله، وإن غبت عنى لا أستطيع النوم، وما أشد الفرق بين الاثنين، رغم أن كليهما أرق.. فأنت عالق وسط أشياء تجهلها. تنتظر شيئا ما يحدث لك، روحك المثقلة بالوحدة والقلق والانتظار، تبحث عن طوق نجاة.. كأنك ريشة أمام ريح عاصف، فى بحر لجى، جاءها الموج من كل مكان.. يؤلمك ويوجع قلبك أنك ضائع وسط هذا الخراب، لا تعرف ماذا تنتظر، وماذا سيأتى به الموج.. تقف على محطة القطار، وأنت تنظر إلى عمرك الذى ينزلق فى ثقب أسود.. حين تكون عالقا ومتأرجحا بين السماء والأرض، بين المكان واللامكان، يقتات الانتظار على قلبك، وينهش الوقت من روحك.. قسوة الانتظار وأنت تعانيه بلا إرادة.. أنه قد يمر من أمامك من يتفتح جمالا وعذوبة وحلاوة، مثل أرض نزل عليها الماء فاهتزت وربت، لكنك لا تراه وأنت تنتظر المستحيل أن يحدث لك.. جالس أنت فى قاعة الانتظار، والكل يمرون من أمامك مسرعين نحو الرحلة التى ستنطلق بعد قليل.. تبحث عن الأجوبة.. فتطرق الباب بكل قوتك، ثم تكتشف أنك تطرقه من الداخل، كيف سيفتح لك وأنت حبيس خلفه، كيف سترى روحك وأنت فى العتمة؟!. اركض نحو النور، فالانتظار حجاب بينك وبين النور.. افتح الباب.. فثمة من سيمر بك ليوقظك ويقول لك: «لا تعطنى قلبك فهو لى وحدى، أعطنى مما عندك ومما لك، الروح، يا مسكن الروح، وروح الروح»!!.. «ليس له سر»!. ◄ يكذب عليك من يقول لك «سرك فى بير»، لا يوجد سر فى «البير» مهما كان عميقا، يوسف حين ألقى فى غيابة الجب كان سر إخوته، لكن السر كشفه مرور بعض السيارة.. وجملة «سرك فى بير»، غير منطقية مثل أغنية (يا طالع الشجرة جيب لى معاك بقرة .تحلب وتسقينى، بالمعلقة الصينى) أين هى هذه الشجرة التى تنبت بقرة تدر الحليب ومعها ملعقة صينى! البير ليس مكانا لسرك وإنما قلبك!.. كان الخليفة الزاهد والعفيف النظيف، عمر بن عبد العزيز يقول: «الصدور خزائن الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره». ويؤكد ذلك فولتير: «كشف المرء سره حماقة، وكشفه سر الآخرين خيانة».. وأرى أن جوهر ومعدن أي إنسان يحدده كتمانه السر، إذ لا يدرك أسرار قلوبنا إلا من امتلأت قلوبهم بالأسرار، كما يقول جبران، هؤلاء فهموا قيمة أن يثق بك إنسان وأن يشعر معك بالأمان.. حياتى مليئة بالأسرار، أسرار عاشت معى وستدفن معى، حتى أننى نسيتها تماما، فصدرى أوسع لسرى، وحفظ السر احترام لى ولغيرى، وخوف على من شاركنى هذا السر أخبئه فى صدرى، فإحساسه بالأمان معى نعمة وهدية لا تقدر بثمن، وأنسى تماما أين وضعت مفتاح خزانة الأسرار، السر أمانة من ضيعه وأفشاه ضاع معه وكشف الله ستره بين الناس.. من أودعك سره أودعك روحه.. فالأسرار ليست كلمات تخبأ بل أنفاس مقدسة تسكن فى محراب الصدر تضىء أو تحرق، تعمر أو تدمر بحسب ما تحمله الألسنة من نار الخيانة أو ندى الوفاء.. جلال الدين الرومى يقول كن كالأرض تحمل الأسرار وتنبت زهور الثقة، أو كالنهر يذيب الأحجار بصمته، ولا يفشى سر الجبال.. فالحكيم من جعل قلبه مقبرة للأسرار لا يبوح إلا للرحمن لأن السر إذا خرج من دائرة القلب أصبح كالطائر المحلق لا يدرى أين سيقع. وما أجمل قوله أيضا الصمت: هو لغة الله وكل ما عداها ترجمة ناقصة، فحين تختبئ الأسرار فى أعماقك كاللآلئ فى المحار تصبح صلاتك سرا بينك وبين الحبيب، ووجودك سرا مكنونا فى كون يئن بالأسرار.. فاحفظ سرك كحفظ روحك واحترم سر غيرك كحرمة الدمعة على خد المتوسلين فمن أفشى سرا خان الأمانة الإلهية التى وضعت على شفتيه ومن كتم كتمت عنه عيوب الدنيا ووقى شر الحروف الطائشة.. الأسرار أجنحة الملائكة إذا كسرتها سقطت من السماء..