تدور خلف كواليس فعاليات الدورة ال18 من المهرجان القومي للمسرح المصري، تجربة موازية لا تقل أهمية، تتمثل في سلسلة من الورش التدريبية المتخصصة التي تستهدف تأهيل جيل جديد من المسرحيين، وتقام خارج نطاق العاصمة، والتي انطلقت في منتصف مايو الماضي، وشهدت إقبالا لافتا من الشباب في مختلف المحافظات، فقد استقبلت ورشة التمثيل أكثر من 1700 طلب مشاركة، لتؤكد أن المسرح لا يزال يحتفظ بجاذبيته وسط الفنون المعاصرة. تدريبات عملية تهدف إلى صقل الأداء والوعي الفني خضع المتقدمون للورش لاختبارات واختيارات دقيقة، لتصعيد نخبة من الموهوبين إلى برامج تدريبية مكثفة، تشرف عليها نخبة من الأساتذة الأكاديميين والفنانين أصحاب الخبرة، هذه الورش لا تكتفي بالنظريات، بل تمتد إلى تدريبات عملية تهدف إلى صقل الأداء والوعي الفني. ما يميز الدورة ال18 من المهرجان القومي للمسرح المصري إلى جانب إقامة الورش الفنية خارج نطاق العاصمة، هو مشاركة عدد من الأسماء البارزة التي تعد أعمدة المسرح المصري المعاصر، منهم الفنانة د.سماح السعيد، التي تشرف على ورشة التمثيل، حيث تركز على الأداء والتعبير الجسدي، أما د.جهاد أبو العينين فيقود ورشة الإلقاء، معتمدًا على دقة النطق وصفاء الصوت، ويترأس المخرج الكبير عصام السيد ورشة الإخراج، مقدمًا للمشاركين خلاصة تجربته في بناء الرؤية المسرحية. في حين يقدم الكاتب أيمن سلامة ورشة التأليف المسرحي، ويصطحب المتدربين في رحلة لكتابة نصوص تحمل هوية واضحة وحبكة متماسكة، والفنان وليد عوني يتولى التعبير الحركي، مستثمرًا طاقة الجسد في صياغة الأداء، بينما يقدم د.عمرو الأشرف ورشة السينوغرافيا، متناولا تصميم الإضاءة والديكور المسرحي، ويتمم د.طارق مهران المشهد بورشة في التذوق الموسيقي، متناولا دور الموسيقى في تعزيز الإيقاع الدرامي للعرض. تمتد الورش، لأول مرة إلى خارج نطاق العاصمة، حيث انتقلت إلى مدن مثل الإسكندرية، بورسعيد، طنطا، وأسيوط، في إطار استراتيجية "المسرح في كل مصر"، التي يتبناها المهرجان هذا العام، بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهذه اللامركزية تمنح الفرصة لمواهب الأقاليم للاندماج في المشهد المسرحي، وتعزز من تنوع التجربة وتعدد الرؤى. وتختتم الورش بإنتاج عروض مسرحية يقدمها المتدربون أنفسهم، في خطوة تعكس ما اكتسبوه من مهارات وخبرات، كما يحصل المشاركون على شهادات معتمدة من إدارة المهرجان، ما يفتح أمامهم آفاقا جديدة في دروب الاحتراف المسرحي. تجديد دماء المسرح المصري وتمثل هذه الورش، خطوة مهمة نحو تجديد دماء المسرح المصري، ليس فقط عبر إعداد ممثلين جدد، بل من خلال دعم المؤلفين، المخرجين، والمصممين، وإتاحة بيئة خصبة للإبداع والتجريب، فهي ليست مجرد تدريبات، بل مشروع طويل الأمد لإعادة بناء قاعدة فنية واعدة.