تتصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد منشأة فوردو النووية الإيرانية، التي تُعتبر من أكثر المنشآت النووية تحصيناً في العالم، إذ انه وسط التصعيد المتتالي منذ 13 يونيو بين إيران وإسرائيل، تبرز هذه المنشأة المدفونة في أعماق الجبال كرمز للمقاومة الجيولوجية أمام أقوى الأسلحة العسكرية. نشأة سرية وكشف دولي بدأت قصة منشأة فوردو في الخفاء، حيث عملت إيران على تشييدها سراً حتى أقرّت بوجودها علناً عام 2009. كشف البيان المشترك للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردون براون عن وجود هذه المنشأة السرية، واعتبروها "انتهاكاً لاتفاقية الضمانات المبرمة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية". رغم إعلان إيران أنها بدأت العمل في النصف الثاني من 2007، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أفادت، استناداً إلى صور الأقمار الصناعية، أن أنشطة البناء تعود إلى عامي 2002 و2004. وبحسب ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، فإن "فوردو مشروع بدأ خلال برنامج الأسلحة النووية في أوائل القرن الحادي والعشرين"، حيث كانت الفكرة "أن ينتج الإيرانيون يورانيوم صالحاً للاستخدام في صنع الأسلحة". الموقع الاستراتيجي والتحصينات الجيولوجية تقع منشأة فوردو على بُعد 95 كيلومتراً جنوب غرب طهران، و32 كيلومتراً شمال شرق مدينة قُم، داخل مجمع أنفاق محفور في عمق الجبال على عمق يُقدّر ب80-90 متراً تحت سطح الأرض، ضمن قاعدة عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني. كشفت صور الأقمار الصناعية الحديثة، بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، عن "خمسة أنفاق تخترق مجموعة من الجبال، وهيكل دعم ضخم، ومحيط أمني واسع". وتؤكد صحيفة "فايننشال تايمز" أن المنشأة "مخبأة تحت صخور صلبة ومغطاة بخرسانة مسلحة تجعلها بعيدة عن مرمى نيران أي من الأسلحة الإسرائيلية المعروفة للعامة". أوضحت طهران للوكالة الدولية أن قرار بناء المنشأة تحت الأرض جاء نتيجة "تهديدات بهجمات عسكرية على إيران"، وأنها "ستكون بمثابة منشأة طوارئ لمنشأة نطنز القريبة التي كانت من بين الأهداف المهددة". القدرات النووية والأهمية التشغيلية تُعتبر فوردو ثاني أبرز المواقع النووية في إيران، إذ تضم أكثر من ألف جهاز طرد مركزي متطور لتخصيب سادس فلوريد اليورانيوم. أبلغت إيران الوكالة الدولية أن المنشأة قادرة على استيعاب ما يصل إلى 3000 جهاز طرد مركزي، وتنتج اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة نقاء تقترب من المستويات اللازمة للاستخدامات المتقدمة. أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً بأن طهران زادت من وتيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60% في فوردو، وهو ما وصفته بأنه "يثير قلقاً بالغاً". وبحسب معهد العلوم والأمن الدولي، فإن إيران يمكنها خلال ثلاثة أسابيع فقط تحويل مخزونها الحالي إلى 233 كيلوجراماً من اليورانيوم عالي التخصيب - ما يكفي لصنع تسعة أسلحة نووية. التهديدات الإسرائيلية والعجز العسكري صرح وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن طهران تضم "10 مواقع نووية على الأقل"، زاعماً أن الجيش "قريب من تدميرها جميعاً". كما أشار تحديداً إلى فوردو، مدعياً أن "إسرائيل ستتعامل معها بالتأكيد"، بينما تابع نتنياهو بقوله إن "إسرائيل قادرة على إزالة التهديد الذي تشكله منشأة فوردو". لكن الخبراء يؤكدون العكس تماماً، إذ يقول داني سيترينوفيتش، الخبير في الشأن الإيراني بمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن "منشأة فوردو ستكون عصية على إسرائيل بدون مساعدة الولاياتالمتحدة، فهي شديدة التحصين وتقبع في عمق الجبل"، معرباً عن عدم يقينه بشأن ما يمكن أن تحدثه الضربات الإسرائيلية من ضرر. أقرا أيضا «فوردو».. هل تستطيع أمريكا تدمير منشأة الرعب الإيرانية بقلب جبال قُم؟ | تحليل الأسلحة الوحيدة القادرة على الاختراق تؤكد صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلاً عن خبراء، أن هناك سلاحاً واحداً فقط لهذه المهمة، يُطلق عليه "Massive Ordnance Penetrator" أو "GBU-57"، ويزن 30 ألف رطل، ولا يمكن رفعه إلا بواسطة القاذفة الأمريكية الشبحية "B-2"، المشكلة أن إسرائيل لا تمتلك هذا السلاح ولا القاذفة اللازمة. حتى هذه القنبلة الأمريكية العملاقة قد تعجز عن المهمة، حيث يؤكد المعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني أنها تخترق 60 متراً فقط - أقل من العمق المفترض لفوردو، كما تحتاج إلى "ضربات متكررة في نفس النقطة لاختراق التحصينات"، وهو أمر شبه مستحيل عملياً. يرجح سيدريك لايتون، المحلل العسكري في "سي إن إن"، أن الطريقة الأكثر واقعية لتعطيل فوردو تكمن في "تدمير مداخل الأنفاق أو أنظمة التهوية والكهرباء"، مما قد يشل عملها لأشهر دون تدميرها بالكامل. القاذفة الأمريكية الشبحية "B-2" الورقة الأمريكية في المعادلة كشف مسؤول أمريكي رفيع، وفقاً لموقع "أكسيوس"، أن الرئيس دونالد ترامب يرى أن القنابل الخارقة للتحصينات التي تمتلكها واشنطن ولا تمتلكها إسرائيل تُعدّ "نقطة ضغط رئيسية لدفع إيران إلى إبرام اتفاق"، ما يكشف البُعد الاستراتيجي لفوردو كورقة قوة إيرانية وعامل ضغط أمريكي. رغم محاولات الاستهداف الإسرائيلية المتكررة، تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن فوردو لم تتعرض "لأي ضرر يُذكر حتى الآن"، مما يؤكد فعالية تحصيناتها الطبيعية والهندسية في مواجهة أقوى التهديدات العسكرية.