محافظ القاهرة يتابع عمليات إنقاذ سكان عقار السيدة زينب المنهار    لطلاب الثانوية العامة 2025.. 10 نصائح تساعدك في اختيار الكلية المناسبة    المستشار محمود فوزي نافيا شائعات وسط البلد: قانون الإيجار القديم يعالج مشكلة مزمنة ولن يُترك أحد بلا مأوى    متى لا يتم إخلاء وحدات الإيجار القديم المغلقة؟ المستشار محمود فوزي يجيب    إيران تطلق دفعة ثالثة من الصواريخ ضد إسرائيل وتعلن السيطرة على أجواء الأرض المحتلة    الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرتين مُسيّرتين عبرتا من جهة الشرق    صفارات الإنذار تدوي في مناطق واسعة من إسرائيل بعد رصد إطلاق صواريخ من إيران    الإسعاف الإسرائيلى: لا إصابات فى الدفعة الصاروخية الإيرانية الأخيرة.. صور    لاوتارو مارتينيز يقود إنتر ميلان أمام مونتيري في كأس العالم للأندية    خبر في الجول - تأكد غياب كوكا أمام بالميراس.. وشكوك حول لحاقه بمواجهة بورتو    ألونسو يتحدث عن مواجهة إنزاجي وأداء الهلال وموقف المصابين.. والتعامل مع الطقس    عاجل.. حسين الشحات يوجه رسالة مؤثرة بعد فرصة إنتر ميامي: «اجبروا الخواطر وراعوا المشاعر»    الأحوال الجوية تتسبب في تأخير موعد انطلاق مباراة صن داونز وأولسان في مونديال الأندية    «هنعاير بعض».. رئيس تحرير الأهلي يهاجم وزير الرياضة بسبب تصريحاته عن الخطيب    التفاصيل الكاملة لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية، الأعلى للجامعات يستحدث إجراءات جديدة، 6 كليات تشترط اجتياز الاختبارات، خطوات التسجيل وموعد التقديم    «طلع يصلي ويذاكر البيت وقع عليه».. أب ينهار باكيًا بعد فقدان نجله طالب الثانوية تحت أنقاض عقار السيدة زينب    نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 بالغربية تقترب من الظهور رسميًا.. الموعد الرسمي    ضبط 5.5 طن من الدواجن الفاسدة داخل مجزر في الزرقا بدمياط    وفاة سيدة وإصابة شخصين بسبب انهيار منزل فى السيدة زينب    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    غادة عبدالرازق راقصة كباريه في فيلم «أحمد وأحمد» بطولة السقا وفهمي (فيديو)    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى منطقة البحر الميت    معدن أساسي للوظائف الحيوية.. 7 أطعمة غنية بالماغنسيوم    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    التضامن الاجتماعي: إجراء 2491 عملية قلب مجانية للأولى بالرعاية بالغربية    طريقة عمل الآيس كوفي، بمكونات اقتصادية واحلى من الجاهز    إعلام إيراني: غارات إسرائيلية وانفجارات في طهران وكرج    المستشار محمود فوزي: تصنيف الإيجار القديم لن يكون مقاسا واحدا.. وسيراعي هذه الأبعاد    أعمال الموسيقار بليغ حمدي بأوبرا الإسكندرية.. الخميس    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    سعر الفراخ البلدي والبيضاء وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025    سي بي إس: لا يوجد توافق بين مستشاري ترامب بشأن إيران    هيئة البث: تقديرات بشن إيران هجوما ب20 صاروخا على إسرائيل الليلة    عليك اتخاذ موقف مع شخص غير ناضج.. توقعات برج الحمل اليوم 18 يونيو    «القطة العامية» للكاتبة رحاب الطحان في مكتبة القاهرة الكبرى.. الخميس    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    أسعار الزيت والسلع الأساسية اليوم في أسواق دمياط    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام الوداد في كأس العالم للأندية    الجبنة والبطيخ.. استشاري يكشف أسوأ العادات الغذائية للمصريين في الصيف    «الربيع يُخالف جميع التوقعات» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء    تعليم الغربية: 30 يونيو آخر موعد للتقديم فى رياض الأطفال والصف الأول    علي الحجار يؤجل طرح ألبومه الجديد.. اعرف السبب    أخبار 24 ساعة.. مجانا برقم الجلوس.. اعرف نتيجة الشهادة الإعدادية بالقاهرة    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    العدل يترأس لجنة لاختبار المتقدمين للالتحاق بدورات تدريبية بمركز سقارة    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 18 يونيو بعد الانخفاض بالصاغة    الغرفة التجارية تعرض فرص الاستثمار ببورسعيد على الاتحاد الأوروبى و11 دولة    النفط يقفز 4% عند إغلاق تعاملات الثلاثاء بدعم من مخاوف ضربة أمريكية لإيران    رسميًا.. فتح باب التقديم الإلكتروني للصف الأول الابتدائي الأزهري (رابط التقديم وQR Code)    اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد مرسى: أنا كل هذه الوجوه! |لوحاتى تحتوى على رؤى وتهويمات شعرية مجهضة
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 16 - 06 - 2025


حوار: محمد شعير
«سيرتى ليست مهمة، ليس فيها ما يثير خيال القارئ» كانت هذه الجملة خاتمة لحوار طويل مع الفنان والشاعر أحمد مرسي. جرى الحوار الخاطف فى إحدى زياراته للقاهرة عائدا من نيويورك حيث يقيم. لكن الواقع أن سيرة مرسى الذى يعتبر أحد رواد الفن المصرى الحديث سلسلة طويلة من التنقل، والسفر والمغامرات الفنية، والمعاناة الحياتية.
ولد فى الإسكندرية عام 1930، لكنه غادر المدينة فى خمسينيات القرن العشرين متنقلا ما بين بغداد وباريس وكابول، والقاهرة. فى كل مدينة مغامرة واكتشاف جديد للذات، قبل أن يستقر فى نيويورك منذ عام 1974. ولكن الإسكندرية التى غادرها مبكرا لم تغادره: «غرفة الرسم.. لا تزال/ كأنى لم أبارحها/ من أكثر من ستين عاما/ تعانق المشهد البحري/ غموض القصر المتوج رأس التين/ مرسى بحار الشحن/ صيحات النوارس» كما يقول فى إحدى قصائده. تبدو الإسكندرية لديه أكبر من مدينة، كأنها وطن غائب، البحر وكائناته حاضر فى لوحاته، ودرجات الأزرق المختلفة، وكذلك رمال الشاطئ.
بدأ شاعرا وأصدر ديوانه الأول «أغانى المحاريب» (1948). وأثناء دراسته للأدب الإنجليزى جذبه الفن فبدأ فى دراسة الفن التشكيلى بشكل حر فى استوديو الفنان الإيطالى سيلفيو أنريكو بيكى بالإسكندرية، وتزامل فى تلك الحقبة مع الفنان سيف وانلى، وجمعته عدد من المعارض الجماعية وهو لا يزال فى العشرينات من عمره بنخبة من أهم الفنانين مثل عبد الهادى الجزار وحامد ندا وفؤاد كامل، وحسن التلمساني.
ظل مرسى متأرجحا بين كتابة الشعر، والرسم، والترجمة ممارسة النقد الفنى وهى الموهبة التى أطلق لها العنان أثناء فترة عمله فى مدينة بغداد فى منتصف الخمسينات، حيث كانت المدينة مركزا للفنانين والكتاب العراقيين، من بينهم الشاعر عبد الوهاب البياتي، والروائى فؤاد التكرلى، والفنان أردش كاكافيان.
بعد عامين من الإقامة فى بغداد، عاد إلى مصر عام 1957 واستقر هذه المرة بالقاهرة، حيث باشر نشاطه الفنى المتنوع، فلم يكتف بالكتابة والرسم فقط، بل ساهم فى تصميم ديكور وأزياء عدد من الأعمال المسرحية التى قدمت على المسرح القومى ودار الأوبرا الخديوية، وشارك مع عبد الهادى الجزار كتابا شعريا احتوى رسومات للجزار، وقصائد لمرسى، لكن لم يصدر الكتاب بعد وفاة الجزار المفاجئة.
فى عام 1968 فى أعقاب الهزيمة توقف مرسى عن كتابة الشعر، وشارك فى تأسيس مجلة جاليرى 68 التى رأس تحريرها الفني، كانت المجلة أول مجلة ثقافية مستقلة منذ عام 1952، لم تكن المجلة سياسية، ولكنها كانت محاولة للرد على الهزيمة. واعتبرت المجلة التى لم يصدر منها سوى ثمانية أعداد صوتا للحداثة المصرية الجديدة.
فى عام 1974 انتقل مع أسرته إلى نيويورك وهناك بدأ شغفه بفن الطباعة فالتحق عام 1976 بعدة دروس فى فن الطباعة والطباعة الحجرية مع رابطة طلاب الفن فى نيويورك. أصدر مرسى 9 دواوين شعرية، وترجم بالاشتراك مع الشاعر العراقى عبد الوهاب البياتى أشعار لبول إيلوار وأراجون، وترجم منفردا قصائد قسطنطين كفافي، ومختارات من الشعر الأمريكى المعاصر، كما شارك مرسى فى العديد من المعارض والبيناليات العالمية من بينها بينالى فينيسا فى دورته الأخيرة.
أثناء إحدى زياراته للقاهرة.. كان معه هذا الحوار:
تشكيلي، شاعر، مترجم، ناقد، مهندس ديكور ومصمم أزياء عروض مسرحية، صانع كتب ومجلات.... هل هذا التعدد مفيد.. وما الأقرب لك منها؟
كل هذه الوجوه أنا. لكن الأقرب لى التشكيلى والشاعر.
ولو حدثت مفاضلة بين الشعر والتشكيل ماذا تختار؟
أنا توقفت عن كتابة الشعر لأكثر من ثلاثين عاما، لكنى لم أتوقف لحظة عن التشكيل. الشعر والتشكيل- بالنسبة لي- وجهان لعملة واحدة. التشكيل قصيدة بالألوان، أنا أكتب اللوحة، وأرسم القصيدة، إنها وسائط مختلفة، لكن بلغة واحدة. كنت شاعرا يعانى الاغتراب، وأمام ما أسميه عملية «الإجهاض الشعري» أصبحت لوحاتى تحتوى رؤى وتهويمات شعرية مجهضة.
المسحة الشعرية التى تظلل لوحاتى تأتى من قوة قهرية تسيطر على كل مراكز الأعصاب التى تحرك أصابعى بالفرشاة. لذلك أستطيع القول بأنى لم أعد أعبأ بها. بل إن ما يشغلنى فى المقام الأول، هو اثراء مفردات لغتى التشكيلية أو محاولة اخضاعها إلى لغتى الخاصة، تلك اللغة التى تسعى الى تحقيق التوافق من خلال الحوار الجدلى بين التناقضات. وقد قلت ذلك أكثر من مرة فى كتالوجات معارضي.
هل كان لديك تفسير ذاتى لأسباب التوقف عن كتابة الشعر؟
ربما لأننى لم أشعر باعتراف أو تقدير، وبالتالى حدثت عملية عصيان أو تمرد داخلية أدت إلى توقفى عن الكتابة. اخترت الصمت الشعري، وربما كان الخوف هو القيد الحقيقى الذى كان يشدنى إلى جدار الصمت ويحول دون محاولتى التخلص من الأسر، وربما التردد الهاملتى الوجودى الملعون الذى ابتليت به منذ الوعى بالذات والوجود وما يهيم حواليهما من كائنات وأشياء محسوسة ولا محسوسة، ومحاولة فهم هذه الأشياء. كنت أكتب الشعر على أى أوراق أجدها أمامى علب الكبريت، أوراق الجرائد.
وفجأة توقفت فى عام 1996 أتصل بى الروائى الصديق إدوار الخراط وطلب منى شهادة عن علاقتى به بمناسبة عيد ميلاده السبعين، دخلت غرفة النوم وخرجت بقصيدة. ثم تدفق الشعر، ولم أتوقف من يومها. لا أدرى لم انهار حائط الصمت الشعري، عدت كما كنت فى الماضي، أكتب الشعر فى كل وقت وكل مكان.
ولكن ماذا عن البدايات وسنوات التكوين؟
البداية من الإسكندرية، هى مدينتى الأسطورية، فى الأربعينيات كانت مختلفة تماما عن إسكندرية الحاضر، مدينة كوزموبوليتانية، يقيم فيها العديد من الأجانب الأثرياء تحديدا، فى ذلك الوقت كانت أوروبا فى ازمة مالية بسبب الحرب العالمية، وبالتالى كان من الطبيعى أن تقام معارض لفنانين عالميين، لأن الأثرياء الأجانب المقيمين فى المدينة لديهم مقدرة على الشراء. رأيت أعمال بيكاسو وماتيس ومودليانى فى الإسكندرية.
كذلك كانت هناك زيارات لفرق أوبرا ومسرحية فرنسية وإيطالية بشكل متواصل، ويضاف إلى المسرح السينما الإيطالية والفرنسية التى خرجت من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية، وكانت «سينما ستراند»، متخصصة فى عرض أفلام الواقعية الجديدة الايطالية، بينما انفردت سينما فؤاد بعرض الأفلام الفرنسية «الشعرية» ولا أبالغ إذا قلت إن اسكندرية ما قبل الحرب وما بعدها مباشرة كانت سوقا هاما للفن الأوروبي، الفرنسى بالذات.
لا شك أن هذا المناخ الثقافى العام قد ترك أثرا عميقا فى تقويتى كشاعر وفنان، كما أن ترددى على المسرح والأوبرا والسينما شجعنى فيما بعد على أن أقدم تصميم ملابس ومشاهد مسرحية ألفريد فرج «سقوط فرعون» وكان تصميم الملابس فى المسرح المصرى فى ذلك الوقت حكرا على الإيطاليين.
البداية هنا.. كانت بالشعر لا بالتشكيل؟
الكتابة هى عالمى السرى القديم، بدأت كتابة الشعر مبكرا جدا. عندما كان عمرى لا يزيد على خمسة عشر عاما، فى إحدى مكتبات الإسكندرية نسخت كتابا حول علم العروض، وشغفت بشعراء مثل محمود حسن إسماعيل.
ولكن بعد ثلاث سنوات تقريبا فى سن الثامنة عشرة بدأت التعرف على فنانين سرياليين مثل: بابلو بيكاسو وماكس أرنست وسلفادور دالي.. وآخرين. هذه الأعمال غيرت نظرتى لنفسى وللعالم، كليا، كانت بمثابة مفتاح لباب أدخلنى إلى عالم جديد لا أول ولا آخر له، عالم ثرى يبدأ بالنظر إلى العالم الخارجى بعدسة تتجاوز المرئى لتنفذ إلى اللامرئي، وهو ما حاولت التعبير عنه فى الشعر والتشكيل كليهما معا.
وقد ساعدنى إلمامى بالفرنسية على قراءة الشعراء الذين لعبوا دورا فى الحركات الفنية والشعرية فى بداية ومنتصف القرن العشرين.
وبقليل من الجهد قمت بترجمة قصائد لبول فاليرى وإيلوار وجاك بريفير وأراجون الخ.. كانت الترجمة مجرد تدريب لفهم صنعة الشعر، ولم يكن فى نيتى النشر، ولكن نشرت فيما بعد مختارات من قصائد بول إيلوار، وأراجون، وكافافي.
وفى تلك الفترة كنت أكتب قصائد بالفرنسية، لم تكن قصائد للنشر ولكن لمزاجى الشخصي، وتدريب على اللغة، وربما من حسن حظي، أو من حسن حظ القراء أننى فقدت هذه القصائد.
هل هناك فرق بين الشعر والرسم؟ اللوحة والقصيدة؟
التشكيل يحتاج إلى احتشاد، عكس الشعر. أكتب الشعر فى أى وقت وأى مكان، فى المقاهي، وأنا أسير فى شوارع مانهاتن، عند إشارات المرور الحمراء، فى الأتوبيس، فى مقهاى المفضل فى «سوهو» على عكس اللوحة، التى تحتاج لتجهيزات خاصة، ممكن أرسم مخطط لوحة فى المقهى، لكن لابد أن أعود إلى مرسمى للبدء فيها.
نشرت ما يسمى كتاب الفنان.. الذى يجمع بين الشعر والتشكيل ماذا عن هذه التجربة؟
كانت البداية عندما اشتركت مع الفنان عبد الهادى الجزار فى كتاب مشترك، يضم قصائدى ولوحاته، ولكن للأسف لم يُنشر هذا الكتاب بسبب وفاة الجزار المفاجئة، فيما بعد أصدرت كتابا فى طبعة محدودة يضم ترجمتى لقصائد كافافى مع رسومات لي، ثم اشتغلت مع أدونيس على ترجمة قصائده تشكيليا.
فكرة كتاب الفنان فكرة قديمة أدين بها لصديق يهودى قديم يسمى «أوسكار» كان صاحب مكتبة «هاشيت» بالإسكندرية فى الأربعينيات وقد تعرفت من خلاله على «كتاب الفنان» وهى الكتب التى كان فنانون، مثل: بيكاسو وماتيس وغيرهما، يشاركون شعراء فى إعداد عمل مشترك يجمع بين العمل الجرافيكى الأصيل (الحفر) ويصدر وفى طبعة محدودة النسخ (من 10 نسخ إلى 50 على سبيل المثال) مرقمة وممهورة بتوقيعى الفنان والشاعر.
كان أوسكار يقيم فى مكتبته معارض لفنانين سكندريين وأجانب، ومن ثم كانت المكتبة ملتقى متذوقى الفن وأثرياء المدينة من أصحاب المجموعات الفنية الهامة الذين يمتلكون أعمالا لماتيس وبيكاسو وشاجال وغيرهم من رواد مدرسة باريس التى تربعت على عرش التصوير الغربى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبالرغم من ضيق ذات اليد فى تلك السنوات، كنت لا أزال طالباً بالجامعة، وإن كنت أيضاً أعمل مترجماً أتقاضى مرتبا متواضعا لا يسمح لى بأى حال من الأحوال، باقتناء مثل هذه الكتب الباهظة، أتاح لى هذا الصديق شراء بعض كتب الفن ذات القيمة المرتفعة بالتقسيط، وقد بلغ به الكرم، ذات مرة إلى حد التنازل لى عن ثلاث محفورات أصلية لبيكاسو من أعمال كتاب تحولات أوفيد.
وعندما سافرت للعمل فى العراق وقرر إغلاق المكتبة والهجرة إلى تونس استعدادا إلى باريس فيما بعد، ذهب إليه أحد أفراد أسرتى ليسدد له مديونياتي، رفض الحصول على أى أموال بل ترك لى بعض هذه الكتب أيضا.
يعتبرك نقاد الفن، فنانا سرياليا، بل آخر السرياليين هل تتفق مع هذا التصنيف؟
لا أحب التصنيفات، أترك ذلك للنقاد، هم الأقدر على ذلك.
ولكن أنت تمارس النقد أيضا؟
فى عام 1955 سافرت على بغداد للعمل، وعندما وصلت اشتغلت مدرسا، وصحفيا ومترجما، وطلب منى أحد الأصدقاء متابعة معارض الفن التشكيلى والكتابة عنها.
ولكن طوال سنوات ممارستى للفن نفسه، لا أفضل الحديث عن أعمالي، عن إيمان بأن العمل الفنى ينطوى فى ذاته على كل ما أصبو إلى التعبير عنه باللغة التى آنست فيها قدرة الإفصاح. هذه اللغة الخاصة، شأن أية لغة أخرى للتعبير، لابد أن تخضع لعملية نماء الكائن البشرى، طالما ظل يستشعر دائما تلك الحاجة الملحة والممرضة للتعبير عن صراعاته، سواء مع نفسه أو مع العالم الخارجي.
هل التقيت مجموعة السرياليين جورج حنين ورمسيس يونان وكامل التلمساني؟
كانوا أكبر مني، لم يكن بيننا علاقة شخصية قوية، قابلت رمسيس يونان أكثر من مرة فى مرسمه، كان صديقا لإدوار الخراط وكنا نزوره بين الحين والآخر.
هل كان حرصك على تعلم الفرنسية من أجل السريالية، باعتبار أن السريالية بدأت فى فرنسا، ومعظم رموزها يكتبون بالفرنسية حتى المصريين منهم؟
لا من أجل الشعر، لم أتعلم الفرنسية من أجل أندريه بريتون، وبيانات الحركة السريالية، وإنما لكى أقرأ شعرا، لكى أٌقرأ أرجون، وبول فاليري. كنت فى ذلك الوقت مولعا ومفتونا بالقراءة. وكانت أمى دائما غاضبة منى، لماذا أشترى كل هذه الكتب، وهل أنا فى حاجة إليها، وغاضبة أننى أغلق على نفسى الباب لكى أكتب وأقرأ فقط، لذا كنت حريصا أن يكون لدىّ دائما «كلب» فى المنزل. كان فى غرفتى دائما حتى لا تدخل أمى وتمزق أوراقى أو تتخلص من كتبي، وما زلت حتى الآن أحب أن يكون لدى «كلبي» الخاص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.