بلغة العواطف كنت أتمنى أن أفرح من قلبى وتكون سهرتى سعيدة ليلة الجمعة لو صفعت إيران إسرائيل على وجهها وشفت غليلنا.. ولكن ذلك لم يحدث، وتلقّت طهران الضربات دون أن ترد الصاع صاعين وثلاثة، وكنا ننتظر منها أن تُلقّن إسرائيل درسًا لا تنساه ولكن ذلك لم يحدث. كنت أتمنى أن تنتقم إيران من إسرائيل لِما تفعله فى غزة، والآن أسأل: ما مصير دموع غزة؟ وهل الضربات الإسرائيلية لإيران مجرد غازات عابرة أم بداية حرب طويلة ليس معروفًا نهايتها؟ ضربات بهذا الحجم قد لا تُبقى الحرب فى إطارها الثنائى، وإن توسَّعت النيران ستمتد شرارتها إلى كل دول الجوار، وكل طرف سيضطر إلى تحديد موقعه بوضوح. البترول والسلع الأساسية مهددة بارتفاع جنونى، وأى شرارة فى الخليج تعنى أن الاقتصاد العالمى سيُصاب بنكسة لا يعلم مداها سوى الله، والأسواق بطبيعتها لا تحتمل الغموض، والشرق الأوسط الآن أكثر غموضًا من أى وقت مضى. وفى زحمة النيران والطائرات والصواريخ تبدو غزة كأنها تُترك لمصيرها، وقد تُستغل الأحداث لتصفية الحساب معها، أو تمرير سيناريوهات التهجير القسرى التى كانت فى صدارة المخطط الأمريكى الإسرائيلى. وإيران الآن أمام لحظة شديدة الخطورة، إما أن تنهض وترد الإهانة ليس انتقامًا فحسب، بل حفاظًا على ما تبقى من كرامتها العسكرية وصورتها كقوة ردع إقليمية، أو أن تترك العنان للهجوم والسخرية، واتهامها بأنها «نمر من ورق». وكل الطرق أمام طهران محفوفة بالمخاطر، مثل تنفيذ هجمات نوعية عبر حلفائها حزب الله والحشد الشعبى والحوثيين، أو استهداف المصالح الإسرائيلية خارج حدودها، أو التصعيد فى البحر الأحمر.. وهذا معناه توسيع دوائر الصراع ودخول أطراف أخرى، وبمعنى أدق: استكمال تكسير عظام إيران. أما السيناريوهات القادمة فلن تخرج عن: ■ التهدئة المؤقتة: بضغوط أمريكية ودولية، قد تؤدى إلى إسكات النيران مؤقتًا، لكن الجرح الإيرانى سيظل ينزف والعداء لن يتوقف. ■ الحرب بالوكالة: وزيادة ضربات الطائرات المسيَّرة، وهجمات الميليشيات، وعمليات التخريب فى الدول المجاورة. ■ المواجهة الشاملة: وهى أقل احتمالًا، لكنها ليست مستحيلة، خاصة إذا استمرت الاستفزازات أو توسَّعت الضربات، وستكون المصالح الأمريكية فى مرمى النيران. أما موقف الرئيس ترامب فيبدو كمخرج بارع فى لعبة «الثلاث ورقات»، حيث اختفت الورقة الرابحة بين أوراق الخداع، وصدرت عنه تصريحات مبهمة وابتسامات باردة، وتلويح دائم بأنه «لا يعلم شيئًا»، بينما كل المؤشرات تشير إلى أنه يعلم كل شىء ويُدير كل شىء. العالم اليوم يقف على حافة صراع أكبر مما نراه على الشاشات ونشرات الأخبار وتقارير المراسلين، ما بين خيبة الشعوب العربية وموقف إيران الذى يصل حتى الآن إلى العجز، وجبروت إسرائيل وعدم القدرة على ردعها. كل الطرق الدبلوماسية حتى الآن فاشلة، ولم تكن سوى ستار دخان يخفى وراءه تحركات عسكرية، وخططًا استخباراتية تُطبخ على نار هادئة فى كواليس واشنطن وتل أبيب.. وتزداد جراح غزة، وتتفاقم كلفة الدم العربى، دون أن يعلم أحد متى يتوقف هذا النزيف؟ ومن سيكتب النهاية: بالنار أم بالسياسة.