علماء النفس: النجاح الحقيقى يقوم على الجهد والاجتهاد تعزيز قيم الصدق والأمانة لبناء جيل ملتزم أخلاقيًا د. أحمد كريمة: محرّم شرعًا د. سعاد صالح: العقاب الرادع ضرورة فى ظل التحديات التى تواجه العملية التعليمية، يُعد الغش فى الامتحانات إحدى الظواهر السلبية التى تهدد نزاهة التعليم وتقلل من قيمته الحقيقية. فبدلًا من أن يكون الاختبار وسيلةً لتقييم قدرات الطلاب ومدى استيعابهم للمعلومات، تحوّل فى كثير من الأحيان إلى ساحة للتحايل والالتفاف على القواعد، ما ينذر بخطورة كبيرة على الأجيال القادمة. الغش ليس مجرد سلوك عابر يمارسه بعض الطلاب هروبًا من المذاكرة أو لضمان النجاح، بل هو انعكاس لأسباب نفسية واجتماعية، تدفع البعض إلى التهاون فى القيم الأخلاقية والسعى وراء الطرق السهلة لتحقيق أهدافهم.. ومن هنا، يأتى دور المتخصصين فى علم النفس والاجتماع لتحليل الدوافع النفسية وراء هذا السلوك: هل هو نتيجة لضغوطٍ دراسيةٍ هائلة؟ أم أنه ينبع من انعدام الثقة بالنفس والخوف من الفشل؟ أم أن البيئة المحيطة سواء الأسرية أو المدرسية تساهم بشكل أو بآخر فى تعزيز ثقافة الغش بدلاً من محاربتها؟ ولأن الغش لا يتوقف عند حد التأثير على الأفراد فحسب، بل يمتد ليضر بالمجتمع ككل، فإن التصدى له يتطلب نهجًا متعدد الأبعاد يشمل الوعى الدينى والتربوى والتشريعي. فى هذا التحقيق، نبحث هذه القضية من مختلف الجوانب، مع رجال الدين وخبراء علم النفس والاجتماع لنصل إلى حلول قابلة للتطبيق تسهم فى خلق بيئة تعليمية مناسبة. اقرأ أيضًا| رئيس طيبة التكنولوجية: توفير كافة سبل الدعم للطلاب خلال الامتحانات فى البداية يؤكد د.جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، أن هناك عدة عوامل تدفع الطلاب إلى الغش، أبرزها عدم الجاهزية للامتحان نتيجة ضعف الاستعداد أو الإهمال فى المذاكرة، مما يدفع الطالب إلى البحث عن طرق تضمن له النجاح السريع. كما يشير إلى أن هناك أنماطًا شخصية مضطربة تلجأ إلى الغش، مثل الشخصية السيكوباتية التى لا تلتزم بالقيم الأخلاقية والدينية، وترى الغش وسيلة مشروعة لتحقيق أهدافها. ومن العوامل الأخرى، غياب الثقة بالنفس لدى بعض الطلاب المجتهدين، حيث يشعرون بالخوف من الفشل وعدم القدرة على تحقيق النجاح بالطرق المشروعة، مما يدفعهم إلى ممارسة الغش كحل للخروج من هذا المأزق. بالإضافة إلى ذلك، هناك طلاب لديهم طموحات عالية ويرون أن الغش هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافهم، دون إدراك أن النجاح الحقيقى يقوم على الجهد والاجتهاد. دور البيئة التعليمية على مستوى البيئة التعليمية، يشير د. فرويز إلى أن بعض أولياء الأمور والمراكز التعليمية يسهمون بشكل غير مباشر فى تشجيع الطلاب على الغش، حيث يتم التعامل معه كوسيلة لضمان دخول أبنائهم كليات مرموقة دون النظر إلى مدى قدرتهم الحقيقية على تحقيق النجاح فيها. اقرأ أيضًا| الغربية | لم تتلق أي شكاوى في اليوم الأول لامتحانات الشهادة الإعدادية هذه السلوكيات تؤدى إلى فشل الطلاب لاحقًا فى التخصصات التى دخلوها دون استحقاق، مما يخلق فجوة كبيرة فى سوق العمل ويؤثر على جودة الكفاءات العلمية فى المجتمع. التأثير الاجتماعى الغش لا يؤثر فقط على الفرد، بل يترك بصمة سلبية على المجتمع ككل، إذ يؤدى إلى ترسيخ ثقافة التحايل والتجاوز على القوانين، مما يُضعف قيم النزاهة والمصداقية ويخلق أفرادًا لا يحترمون القواعد ويبحثون عن الطرق غير المشروعة لتحقيق أهدافهم. كما يُهدد هذا السلوك مستقبل المؤسسات التعليمية، حيث يُفقد الاختبارات قيمتها الحقيقية كوسيلة لتقييم القدرات والإمكانات. يرى الخبراء أن الحلول لا تقتصر على فرض العقوبات المشددة فحسب، بل تمتد إلى تعزيز القيم الأخلاقية والدينية بين الطلاب. يقول د. فرويز إن أحد أهم الطرق لمكافحة الغش هو نشر الوعى بأن الهدف من التعليم ليس الحصول على درجات عالية فقط، بل اكتساب المعرفة التى تسهم فى بناء مجتمع أكثر وعيًا وكفاءة. ويؤكد أن ترسيخ فكرة أن النجاح ليس مرهونًا بالحصول على العلامة الكاملة، بل بمدى قدرة الفرد على استيعاب المعلومات وتوظيفها، يُعد خطوة جوهرية نحو القضاء على هذه الظاهرة. فليس المطلوب من كل فرد تحقيق التفوق المطلق، بل الأهم أن يكتشف إمكاناته الفريدة ويعمل على تطويرها بما يخدم المجتمع. المبادئ الرفيعة يشير د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، إلى أن الإسلام يُعلى من شأن الأخلاق والمبادئ الرفيعة التى تحفظ للإنسان نزاهته وصدقه، حيث يُعد الصدق والأمانة من القيم الأساسية التى بنيت عليها الشريعة الإسلامية. وقد سُمّى النبى محمد صلى الله عليه وسلم ب»الصادق الأمين»، تأكيدًا على أن الالتزام بالصدق هو جوهر القيم الإسلامية. ويستدل الدكتور كريمة بقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلىَ أَهْلِهَا» (النساء: 58)، وهو أمرٌ إلهى واضح بضرورة الوفاء بالأمانات وعدم تجاوز الحقوق. اقرأ أيضًا| مركز البحوث الطبية والطب التجديدي يوقع بروتوكول تعاون مع جامعة بنها الأهلية كما أشار إلى الحديث النبوى الشهير: «من غشنا فليس منا»، والذى يوضح أن الغش، سواء فى المعاملات أو الامتحانات، يُعد خروجًا عن القيم الإسلامية، بل ويصنف ضمن الكبائر نظرًا لما يترتب عليه من أضرار جسيمة تمس المجتمع بأكمله. الغش لا يقف عند حد الامتحانات فقط، بل تتسع آثاره لتشمل الحياة المهنية، حيث يؤدى إلى تخرج أفراد غير مؤهلين لشغل وظائف حساسة، مما قد يهدد حياة الناس بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال، إذا حصل طالب فى كلية الطب أو الهندسة على شهادته عبر الغش، فإنه سيؤدى عمله دون الكفاءة المطلوبة، مما قد يسبب كوارث لا تُحمد عقباها، من أخطاء طبية جسيمة أو انهيار مبانٍ بسبب سوء التنفيذ الهندسي، وبالتالى فإن الغش ليس مجرد مخالفة أخلاقية، بل جريمة قد تُفضى إلى فقدان الأرواح. التداعيات الاجتماعية من أبرز تداعيات الغش أنه يُفسد مبدأ تكافؤ الفرص، حيث يأخذ الغشاشون مواقع ليست مخصصة لهم، على حساب المجتهدين الذين بذلوا الجهد وكافحوا للوصول إلى هذه المناصب بجدارة واستحقاق. فحين تصبح هذه الظاهرة منتشرة، يؤدى ذلك إلى غياب الكفاءة عن العديد من المجالات، مما يُضعف المؤسسات التعليمية والمهنية، ويجعل المجتمع بحاجة إلى إعادة تأهيل دائم للعناصر غير المؤهلة. وبحسب د. كريمة، فإن انتشار الغش فى المجتمع يشبه الوباء الذى يستشرى إذا لم يتم التصدى له بحزم، مما يستدعى إجراءات جذرية لتنقيته من هذه الممارسات الخاطئة. ويرى أن التصدى لهذه الظاهرة لا يقتصر على جهة واحدة، بل هو مسؤولية مشتركة بين الأسرة، المؤسسات التعليمية، المؤسسات الدينية، والإعلام. مسؤولية مشتركة تلعب الأسرة دورًا محوريًا فى غرس قيم الاجتهاد والأمانة فى نفوس الأبناء منذ الصغر، حيث يجب أن يكون الوالدان على وعى بضرورة تعزيز ثقافة الجد والمثابرة، والابتعاد عن الغش باعتباره سلوكًا غير مقبول. فالتشجيع الإيجابي، وتوجيه الطالب نحو تحسين مستواه الدراسى بطرق مشروعة، يساعد فى بناء شخصية قوية قادرة على مواجهة التحديات دون الحاجة إلى أساليب غير نزيهة. كذلك، يقع على المؤسسات التعليمية مسؤولية كبرى فى التوعية بأهمية الالتزام بالقيم الأخلاقية، سواء عبر المناهج الدراسية أو الأنشطة التربوية، مع ضرورة توفير بيئة تعليمية تشجع على البحث والاجتهاد بدلاً من اللجوء إلى الغش. دور المؤسسات الدينية إلى جانب الأسرة والمدارس، فإن للمؤسسات الدينية دورًا رئيسيًا فى نشر التوعية حول خطورة الغش، سواء فى المساجد عبر الخطب الدينية، أو فى الكنائس عبر الوعظ الروحي، حيث يُعد الغش تجاوزًا للقيم الدينية التى تحث على الأمانة والإخلاص فى جميع جوانب الحياة. كما يُعتبر الإعلام شريكًا أساسيًا فى التصدى لهذه الظاهرة، إذ يتوجب عليه التركيز على تقديم رسائل توعوية تستهدف جميع فئات المجتمع الطلاب، أولياء الأمور، المعلمين بهدف غرس ثقافة النزاهة وتعزيز الوعى العام بضرورة القضاء على هذه العادة السلبية. يشير د. كريمة إلى أن أحد أخطر آثار الغش هو التأثير الروحى السلبى على الفرد، حيث يتحول الشخص الذى يمارسه باستمرار إلى مُدمن عليه، فلا يكتفى بالغش فى الامتحانات فقط، بل يصبح جزءًا من حياته العملية والمهنية، مما يضر المجتمع بأسره. فالنهضة تحتاج إلى أفراد مجتهدين، يحققون النجاح بجدارة، وليس عبر التحايل والتلاعب. وأضاف أن الشيطان يُزيّن للطلاب فكرة الغش، عبر زرع الخوف من الفشل، فيتصورون أن اللجوء إليه هو الحل الوحيد للنجاح، بينما الحقيقة أن الغش ليس إلا عائقًا يُضعف ثقة الفرد بنفسه ويمنعه من تحقيق ذاته. ومن هنا، يؤكد على ضرورة عدم اتباع خطوات الشيطان، بل السعى لتنظيم الوقت والمذاكرة بجدية، فالمجتهد الحقيقى لا يحتاج إلى الغش مطلقًا. فى ختام حديثه، أشار د. كريمة إلى أهمية الجد والاجتهاد، مستشهدًا بتجربته الشخصية، حيث كان يذاكر أسفل أعمدة الإنارة فى الشوارع عندما لم تكن هناك إنارة فى المنازل، مؤكدًا أن العقبات لا يجب أن تكون مبررًا للغش، بل دافعًا لمزيد من المثابرة والإصرار على تحقيق النجاح بطرق مشروعة. بيئة الأسرة من ناحية أخرى توضح د. سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وجهة نظر واضحة ومتماسكة حول ظاهرة الغش فى الامتحانات وعلاقتها بالتربية الأسرية، حيث ترى أن جذور هذه الظاهرة لا تنبع فقط من ضعف المادة التعليمية أو الضغوط الأكاديمية، بل بدأت من بيئة الأسرة ذاتها.. فهناك فئة من الآباء والأمهات ينظرون إلى الغش كوسيلة لتسهيل أداء أبنائهم فى الامتحانات، معتقدين أنها تُخفف من معاناة الأطفال أمام ضغوط الامتحانات، دون أن يدركوا أن هذا التصرف يعد بمثابة سرقة من زملائهم الذين يؤدون العمل بجهد وأمانة. وترى د. أن مثل هذا التصور يشوه القيم الأساسية التى يجب أن تغرس فى نفوس الأبناء منذ الصغر، إذ إنه يحوّل مفهوم الجهد والتعب إلى مجرد وسيلة للحصول على نتيجة مرغوبة دون الاستثمار الحقيقى فى العملية التعليمية. وتشير د. سعاد إلى أن النصوص الشرعية الواردة فى القرآن والسنة تمدنا بإرشادات صريحة تحث على الصدق والأمانة، وهو ما يجب أن يكون مرجعية لكل فرد فى المجتمع، إلا أن مجرد وجود هذه النصوص لا يكفى لمواجهة ومحو هذه الظاهرة المستشرية. فهى ترى ضرورة التواؤم بين التعليم الدينى والتربية الأسرية والإعلام المكثف لنقل الرسائل التوعوية التى تؤكد على أهمية مبدأ الثواب والعقاب، وهذا يعنى ضرورة توقيع عقوبات صارمة على كل من يرتكب جريمة الغش منذ أيام المدرسة المبكرة.. فهذه العقوبات لا تعمل فقط كوسيلة ردع، بل تستهدف أيضاً تشكيل سلوك متزن لدى الأطفال يحول دون تقبلهم للفكرة منذ نعومة أظفارهم. وتؤكد أن المسؤولية فى مواجهة هذه الآفة لا تقع على جهة واحدة فقط؛ إذ تمتد المسؤولية الكاملة إلى الأسرة التى تعد المصدر الأول للتربية والقيم الأخلاقية، والإعلام الذى يمتلك القدرة على تشكيل الوعى الجماعي، إضافة إلى المؤسسات الدينية التى لها دور حاسم فى توعية الطلاب بأهمية التصرف الإيجابى والابتعاد عن أساليب الغش التى تُفسد البيئة التعليمية وتضعف الأسس الأخلاقية للمجتمع. وفى هذا السياق، تشير الدكتورة إلى أن الإعلام والمؤسسات الدينية يجب أن يعملوا سوياً لإيصال رسائل واضحة وموجهة للأطفال واليافعين حول مخاطر الغش، مؤكدين أن الجهود التوعوية منذ الصغر تشكل حجر الزاوية فى بناء مجتمع قوى أخلاقياً ومتماسكاً على أسس النزاهة والمنطق العلمى السليم. مشيرة إلى أن تأثيرات هذه الظاهرة لا تقتصر على الضرر الأكاديمى فحسب، بل تمتد لتؤثر على شخصية الفرد ومعتقداته وقيمه الداخلية. فإذا كان الأهل يشجعون الأبناء على اللجوء إلى الغش دون وعى أو نقد، فإن هؤلاء الطلاب لا يدركون حجم الخطأ الذى يقع فيه، ولا يشعرون بثقل المسؤولية التى تتحملها الشخصيات المتزورة التى تفتقر إلى وصايا الأمانة والصدق. فالعواقب النفسية لهذا السلوك قد تتحول مع مرور الزمن إلى حالة من اللامبالاة تجاه القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية. وفى ختام حديثها، وجهت د. سعاد نصيحة حادة وملهمة للطلاب وكل من يشعر بالخوف من الفشل ويميل إلى ممارسة الغش كوسيلة للتغلب على هذا الخوف. إذ شددت على ضرورة أن يتخذ كل إنسان حصيلة جهده على محمل الجد، وأن يعيد النظر فى قيمة الالتزام الشخصى والتنظيم الذاتي، داعيةً الجميع إلى مراعاة الرقابة الذاتية والاعتقاد الراسخ بأن الله يُراقب الإنسان فى كل لحظة. هذا الاعتقاد وليس الشعور بالخوف من العقاب هو ما يُمكّن الفرد من السير على طريق الصدق والاجتهاد، ما يجعله يتبنّى قيمة الحرفية فى أداء مهامه دون اللجوء إلى أى نوع من الانحرافات الأخلاقية. باختصار، تؤكد د. سعاد صالح أن التصدى لظاهرة الغش يتطلب جهداً جماعياً من الأسرة والإعلام والمؤسسات الدينية لتفعيل آليات الثواب والعقاب وتعزيز ثقافة الأمانة والصدق، إذ لا يمكن لأى مجتمع أن يرتقى أو يحقق النهضة الحقيقية إن كان أساسه الخلل الأخلاقى والتربوي. وبالتالي، فإن غرس قيم الاجتهاد والتزام النصوص الشرعية منذ الصغر هو السبيل الوحيد لبناء جيل واعٍ يتمتع بمستقبل زاهر قائمة على المبادئ الأخلاقية الراسخة.