«ما هذه المبالغة؟».. « وماذا كنتم ستفعلون لو كانوا يهربون الذهب؟» .. «تعالوا عندنا واحصلوا على ما شئتم من النمل».. هذه بعض التعليقات العربية على الخبر الذى تصدر نشرات الأخبار فى وكالات الأنباء الأسبوع الماضي، والذى يتحدث عن اعتقال شابين بلجيكيين فى كينيا، متلبسين بمحاولة تهريب كمية هائلة من النمل النادر. وجاء فى الخبر، أن الشرطة الكينية اعتقلت الشابين من محل إقامتهما، حيث عثرت بحوزتهما على 5 آلاف نملة معبأة فى 2244 أنبوب اختبار مليئة بالقطن ومعدلة خصيصاً للحفاظ على حياة النمل لمدة شهرين، ومجهزة لتفادى اكتشافها من قبل أجهزة المطارات. لا أخفيكم سراً، ورغم عملى فى الصحافة العلمية لفترة ليست بالقصيرة، أنى شعرت لوهلة أن السلطات الكينية ربما أعطت الموضوع أكبر من حجمه، لاسيما عندما وصفت هيئة الحياة البرية الكينية، عملية الضبط، بأنها «تاريخية». لم أتردد فى أن أرسل بانطباعى هذا إلى عالمنا المصرى الكبير المتخصص فى النمل الدكتور مصطفى شرف، أستاذ علم الحشرات، والأستاذ الزائر بالمتحف القومى ليفربول بالمملكة المتحدة، فوجدته سعيداً جداً بالإجراءات المشددة التى اتخذتها السلطات الكينية، بل إنه قال لي: «تهريب هذا النمل أخطر من تهريب الذهب والمخدرات، فهو لعب بالنار». شعرت لوهلة بأن تعليقه ربما ينبع من حماسه المفرط لتخصصه، فأردت أن يعطينى مزيداً من التفاصيل التى تفسر تعليقه هذا، ففوجئت به وبعد ساعات يرسل لى شرحاً مفصلاً، ملخصه أن هذا النمل المضبوط، من نوع يسمى «نمل الحصاد الإفريقى»، وهو أحد أهم أنواع النمل فى غابات إفريقيا، حيث يقتات على بذور النباتات، كما يساهم فى رسم خرائط توزيع النباتات فى المناطق التى يعيش فيها، وبهذا فهو عنصر أصيل فى النظام البيئى الإفريقي. وتابع أن» تهريب هذا النمل المتوطن خارج الحدود المحلية يساعد على ظهور الأنواع الغازية التى تهدد الأنواع المتوطنة والمحلية على حد سواء، وذلك بمشاركتها الموائل ومصادر الغذاء، حيث إن النمل وحده يضم أكثر من 500 نوع من الأنواع الغازية». بهذا التعليق، أيقنت أنه حتى أصغر المخلوقات وهى النمل، لها قيمة فى ضبط إيقاع النظام البيئي، وهو ما يجعلنى أرد على التعليقات الساخرة « ربما يكون تهريب النمل بالفعل أخطر من الذهب».