الاحتفاء بالكاتب محمد سلماوى على مستوى واسع، ومن أكثر من مؤسسة ثقافية بمناسبة عيد ميلاده الثمانين أمر أسعدنى. فهو فى رأيى الكاتب الشامل. عمل بالصحافة ليحفر لاسمه مكانا مميزا، صعد فى بلاط صاحبة الجلالة بموهبته وإخلاصه وقدراته العالية حتى وصل إلى منصب رئيس تحرير جريدة «الأهرام إبدو» التى تصدر عن مؤسسة الأهرام باللغة الفرنسية. لمع كذلك ككاتب مسرح، وروائى، كذلك كانت له أدوار مهمة فى العمل الثقافى العام، فتولى منصب وكيل وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية، وانتخب رئيسا لاتحاد الكتاب المصريين، واتحاد الكتاب العرب. ويتمتع حتى الآن بمكانة رفيعة فى الأوساط الثقافية المصرية والعربية والعالمية. من أهم اللقطات المعبرة عن قيمة محمد سلماوى وقوفه فى قاعة الأكاديمية السويدية لمنح جوائز نوبل عام 1988 ليتسلم جائزة نوبل فى الأدب نيابة عن أديبنا العالمى نجيب محفوظ. طلب منه محفوظ ذلك، وأصر على أن يكون سلماوى هو من يسافر إلى هذا المحفل العالمى الأكبر فى العالم ليمثله. قرأ سلماوى الخطاب الذى كتبه محفوظ بنفسه أمام ملك السويد ونخبة من المثقفين فى العالم فى مشهد مهيب. هذا الموقف أثار غيرة وغضب الكثيرين ممن كانوا مقربين من محفوظ، وكانوا يتوقعون أن يكونوا هم المرشحين من قبله للقيام بهذا الدور المهم. لكن أديبنا الكبير كان يثق فى قدرة سلماوى على تمثيله بصورة مشرفة، ويدرك أن ثقافته الرفيعة وإتقانه لعدة لغات، وثقله ككاتب منفتح على الثقافات الأخرى يؤهله لهذا الشرف الكبير. فى رأيى الشخصى أن محمد سلماوى يعتبر نموذجا استثنائيا للكاتب الذى تميز فى أكثر من نوع من أنواع الكتابة، كما كان دائما صاحب موقف، وتاريخه يشهد بذلك، أما على المستوى الإنسانى فقد كان دائما ولايزال مثالا للاحترام والعطاء. شجع الكثيرين من شباب الصحفيين الذين تتلمذوا على يديه، وشرف مصر فى كل المحافل الدولية التى مثلها فيها، وحصد أهم جائزة فى حياته وهى محبة كل من عرفه أو عمل معه. رأيت تلك الحفاوة والمحبة الخالصة وأنا أشارك فى الاحتفال الذى أقامه المجلس الأعلى للثقافة لتكريم الكاتب القدير، حرص أطياف مختلفة من كبار الكتاب والمثقفين على حضور الاحتفال. قدم الكثيرون دراسات عن أثره ككاتب وروائى ومسئول ثقافى كبير، لكن أجمل ما قيل فى ذلك اليوم كان مقاله الأدبى البديع «حديث مع نفسى.. ارتداء الجورب فى الثمانين».