ما أصعب أن يحرم فلذة كبدك مما لذ وطاب من أطعمة.. ما أقسى أن تجلس على مائدة خالية من أطفالك لأنهم يأكلون أطعمة أخرى خاصة بأجسادهم العليلة.. إنه العذاب حقا عندما يمنع أحد أبنائك من قطعة لحوم أو دواجن وإلا فالموت وتدمير المخ يكون من نصيبه.. تخيل عزيزى القارئ أن هناك أناسا وأطفالا محرومين من تناول البروتين بكافة أنواعه.. كل ذنبهم الذى اقترفوه فى حياتهم أنهم مصابون بمرض يعرف بالفينيل كيتونوريا.. هذا المرض الذى يصيب الأطفال حديثى الولادة يجعلهم يأكلون أطعمة خاصة جدا، مصنعة من مواد لا تحتوى على بروتين.. ما هذا المرض؟ ولماذا يمنع أصحابه من تناول البروتينات؟ وما هو البديل؟.. أسئلة كثيرة نعرفها من خلال السطور القادمة على لسان أمهات هؤلاء الأطفال المصابين بهذا المرض اللعين. رهف طفلة رقيقة تشبه اسمها، منذ ولادتها وهى تخطف قلب كل من يراها، كانت ملامحها جميلة ومميزة، شعر أسود كليل اشتدت ظلمته، وعيون سوداء لامعة لا يفرقها شىء عن القمر فى يوم اكتماله، وبشرة خمرية جذابة تجسد فيها جمال الشرق بأكمله، تعلقت بها والدتها تعلقا شديدا، خاصة أنها كانت مغتربة خارج الوطن مع زوجها، ومرت اللحظات والسنون. لكن رهف لم تكبر ولم تتحدث ولم تستجب، بدأت ملامح رهف تتغير، اصفر شعرها الأسود واصفر لونها الخمرى وانطفأ بريق عينيها، كانت الأم تشعر أن شيئا ما يحدث فى جسد طفلتها يجعلها تذبل يوما عن الآخر ولكن الأطباء كانوا يخبرونها انها على ما يرام وتحتاج فقط بعض المقويات، قررت الأم الفرار بطفلتها إلى مصر، حيث استسلم جسد الطفلة بالكامل وذات يوم فى احدى طرقات مستشفى الدمرداش أوقفتنى طبيبة صغيرة السن حملت ابنتى عن يدى وسألتنى عن حالها، أخبرتها بكل ما حدث ظلت الطبيبة تستمع لى وهى تتأمل لون رهف شديد الاصفرار، ، ثم سألتنى، «عندكم حد أشقر فى العيلة»؟ أجبتها: لا، وقالت لى «ابنتك مصابة ب «فنييل كيتونوريا». كانت هى اللحظة الأولى التى أسمع فيها بهذا المرض، سألتها إلى أين أذهب الآن؟ أخبرتنى أننى سأبدأ رحلة جديدة مع مراكز طب الوراثة لتلقى نهج جديد للعلاج، وبالفعل فور عمل تحاليل الوراثة تم تشخيص ابنتى بالفينيل كيتونوريا، ورغم أن رهف كانت تبدو قد انتهت، إلا أن الأطباء هدؤوا روعى وأخبرونى انها مازالت صغيرة السن وسوف يحدث تحسن لحالتها مع الوقت، وبالفعل بعد تلقى العلاج بدأت رهف تسجيب، وبعد اتباع الحمية المناسبة لها أيضا، صارت رهف تتحرك، اسود شعرها الأصفر ثانية وعاد جزء من بريق عينيها الجميلتين، اشتدت سواعدها وقويت عظامها، رهف الآن بلغت من العمر 16 عاما، ولكن اثر المرض على بعض خلايا المخ ولكننا أنقذنا ما تبقى. اقرأ أيضًا | وزير الصحة الكويتي: أجرينا 40 عملية ناجحة لزراعة خلايا جذعية لأطفال زواج الأقارب ساندى جوزيف أم لطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف مصاب بفينيل كيتونوريا منذ ولادته قائلة «كان حظى مع المرض أفضل من كثيرين، حيث إننى بحكم قرابتى أنا وزوجى فكان احتمال الإصابة بمرض وراثى كبيرا، ولذلك حاولت إجراء بعض الفحوصات منذ البداية ولكنها لم تبين شيئا، وفور ولادتى كانت وزارة الصحة المصرية قد اعتمدت تحليل الفينيل كيتونوريا من عينة الكعب، وأصابنى الهلع حين تبين إصابة طفلى بهذا المرض، ولك بدأت رحلة العلاج مبكرا، واتبعت الحمية الخاصة بالمرض وكانت وزارة الصحة قد اعتمدت حصة الألبان المخصصة للأطفال المصابين، مما وقى ابنى من التدهور، كما ساد الوعى بين الأمهات وأنشئت العديد من الصفحات التى يتم فيها بيع وتداول وصفات الأكل الخاصة بحمية الأطفال المصابين، فقد كان هناك أطفال يتوفون بسبب هذا المرض ولا يتم تشخيصه، ولكننا نعانى أنا وأمهات الأطفال من نقص اللبن المخصص لهم منذ شهور بعد أن كان متوفرا، حيث إن هذا اللبن بالنسبة لأطفال الفينيل كيتونوريا هو الحياة. أم مقاتلة مأساة عاشتها أم مقاتلة لثلاثة أطفال مصابين بالفينيل كيتونوريا، منذ قدوم مولودها الأول حيث لاحظت عدم انتباه طفلتها بالقدر المناسب لأقرانها كما لاحظت أيضًا ارتخاء عظامها، ومن هنا بدأت رحلة المعاناة مع الفينيل كيتونوريا، توجهت الأم لأحد الأطباء الذى أكد لها سلامة الطفلة ولكن قد ينقصها بعض الغذاء، وبالتالى نصح الطبيب الأم بالاهتمام بحصة الطفلة من البروتين الذى يزيد من كفاءة المخ وصلابة العظام، ونفذت الأم المسكينة نصائح الطبيب، فوجئت الأم أن حالة الطفلة تزاداد سوءا، لا حركة ولا كلام ولا أيا من التفاعل، بالإضافة إلى تشنجات عصبية متكررة، ومن طبيب إلى آخر تم تشخيص الطفلة بضمور فى المخ، حيث تقول أم نهى « لقد عشت مع ابنتى الاولى لحظات من الألم لا يمكننى وصفها، وبعد أن أكملت طفلتى 4 سنوات توجهت بالصدفة لأحد مراكز طب الوراثة وحينها اكتشف أن ابنتى مصابة بالفينيل كيتونوريا وكان من الممكن إنقاذها لولا تشخيصها الخاطئ، أدركت حينها أن كل قطعة بروتين أعطيتها لطفلتى بيدى ساهمت فى تدميرها، ، وبعد فترة قررت أن أحمل مرة أخرى، ولدت ابنى أحمد ومنذ ولادته وأنا اتابع حالته مع اطباء الوراثة، وتم تشخيصه كمصاب بالفينيل كيتونوريا وعمره شهر ونصف، وحينها بدأت حميته ومنعت الرضاعة الطبيعية، واعتمدت على اللبن المخصص لحالته، وبعد شهور بإشراف الأطباء بدأ يتناول الطعام المناسب لحالته ولكن منذ ثلاثين عاما لم تكن الدراسات مكتملة كما هى الآن ولم يكن الاهتمام بالغذاء كما هو حاليا، فكنت أقوم ببعض الأخطاء مثل إدخال الخبز والفول وبعض البقوليات وبالطبع هى أيضًا ممنوعات لاحتوائها على نسبة عالية من البروتين وبالتالى تأثر أحمد أيضًا بهذا الأمر فهو طفل طبيعى يتكلم ويتحرك وكل حواسه سليمة، ولكن استيعابه لم يكن جيدا للحد الطبيعى. وبعد سنوات طويلة قررت الإنجاب مرة ثالثة أنجبت طفلتى الثالثة وشخصت أيضًا بالفينيل كيتونوريا، وبالفعل تلقت ابنتى رحمة علاجها منذ أيامها الأولى فى الحياة، واصبحت طفلة استثنائية لبقة ومتحدثة ودائما من اوائل الطلبة. ضعف الانتباه هبة بركات آم عمر الذى عانا منذ ولادته لم يتحرك مثل غيره من الأطفال أو الجلوس كما أن انتباهه ضعيف للغاية، 3 سنوات على هذه الحال عاشها عمر ويتم علاجه على أساس أنه مصاب بضمور فى المخ إلى أن جاءت الصدفة البحتة عبر طيبب مخ وأعصاب أطفال حيث طلب تحاليل أحماض أمينية. وتبين أن عمر مصاب بمرض افينيل كيتونوريا، هذا المرض يمنع صاحبه من تناول أى نوع من أنواع البروتين، وأكدت والدته أنه يأكل أرزا وخضارا بنسب معينة وكذلك الفاكهة كما أن الطعام الأساسى يعتمد على اللبن الذى توفره وزارة الصحة لمرضى الفينيل كيتونوريا وهو لبن خال من مادة الفينيل٫عمر الآن يبلغ من العمر 27 عاما وهو بطل من ابطال السباحة الأوليمبية هبة حامد.. أم مصرية أخرى لديها ولد وبنت مصابان بهذا المرض. معتز يبلغ من العمر 15 عاما وشقيقته ريتاج تبلغ 9 سنوات. اكتشفت الام إصابة ابنتها الصغرى بهذا المرض، بعد تعرضها لحادث سيارة تسبب فى كسر إحدى قدميها وتأخرت فى المشى وتحول لون شعرها من الأسود إلى الأصفر كما أنها لديها فرط حركة غير طبيعى قائلة: تبين أن ريتاج تعانى من خلل فى التمثيل الغذائى، وهنا ذهبت بها إلى مستشفى الدمرداش حيث طلب الأطباء هناك إجراء تحليل لشقيقها معتز أيضًا لأكتشف إصابته هو الآخر بهذا المرض لأنه مرض وراثى٫معتز الآن لديه تأخر فى الاستيعاب وقصور ذهنى بسبب اكتشاف مرضه متأخرا أما ريتاج فحالتها الصحية أفضل قليلا لاكتشاف المرض مبكرا. تصنيع الألبان تقول د منى عبد الرازق أستاذ الوراثة بالمركز القومى للبحوث «إن مرض الفينيل كيتونوريا هو ارتفاع حمض الفينيل الالانين فى الدم وهو أحد الأمراض الوراثية المدرجة تحت أمراض التمثيل الغذائى، يصيب هذا المرض الأطفال حديثى الولادة ويصاحبهم طوال حياتهم، ويصاب الطفل بالفينيل كيتونوريا حين يكون الأب والأم حاملين لهذه الطفرة وهى عبارة عن نقص لإنزيم معين هذا الإنزيم هو المسئول فى الجسم عن تحليل حمض الفينيل الالانين وعند نقصه يتحول هذا الحمض لمواد سامة تخترق غشاء المخ وتسبب تلفا لخلاياه كلما ارتفعت نسبة الحمض. وتشير أستاذ الوارثة إلى أن خطورة هذا المرض منذ ظهوره تكمن فى كونه مرضا وراثيا ونحن نعانى ارتفاع نسبة زواج الأقارب، وتؤكد أن إدراج الفينيل كيتونوريا فى المسحة الشاملة لحديثى الولادة كانت هى الخطوة الأفضل للحد من خطورة هذا المرض، حيث عانينا سنوات قبلها من حيث تأخر اكتشاف المرض وبالتالى تأخر الحالات وكذلك من عدم توافر اللبن المخصص للحمية التى تناسب المصابين به، وهذه هى الخطوة الثانية التى قدمتها الدولة لمصابى الفينيل كيتونوريا وهى توفير حصص الألبان اللازمة للمصابين فى وزارة الصحة رغم صعوبة الحصول عليها وأن هناك ما يقارب 19 مرضا مشابها للفينيل كيتونوريا من الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب. تأخر عقلى تؤكد د.ناهد عبد الخالق استشارى الأمراض الوراثية والتمثيل الغذائى أن مرض الفينيل كيتونوريا أو ما يعرف بمرض pku مرض تمثيل غذائى لا يسمح للشخص المصاب بتناول الأطعمة بشكل طبيعى بسبب نقص إنزيم الفينيل. وتشير د.ناهد أن إحدى علامات هذا المرض هو التخلف العقلى لذلك يمنع أصحاب هذا المرض من تناول البروتين لأن البروتين به 20 حمضا أمينيا بها 19 حمضا مسموحا لأصحاب هذا المرض بتناولها فى حين به مادة واحدة وهى الفينيل لا يسمح بتناولها لأنها تدمر خلايا المخ لاصحاب هذا المرض. وتضيف أن هذا المرض تم اكتشافه بعد عام 2015 وفى حال ظهور أى من علامات المرض يقوم صاحبه بعمل تحاليل فى وزارة الصحة تكلفتها 355 جنيها فى حين أنها تتكلف خارجيا 7 آلاف جنيه. موضحة أن مكتشفى المرض قبل هذا التاريخ يعانون من تأخر عقلى بأشكال مختلفة،