انتفت جميع المُبررات التي تجعل من تحويل منطقة تم تحديدها بواسطة المؤسسة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات على الجوعى الأبرياء فى قطاع غزة إلى حمام دماء بعد أن جرى سحب الأبرياء إلى مصيدة جرى نصبها لاغتيالهم على وقع هدنة معقدة تراوح مكانها، وهو ما يشير إلى أن التخدير السياسي والعسكرى بحثا عن وقف القتال ولو لفترة مؤقتة فى غزة يمضى على قدم وساق؛ بحثا عن منافذ يمكن أن تقود لتحقيق خطط من المستحيل تنفيذها بشأن تهجير أهالي القطاع. ◄ الاحتلال يفرض سيطرته على 77% من غزة ◄ وقف استهداف المدنيين وإدخال المساعدات وسائل مقايضة للإفراج عن الرهائن ◄ توظيف المساعدات لخلق واقع أمني وعسكرى جديد خلال الأسبوعين الماضيين كان المشهد في غزة عبارة عن آلاف يبحثون عن الطحين ويعرضون أجسادهم لأجواء مكشوفة يتم خلالها استهدافهم بدم بارد مع تلميحات أمريكية مستمرة بقرب التوصل إلى هدنة قد تستمر إلى شهرين تتضمن الإفراج عن الأسرى دون أن تضمن انسحابا إسرائيليا من القطاع، ما يشير إلى الانتقال إلى نقطة أخرى تضع مسألة وقف استهداف المدنيين وإدخال المساعدات إليهم كوسيلة مقاضية للإفراج عن الرهائن بدلاً من طرح مسألة الانسحاب من القطاع أو ضمان الوقف الشامل للحرب، وهو ما ينقل الصراع إلى مراحل أخرى أكثر خطورة يمضى فيها الاحتلال بدعم أمريكى فى أن تصبح الحرب مفتوحة دون أمد قريب لنهايتها. وتُبرهن تطورات الأحداث الأخيرة على أن الولاياتالمتحدة أضحت أكثر رضوخا لرغبة اليمين المتطرف فى إسرائيل نحو تحقيق أهدافه الخفية فى القطاع، وأن الوصول إلى هدنة لا يعنى أن الأوضاع ستتجه إلى الهدوء فى المنطقة لأن هناك ملفات أخرى تبقى مفتوحة على احتمالات عديدة تدعم الاستمرار فى السيطرة الإسرائيلية الكاملة على القطاع، وقطع الطريق أمام المساعى الدولية لإيجاد حل سياسى للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وأن الزج الإسرائيلى بمسألة استهداف إيران فى إطار ما تسميه دفاعا عن النفس يدعم استمرار حرب غزة. ■ فوضى أثناء توزيع المساعدات غزة ◄ مجزرة جديدة خلال الفترة الماضية تعددت وقائع قيام القوات الإسرائيلية بشن ضربات على مواقع قرب نقطة لتوزيع المساعدات تديرها مؤسسة مدعومة من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا والمصابين فى رفح بجنوب قطاع غزة، فيما جرى تسليط الضوء على تكرار «مشاهد الفوضى» وإطلاق النار فى مواقع توزيع المساعدات بالقطاع، وارتكب الاحتلال الإسرائيلى مطلع هذا الأسبوع «مجزرة وحشية» باستهدافه آلاف المواطنين الذين توجّهوا إلى أحد مراكز توزيع المساعدات، غربى مدينة رفح، وفق الآلية الإسرائيلية، ما أودى بحياة 35 فلسطينياً وإصابة أكثر من 150 آخرين. بحسب السلطة المحلية فى غزة: «لقد توجّه الآلاف من المواطنين النازحين تحت وطأة حرب إبادة وتجويع غير مسبوقة، إلى منطقة استلام المساعدات، استجابة لإعلان ودعوة صادرة عن جيش الاحتلال، قبل أن يفتح النار عليهم بوحشية، فى تأكيد صارخ على النية المبيّتة لارتكاب هذه الجريمة»، وحمّلت حركة حماس إسرائيل والإدارة الأمريكية، المسئولية الكاملة عن «المجازر المرتكبة فى مواقع تنفيذ آلية توزيع المساعدات، وعن استخدام سياسة التجويع كسلاح حرب». وقال مكتب الأممالمتحدة للشئون الإنسانية إن الناس -نصفهم أطفال- يواجهون فى غزة أزمة بقاء، من جهته قال وزير الدفاع البريطانى جون هيلى إن استهداف فلسطينيين قرب مركز توزيع مساعدات لا يطاق، وبحسب المكتب الأممي، فإن أكثر من 632 ألف شخص أجبروا على النزوح مرة أخرى منذ 18 مارس الماضي. ونشطت منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا مؤخرا لكشف زيف الاحتلال الإسرائيلي وأشارت إلى أن ما تم إدخاله يعد «إبرة فى كومة قش» من إجمالى احتياجات المواطنين فى ظل اتجاه الاحتلال لإنهاء دورها بشكل فعلى فى القطاع، مع الاعتماد على المؤسسة الأمريكية التى تتولى عملية توصيل المساعدات من مناطق يحتلها الجيش الإسرائيلى فى وسط وجنوب القطاع، مع القطع الكامل لوصول المساعدات إلى الشمال ما يهدف لاستمرار مخطط تهجير الفلسطينيين إلى المناطق الجنوبية وتضييق الخناق على أهالى القطاع. وأفادت وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»،بأن قطاع غزة يحتاج 500 إلى 600 شاحنة مساعدات كل يوم، وقالت فى منشور على صفحتها بموقع «فيسبوك»، إن إدخال المساعدات بشكل هادف وغير منقطع إلى غزة هو السبيل الوحيد لمنع الكارثة الحالية من التصاعد أكثر، وأن فلسطينيى غزة لا يستطيعون الانتظار أكثر من ذلك، وقال المكتب الإعلامى الحكومي في قطاع غزة، ، إن قوات الاحتلال الإسرائيلى باتت تفرض سيطرتها الفعلية على 77% من مساحة قطاع غزة، من خلال عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقى والتهجير القسرى المستمرة منذ قرابة 20 شهرًا. ■ المساعدات قرب معبر رفح ◄ اقرأ أيضًا | مقرر أممي: منع إسرائيل لدخول مساعدات لغزة «حملة تجويع واختراق وانتهاك» للقانون الدولي ◄ توزيع الضغط وقال المحلل السياسى الفلسطيني، عماد عمر، إن إسرائيل لم تدخل المساعدات فى ظل المجاعة الحالية بعد أن أغلقت جميع المعابر واستخدمت تجويع المدنيين كسلاح للضغط عليهم من أجل التهجير إلا مع ضغوطات المجتمع الدولى وأوروبا والولاياتالمتحدة وبعض الدول العربية، وبالتالى فإن هذه المساعدات لا تكفى حاجة المواطنين وهى ذر للرماد فى العيون لإقناع المجتمع الدولى أنها ضغطت لمطالبه، فى حين أن القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة يوميا، وأوضح أن إسرائيل تستغل المساعدات وآلية توزيعها للضغط على الفلسطينيين وهى تراهن على أن المؤسسة الأمريكية ستقوم بدور يتماشى مع خطتها لإدارة حرب غزة، وأن المؤسسة الأمريكية التى تحمل دورا مشبوها يخدم الاحتلال من خلال نقاط التوزيع الأربعة فى رفح ومحور نتساريم بالوسط وفى شرق مدينة خان يونس وبعض مناطق الوسط هى بمثابة توظيف للمساعدات من أجل خلق واقع أمنى وعسكرى جديد. ولفت إلى أن السماح بدخول المساعدات بالقطعة يهدف للضغط على المقاومة لإبرام صفقة أسرى وفق مقترح المبعوث الأمريكى ويتكوف، والذى قبله الاحتلال وتحفظت عليه حركة حماس بسبب مطالبها بمزيد من الضمانات، مشيرا إلى أن مطالبات الولاياتالمتحدة بتأجيل العملية العسكرية الحالية فى قطاع غزة وإفساح المجال لمفاوضات الوصول إلى تهدئة قد تأتى بنتائج إيجابية، خاصة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب هى الوحيدة القادرة على الضغط على الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نيتاهو، وشدد على أن إسرائيل رغم عدم إعلانها البدء فى توسيع عملياتها العسكرية على الأرض إلا أنها تمارس عملية قتل المواطنين واحتلال مناطق جديدة بالقطاع ببطء وتتقدم شيئا فشيئا وتسيطر على المناطق التى تتواجد فيها فى شرق خان يونس ورفح والوسط والشمال وهى تسيطر على مساحة تتجاوز 70% من إجمالى مساحة القطاع، وقد ترضخ للضغوط الأمريكية أو تستكمل عمليتها العسكرية لإجبار المواطنين على التهجير وإخلاء القطاع وفقا لخطة إسرائيل الكبرى. ◄ سياسات مُمنهجة قال عمرو حسين الباحث فى العلاقات الدولية إن إسرائيل تواصل منذ اندلاع الحرب فى أكتوبر 2023 فرض حصار خانق على قطاع غزة، متبعةً سياسات ممنهجة لمنع دخول المساعدات الإنسانية الأساسية من غذاء ودواء ووقود. وقد وثقت منظمات دولية، منها الأممالمتحدة ومنظمة الصحة العالمية، أن إسرائيل تستخدم سلاح التجويع بشكل متعمد ضد السكان المدنيين، فى انتهاك صارخ للقانون الدولى الإنسانى واتفاقيات جنيف، مُضيفًا أن استمرار الحصار رغم الدعوات الدولية المتكررة لفتح المعابر وضمان تدفق الإمدادات الإنسانية، تستمر إسرائيل فى فرض قيود مشددة على دخول الشاحنات، وتفرض رقابة صارمة على ما يُسمح بمروره. وقد شهدت المعابر مثل رفح وكرم أبو سالم تكرارًا لعمليات الإغلاق أو البطء الشديد فى التفتيش والتفريغ، ما أدى إلى تلف الكثير من المواد الغذائية قبل وصولها للمدنيين. ◄ مجاعة حقيقية واستطرد حسين، أن التقارير من مؤسسات حقوقية إلى أن نسبة انعدام الأمن الغذائى فى غزة تجاوزت 80%، وأن هناك خطرًا حقيقيًا بالمجاعة، لا سيما فى شمال القطاع حيث تراجعت الإمدادات بشكل شبه كامل. كما تم استهداف مراكز توزيع الغذاء ومخازن المساعدات فى غارات مباشرة، ما يُعزز الاتهامات باستخدام الجوع كسلاح حرب. وأشار إلى أن استمرار هذا الوضع لا يمثل فقط كارثة إنسانية، بل يهدد الاستقرار الإقليمي، ويُبرز الحاجة المُلِحة لمحاسبة دولية لإسرائيل، وتدخل عاجل لفرض ممرات آمنة ومستقرة لتوصيل المساعدات وضمان حماية المدنيين من التجويع الجماعى المُمنهج.