رحيل سيدة المسرح العربى ليس خبرًا عابرًا فى برقيات النعى، وليس مجرد فقدان لنجمة سطعت على خشبة المسرح لسبعة عقود من الإبداع المتواصل، إنها لحظة تنطفئ فيها الأضواء احترامًا، وينحنى الجمهور تقديرًا، وينزوى ستار المسرح حزنًا، ويخيم الصمت إجلالًا، بينما يبقى إرثها الخالد يشع نورًا فى كل زاوية من خشبات المسارح، وشاشات السينما والتليفزيون، وفى قلوب محبيها الذين لم ولن ينسوا سميحة أيوب، إحدى ركائز المسرح الراسخة، وملكة الأداء والفن الرفيع. إنه انطفاء لمصدر متدفق من الإبداع، وصوت ظل يهدر بالحياة حتى آخر لحظة، ومبدعة متفردة أدركت منذ انطلاقتها، أن المسرح ليس مجرد خشبة تتألق تحت الأضواء الكاشفة، بل عالم قائم بذاته، تتشكل فيه الأحلام، وتُحفر شخصياته فى الوجدان الجماهيري، فحلّقت بأدائها المتفرد، وعرفت كيف تُحوّل النص المكتوب إلى تجربة حيّة، تسكن أعماق الجمهور، تاركة أثرًا لا يُمحى، فلم يكن حضورها مجرد أداء، بل كان خلقًا جديدًا لكل شخصية تجسدها، فاستطاعت أن تعيد تعريف مفهوم الأداء المسرحى، وتخلق لغة خاصة بها، لا يضاهيها فيها أى فنان سواها، وتميّزت بأداء فريد يجمع بين الانفعالات العميقة والسيطرة الكاملة على خشبة المسرح، فتحولت إلى أيقونة لا يختلف عليها أحد، وكرّست حضورها كممثلة لا تضارع، وأقامت قصرًا إبداعيًا من الذهب الخالص، لتجلس فيه على عرشها دون منازع. امتدت علاقتى بها عبر سنوات، وظلت تنبض بالدفء رغم مشاغل الحياة وتقلباتها. كانت تجمعنا رحلة سنوية إلى مهرجان «كان» السينمائي، مع زوجها الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، وكان حضورها يمنح الرحلة وهجًا ودفئًا إنسانيًا، فلم تكن فنانة عظيمة فحسب، بل كانت إنسانة تحمل قلبًا مفعمًا بالحب والحنان، وروحًا متقدة بالعطاء، وعقلاً يحمل رؤى وأفكارًا تتجاوز حدود الزمن والمكان، ورغم تباعد اللقاءات، بقيت محبتها فى قلبى تنمو وتزدهر، ليس فقط كفنانة قديرة، بل كإنسانة عاشت حياتها بصدق وإخلاص للفن والحياة، رحيلها اليوم لا يعنى غيابها عن القلب أو الذاكرة، بل يعزز مكانتها وحضورها كرمز خالد، وإنسانة استثنائية يصعب أن يجود الزمن بمثلها. وداعًا أيتها المبدعة القديرة، ستظل أصداء صوتك تتردد فى خشبة المسرح، وستبقى ذكراك حاضرة تُلهم وتُضيء، كما كنتِ دائمًا.. سميحة أيوب ملكة المسرح، وأيقونة مصر الثقافية، ترحل جسدًا، لكن من قال إن الملوك يموتون.. فى المسرح لا يُدفن الكبار، بل يُخلَّدون.