يحل عيد الأضحى المبارك هذا العام على قطاع غزة للمرة الرابعة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وسط أوضاع مأساوية تحرم أكثر من مليوني فلسطيني من أبسط مقومات الاحتفال بهذا العيد المقدس، فبدلاً من الأضاحي واللحوم والملابس الجديدة، يكافح سكان القطاع المحاصر من أجل الحصول على كسرة خبز والبقاء على قيد الحياة وسط الدمار الشامل. غياب الأضاحي والأسعار الفلكية تكشف صحيفة وول ستريت جورنال والأسوشييتد برس أن اللحوم الطازجة لم تدخل قطاع غزة منذ ثلاثة أشهر، نتيجة الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول الإمدادات الغذائية. وقد أدت عمليات القصف المستمرة لجيش الاحتلال إلى نفوق معظم الماشية المحلية، حيث تؤكد الأممالمتحدة أن 96% من الماشية و99% من الدواجن قد نفقت. في مخيم المواصي الضخم جنوب القطاع، نُصب مكان مؤقت يضم بعض الأغنام والماعز الباقية إلى جانب بقرة وجمل، لكن الأسعار الفلكية تجعل شراءها مستحيلاً. يقول عبد الرحمن مهدي لوكالة الأسوشييتد برس: "لا أستطيع حتى شراء الخبز، لا لحوم ولا خضروات، الأسعار فلكية". وفي أسواق خان يونس، تعرض بعض الأكشاك ألعاب أغنام محشوة وملابس مستعملة، لكن معظم الناس يغادرون دون شراء شيء. الأطفال بين الأنقاض بدلاً من الاحتفال تصف هالة أبو نقيرة، التي تجوب الأسواق بحثاً عن الدقيق، الوضع المأساوي قائلة لوكالة الأسوشييتد برس: "من قبل كان هناك جو عيد والأطفال كانوا سعداء، الآن مع الحصار لا يوجد دقيق ولا ملابس ولا فرح"، بدلاً من ألعاب العيد التقليدية، يلعب الأطفال على أراجيح مصنوعة من حبال معقودة بين الأنقاض. راشا أبو سليمة، البالغة من العمر 38 عاماً، اضطرت للتسلل إلى منزلها المدمر في رفح لتجد بعض الممتلكات المتبقية. عادت ببعض الملابس ونظارات شمسية بلاستيكية وردية وأساور أعطتها لابنتيها كهدايا عيد، وتقول بحسرة: "لا أستطيع شراء الملابس أو أي شيء لهما، كنت أحضر اللحوم في العيد لكي يكونوا سعداء، لكن الآن لا نستطيع إحضار اللحوم، ولا أستطيع حتى إطعام البنات بالخبز". الدمار الشامل يقضي على مقومات الحياة تشير دراسة حديثة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بحسب وول ستريت جورنال، إلى أن أكثر من 95% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة قبل الحرب أصبحت غير صالحة للاستخدام. كما منع جيش الاحتلال جميع الإمدادات الغذائية من دخول غزة لأكثر من شهرين، وخفف الحصار قليلاً قبل أسبوعين فقط للسماح بدخول كمية محدودة من شاحنات المساعدات. تواجه الأممالمتحدة صعوبات في توصيل معظم المساعدات الواردة بسبب النهب والقيود العسكرية الإسرائيلية، بينما أُجبر تقريباً جميع سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص على النزوح من منازلهم، ومعظمهم اضطر للانتقال عدة مرات هرباً من العمليات العسكرية. معاناة تتكرر مع كل عيد تذكر التقارير أنه خلال عيد الفطر السابق، استشهد ما يقرب من 127 فلسطينياً، 75% منهم من النساء والأطفال، حيث استشهد الأطفال وهم يرتدون ملابس العيد الجديدة ويلعبون بالقرب من الخيام. وتشير كريمة نجيلي، النازحة من رفح، إلى أن سكان قطاع غزة احتفلوا بأربعة أعياد تحت ظروف الحرب قائلة: "خلال هذه الأعياد الأربعة، لم نر نحن الفلسطينيون أي نوع من الفرح، لا ذبح ولا كعك ولا شراء ملابس العيد أو أي شيء". قهر الآباء وأحلام الأطفال المكسورة يلخص حسام أبو عامر، الأب لأربعة أطفال والبالغ من العمر 37 عاماً، المعاناة الإنسانية بكلمات مؤثرة: "كنت أشتري لأطفالي ملابس وألعاب جديدة للعيد، كان أسعد وقت في السنة، الآن أمنيتهم الوحيدة هي قطعة خبز، ليس حلوى ولا ألعاب، فقط شيء يأكلونه". ويضيف بمرارة: "كنت رجلاً يعيل ويحمي، الآن أصبحت مجرد شخص يحكي قصصاً قبل النوم لإلهاء أطفاله عن صوت القنابل وشعور الجوع". وفي قلب مدينة غزة، تحولت الشوارع حول سوق الشيخ رضوان إلى مخيمات نزوح مؤقتة، حيث تتعفن القمامة في حرارة الصيف ويبكي الأطفال من الجوع. بينما يقول ماجد سماحة، وهو كهربائي سابق يعتمد الآن على وجبات الخير الشحيحة: "العين ترى واليد قصيرة، كنا نعيش على القليل، اليوم لا نملك حتى هذا القليل".