إن فصول محاولة الجماعة إياها القفز على حُكم البلاد يجب أن تُدوَّن، خاصة من الذين عاصروا تلك الأيام لا أريد الكتابة عن وضع الثقافة فى زمن الإخوان. أترك هذا للنقاد والباحثين والدارسين. لأن ما لدىَّ تجارب شخصية ورؤى وحكايات قد تنفع كجزء من عمل فنى. لكنها قد لا ترقى لمستوى الدراسة. لكنى سأكتب عن الطريقة التى اختاروا بها وزيراً للثقافة بعد قبول استقالة الدكتور محمد صابر عرب، الذى كان يقول إنه آخر وزير مدنى للثقافة المصرية. ومن سيأتى بعده إما أن يكون من الإخوان أو متأخون أو مستعد لتنفيذ أجندة الإخوان فى الثقافة المصرية. طبعاً لن أدخل فى سرداب المضايقات الإخوانية لصابر عرب عندما كان وزيرًا للثقافة. رغم أنى أعرفها كلها. لكن أترك له الكتابة عنها. فذلك حق أصيل من حقوقه. الوزير السابق تحدث عن أنه آخر وزير مدنى بمعنى غير إخوانى. قال هذا الكلام أكثر من مرة. على الرغم من أن عاصم شلبى رئيس اتحاد الناشرين المصريين والعرب، وهو كادر إخوانى كبير، لا أعرف إن كان عضوًا فى مكتب الإرشاد أم لا، لكنه شديد القرب من مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف، لدرجة أنه قاطعنى شهورًا لأننى وصفت مهدى عاكف وصفًا خارجًا بعد قولته الشهيرة: طظ فى مصر. علاوة على أن ابنة عاصم شلبى معاونة كبيرة لعاصم الحداد الرجل القوى أكثر من اللازم فى مؤسسة الرئاسة الإخوانية. عاصم شلبى قال أكثر من مرة فى اجتماعات عامة إن الثقافة لا تشكل حالة عاجلة أمام الإخوان. وأنها من الأمور المؤجلة. ولن يقتربوا منها الآن. عندما سألته عن السبب راوغ ولم يجبنى. كنت أعرف السبب، وكان غيرى من المثقفين المصريين يعرفون السبب. فوزارة الثقافة لا علاقة لها بالانتخابات المقبلة. وبالتالى يمكن أن تكون مؤجلة لفترة من الوقت قبل أن يقرروا الانقضاض عليها. لكن بعد القرار غير المعلن الذى اتخذ فى المستويات العليا بالجماعة إياها، سواء كانت مكتب الإرشاد أو المرشد نفسه أو أى تشكيلات أخرى ربما لا نعرف عنها أى شىء. هذا القرار يقضى بتأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى. بسبب تراجع شعبية الإخوان فى الشارع المصرى بصورة مذهلة. ولو أجريت انتخابات فى مصر - فى وقتها - لن يفوزوا بالأغلبية. قد تذهب الأغلبية إلى مجموعات السلفيين والجهاديين والاثنان ينطبق عليهما المثل الشعبى الذى يقال فى مصر: «ما أسخم من ستى إلا سيدى». ما إن قُبِلَت استقالة صابر عرب حتى بدأ البحث عن بديل له. نحن نعرف بشكل مؤكد الآن ثلاثة رفضوا قبول الوزارة. كان أولهم الدكتورة درية شرف الدين. المذيعة والإعلامية المعروفة، والتى تولت الرقابة على المصنفات الفنية فترة من الوقت. المرشح الآخر كان كُتُبيَّاً. يملك مؤسسة كبيرة وجرائد يومية. وقد اعتذر عن قبول الوزارة بسبب أن الوقت المتاح لهذه الوزارة لا يزيد على أربعة أشهر. لن يتمكن فيها من القيام بأى عمل يمكن القيام به لإصلاح أحوال الثقافة المصرية. من بين الثلاثة الذين عرضت عليهم الوزارة. فإن درية شرف الدين الوحيدة التى صرحت للإعلام باعتذارها عن عدم قبول وزارة الثقافة. أما المرشحان الثانى والثالث فلم ينطق أى منهما بكلمة واحدة. إن فصول محاولة الجماعة إياها القفز على حُكم البلاد يجب أن تُدوَّن، خاصة من الذين عاصروا تلك الأيام، وكانوا جزءاً من المشهد العام فى ذلك الزمان، فكل المثقفين وقفوا مع الدولة المصرية فى مواجهة الجماعة المندسة والمُخرِّبة، وحرموها من أن يكون لها أى دور فى حُكم البلاد. أصل المشكلة أن من وقفوا ضد الجماعة من المثقفين المصريين ومُعظمهم موجودون الآن لا يلجأون إلى كتابة شهاداتهم عما جرى. وإن كنتُ قد لاحظت أن جريدة الوطن خصصت سلسلة مقالات للمحامى المعروف ثروت الخِرباوى عنوانها: الإخوان والقبض على الهواء، وللبرلمانى المعروف محمد عبد العزيز أحد مؤسسى حركة تمرد، وهما يقدمان شهادتين مهمتين عن محاولة الإخوان اختطاف حكم البلاد. وهى المحاولة التى فشلت لأن الشعب المصرى رفض ذلك بشكل مبدئى ومُطلق. إننى أدعو جميع من عاصروا تلك الأيام إلى محاولة تدوين ما جرى فى مصر لأن الخطر ما زال قائماً، وإن كانت الدولة الراهنة تقف خلف قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى وقفة رجل واحد.