كل عام وأنتم بخير.. اليوم أول أيام عيد الأضحى المبارك أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الحبيبة بالخير والبركة، لكل منا ذكريات الطفولة والصبا والشيخوخة مع خروف العيد، ذكريات ظلت مختزنة نرويها لأبنائنا وأحفادنا لندلل كم كانت أضحية العيد رخيصة مقارنة بالأسعار الفلكية التى نسمعها اليوم ، ونقدم لقراء كنوز فلاشات سريعة مصورة من خلال ما نشر فى سنوات متفرقة بعدد من المجلات الفنية والاجتماعية عن شراء نجوم الزمن الجميل للأضحية التى سيتم نحرها بعد صلاة عيد الأضحى، وكل منهم حرص على أن يدعو الصحف والمجلات لكى تلتقط له صورة للذكرى مع خروف العيد، فها هى لقطة طريفة للفنانة سامية جمال وهى تعاين الخراف قبل أن تشترى واحدا منها وتضحى به بعد أن تلتقط لها الصحف صورة تذكارية معه، وها هى صورة طريفة أخرى لشحرورة لبنان الفنانة صباح التى جملت خروفها بنفسها وأقامت على لحمه الطرى اللذيذ وليمة لصديقاتها الفنانات وأصدقائها الفنانين، والتقطت المجلات الفنية صورة طريفة أخرى للفنانة مديحة يسرى وهى تداعب خروفها قبل أن يتم التضحية به. والتقطت مجلة «الفن» صورة طريفة للفنان أحمد مظهر وهو يمتطى الخروف باعتباره فارسا محترفا لترويضه والسيطرة عليه، أما المنولوجست محمود شكوكو فقد صنع لخروفه ملابس الاراجوز وجلس أمامه يجرى معه حوارا يتسم بالمرح والفكاهة، وتكشف الصور الكثيرة التى التقتطها عدسات مصورى المجلات والصحف عن صورة طريفة للفنان الكوميدى عبد الفتاح القصرى وهو يعاين جاموسة صغيرة ليشتريها من البائع ويضحى بها فجر يوم العيد، والتقطت صورة طريفة أخرى لسيدة الغناء العربى أم كلثوم وهى تطعم بنفسها جاموسة ضخمة اشترتها لتضحى بها وتوزع لحمها صباح يوم العيد على أهل قريتها وقد تعودت فعل ذلك فى كل عيد أضحى، وجلست الفنانة شادية لتعاين أحد الخراف التى ستشتريها وتضحى بها وتخصص خروفا منها لتوزيع لحمه على أفراد أسرتها وأقاربها وجيرانها وبواب العمارة . وهناك لقطة طريفة نشرتها مجلة «الكواكب» للنجمة لبنى عبد العزيز وهى تحتضن بحنان ورقة الخروف الذى اشترته لتلتقط معه صورة تذكارية، وروى النجم عمر الشريف لمجلة «الموعد» الموقف الذى لا يغادر ذاكرته مع خروف العيد عندما حاول مداعبته واللعب معه قبل أن يتم التضحية به وعندما حاول الإمساك بقرونه ليركب على ظهره هاج الخروف وماج وجرى به ثم أسقطه من فوقه على الأرض وضحك كل من كان فى المكان، وللموسيقار الحزين فريد الأطرش أكثر من لقطة مع خروف العيد الذى كان يقيم به ولائم بالكرم العربى فى العيد وقال إنه من هواة أكل الكرشة والفشة واللسان والطحال ولحم رأس الخروف، وللفنانة كريمان لقطات كثيرة مع الخروف الذى كانت تعامله وكأنه واحد من الأسرة وعندما يحين التضحية به كانت تترك البيت لأنها لم تكن تقوى على رؤية الدم، واللقطات كثيرة لنجوم الزمن الجميل مع خروف العيد قبل أن يعرف العالم تقنية لقطات «السيلفى».. والمساحة لا تكفى استعراضها كلها، كل أضحى وأنتم بخير ولا تنسوا أن يفيض كرمكم فى هذا العيد المبارك على البسطاء والمحتاجين. ورطة الساخر محمد عفيفى مع باعة الخراف كانت فكرتى عن الطريقة التى أشترى بها خروف العيد هى أن أنتظر حتى أرى رجلاً سارحاً بعدد من الخرفان فأقول له : « يا بتاع الخرفان .. أوزن لى الخروف اللى هناك لو سمحت !» ولكنه لم يكن متاحاً لى أن ألجأ إلى هذه الطريقة من ناحية لأن الحى الذى أسكن فيه لا يسرح فيه الرجال بالخرفان، ومن ناحية أخرى لما حدثنى به أهل العلم من أن الرجل العاقل لا يشترى الخراف التى يسرح بها الرجال لأنها خرفان رديئة، فقلت لهم : « آمّال الراجل العاقل يا أهل العلم بيشترى خروفه ازاى ؟ » .. فقالوا : « يذهب إلى المذبح برفقة واحد منهم حيث ينتقى بمساعدته خروفا مناسبا فيدفع ثمنه ويذبحه ويسلخه ويوضبه ويعود به إلى المنزل فرحاً مرحاً فخوراً به »، فقلت عاملا بالنصيحة : « على خيرة الله .. ياللا بينا » . سحبنى واحد منهم إلى المذبح وأجلسنى فى قهوة بلدى مع تاجر خرفان ملطخ الجلباب بدماء بضاعته ! أحضروا لنا ثلاثة خرفان لنتخيرضحيتنا، أحدها بنى اللون كبير القرنين، والثانى رمادى متوسط القرنين، والثالث غير ذى قرنين وغير ذى لون، فكنت فى صف الخروف الرمادى بسبب ما ميزته أذنى فى مأمأته من نغمة خفيفة ! لكن مندوب أهل العلم بشئون الخرفان قال لى : « إن هذا الخروف هو أسوأ الخرفان الثلاثة والرجل العاقل لا يجوز له أن يتخير خروفه على أساس من الاعتبارات الموسيقية، وانتهى زميلى من فرز الخرفان الثلاثة حتى وقع اختياره على الخروف الأقرع ! .. قائلاً : « الفروة موش مهمة لأنك طبعا حتاكله من جوه » ! فهززت كتفى فى استخفاف قائلا : « أنت أدرى »، ووزنوا الخروف ودفعت للتاجر مبلغا أوجعنى، وبانتهاء عملية الشراء احضروا لنا جزاراً يتصبب بدلا من العرق دماً، وأوصوه أن يأخذ باله من « البيه» ويذبح له الخروف كويس، وكان من رأيى أن يذبحه حيث جلسنا ولكن الجزار لسبب لا أعرفه صمم على أن يذبحه فى منزله ! فسألته : « هو البيت بعيد ؟ »، قال : « لا ده خطوتين »، فنهضنا وبدأ الجزار رحلتنا، ومندوب أهل العلم وأنا والخروف الذى يقدم رجلاً ويؤخر توطئة لأن يثبت فى مكانه ويرفض السير رفضاً باتاً، فلو كانت له قرون لجذبناه منها ولو كانت له فروة لجذبناه منها، ولكن ماذا تصنع بخروف عديم الفروة والقرون ؟ لذلك أخذ الجزار يدفعه من مؤخرته قائلاً لى فى سآمة : - « قول له « ور» يا بيه عشان يمشى» فقلت : « ور»، لما كنت مشتركاً معه فى تلك الرغبة، فقد بسطت ذراعى فى استسلام وقلت للخروف : « وِرّ » يا سيدى .. «وررر» .. «ورررر »، ففهم اللعين الكلمة وسار نحو عشر خطوات قبل أن يتوقف من جديد، كأنه يريد أن يفهمنى أن الحكاية موش فوضى، وأنه ليس من الخرفان التافهة التى تسير أكثرمن خمسة أمتار ب « ور » واحدة، فخضعت للأمر الواقع ورحت أقولها وأعيدها أنا ومندوب أهل العلم فى حين يتولى الجزار عملية الدفع من الخلف، ذلك المنظر الذى أعجب نصف دستة من الصبية فانضموا إلينا وكلما توقف الخروف يقولون : «وررر».. وكلما سار يصفقون : هييه ! واستمرت تلك المظاهرة إلى بيت الجزار الذى اتضح أنه على بعد نحو كيلو متر الأمر الذى يدلك على النسبية التامة فى مسألة تحديد المسافات !. وكيفما يبدو لك أنت الرجل العادى كيلو متراً، لا يبدو خطوتين اثنتين بالنسبة للجزار، وإلى هنا أرجو أن تأذن لى بالتوقف عن الكتابة إذ إن ثمة رائحة شواء ذكية تصل إلى أنفى من حجرة المائدة وأعتقد أنك توافقنى على أنه إذا كان الكلام عن الخرفان محبباً إلى النفس فإن أكلها بالنسبة للرجل العاقل على الأقل أحب من ذلك بكثير ! محمد عفيفى من كتاب «ابتسم من فضلك» فلسفة خروف «الحكيم» ! أتجنب دائماً رؤية خروف العيد حياً قبل العيد، وأتحاشى أن أدنو منه أو ألاطفه أو أعقد بينى وبينه أواصر صحبة أو مودة، خشية أن تمضى ساعات فإذا هو أمامى مشوياً، وقبلها تطالعنى نظراته وأتخيل معانى هذه النظرات العميقة التى تنبعث من عيون هذه الحيوانات الوادعة الأليفة، وأتخيل الحديث الذى يمكن أن يدور بينى وبين هذا الخروف لو أنه منح القدرة على الكلام : أراه يقول : لماذا صنعتم بى هذا ؟ فأقول : لمجدك الأدبى . يبادرنى بسخرية : مجدى الأدبى بهذا الذبح والسلخ مرة فى كل عام على مدى الدهور والأيام ! فأكدت : نعم، هو مجدك الذى ينبغى أن تتيه به وتفخر وتزهو على غيرك من الحيوان ! دمك يراق من أجل فكرة، وحياتك تضحى فى سبيل عقيدة ! فقال بحزن : آه للإنسان ما أبرعه فى إلباس صغير الأفعال برائع الثياب ! فقلت : نعم، هنا مفتاح سمونا وسر عظمتنا ! فقال بآسى : وهنا الفرق بيننا وبينكم. فبادرته : نعم، كل الفرق . فسخر قائلا : أن الغرائز السفلى ما زالت هى الناموس الأعظم لنا ولكم، ولم تستطيعوا مع قدرتكم وقوتكم أن تخرجوا عن نطاقها قيد أنملة . فقلت : ولن نخرج ! فقال غاضبا : إنما كل عملكم أن تضعوا على حقائقها العارية رداء، كما وضعتم على أجسامكم العارية لباساً، نحن العارون جسداً وروحاً، وأنتم الكاسون جسداً وروحاً، أما بعد ذلك فلا اختلاف بيننا وبينكم. فهززت رأسى وأنا أقول: هذا صحيح يا سيدى الخروف! توفيق الحكيم «الرسالة » 30 يناير 1939 تذكار الخروف على جبهة «محفوظ» روى الكاتب الكبير محمد سلماوى فى مقال له بالزميلة «الأهرام» حكاية أديب نوبل نجيب محفوظ مع صديق طفولته «الخروف» قائلا: «فى حى الجمالية بالقاهرة القديمة نشأت علاقة صداقة وطيدة بين خروف العيد الذى أمضى عدة أسابيع فى بيت إحدى عائلات منطقة بيت القاضى وبين الابن الأصغر لتلك العائلة، وقد كان هذا الابن طفلا صغيرا يدعى نجيب محفوظ، وهو الذى روى لى بعد ذلك بعشرات السنين أنه كان يطعم الخروف كل يوم، وكان يلهو معه وكأنه حيوان أليف سيمضى بقية حياته فى البيت، فتعود على وجوده وصار يعود من المدرسة فيصعد إلى السطح ليطمئن على الخروف وعلى أكله ، ثم يقوم بفك وثاقه ليلعب معه إلى أن يتنبه والداه لغيابه فينزلانه إلى البيت لكى يبدل ملابسه ويتناول طعامه ويقوم بواجباته المدرسية. وكان الطفل يفعل كل ذلك ثم يصعد مرة أخرى إلى صديقه فوق السطح يلهو معه من جديد قبل النوم، ولذلك فقد كان ذبح الخروف بالنسبة للطفل نجيب محفوظ عملية قاسية على نفسه لم تقبلها طفولته البريئة فامتنع عن أكل لحمه، وروى بخفة ظله المعهودة أن حزنه على الخروف المذبوح سرعان ما كان يتبخر عندما تبدأ تتهادى رائحة الشواء فتملأ البيت، وروى قصة الندبة التى تركها له الخروف الراحل بأحد قرنيه على جبهته الصغيرة أثناء لعبهما معا، وقد وصفها الأستاذ نجيب بأنها كانت بمثابة بطاقة معايدة من الخروف. ويقول نجيب محفوظ فى كتاب «أنا نجيب محفوظ» للكاتب إبراهيم عبد العزيز، أنه حضر فى طفولته عيد الأضحى فى أكثر من مكان، فى حى الجمالية الذى ولد به، ثم فى حى العباسية، وحضره فى الكبر فى انحاء متفرقة من القاهرة والإسكندرية، ثم فى حى العباسية، ويبقى فى ذهنه ذكريات المشاهد المبهجة للعيد التى كان يشاهدها من خلف مشربية شبابيك البيت، ولا ينسى ذبح الاضاحى بعد صلاة العيد بميدان بيت القاضى المليء بأشجار « ذقن الباشا »، ولا ينسى الجنيه الذهب الذى كان يأخذه من والده فى العيدية ويتذكر عندما كان يذهب مع والده لشراء بدلته التى كانت تبيت فى حضنه حتى صباح أول أيام العيد . خراف أحمد رجب ومصطفى حسين قبل قدوم عيد الأضحى المبارك وحتى تنتهى أيام العيد يظل خروف العيد هو البطل الرئيسى فى المشهد الكاريكاتيرى بالصحف والمجلات، ليس فى مصر وحدها إنما فى كل الصحف العربية، ليبقى الكاريكاتير منحازا فى بعض الرسومات للخروف الذى سيتم التضحية به، أو لإسقاط آخر من رسامى الكاريكاتير على واقع أسرى واجتماعى، ومن بين آلاف رسومات الكاريكاتير نتخير للعبقرى الراحل مصطفى حسين رسم نشرته « الأخبار » ربط فيه مصطفى حسين بين الزوجة التى تتفحص زوجها بنظرة لها دلالة فى عيد الأضحى تجعل الزوج الذى يشبه فى تقاطيع وجهه ملامح مشتركة مع الخروف فيبادرها فى شك وريبة قائلا: «نظرتك كده ما تطمنش.. بتفكرى فى إيه يا ولية؟».. وفى كاريكاتير آخر تجرى خلاله المذيعة مقابلة فيقول لها: «كما أهدى خالص تحياتى للشعوب المحبة للدجاج».