الكثيرون منا تعاملوا مع تغيرات المناخ، على أنها مجرد مورد رزق لخبراء، وجدوا فيها فرصة للتنظير مقابل أجر، فأخذوا يتحدثون عن مشكلات كبرى، اعتقدنا نحن البشر العاديين، أنه لن يصيبنا منها إلا موجات حرّ شديد، يباغتنا كضيف غير مرغوب فيه خلال شهور الشتاء، لكن الطبيعة قرّرت أخيرا أن تُفرج عن شراستها، لتُثبت لنا أنها تستطيع أن ترد على استفزازنا، فأصبحنا نقرأ عن انهيارات جليدية قد تلتهم قرية فى أوروبا، وبشر يموتون من شدة الحرارة فى بلاد الثلوج، غير أنها المرة الأولى التى نواجه فيها خطر التقلبات الجوية الحادة وجها لوجه. عاشت الإسكندرية ليلة رعب، وهى المرتبطة فى ذكرياتنا بليالى الحب، والغريب أن يحدث ذلك فى شهر مايو، الذى خدعنا بجرعات مكثفة من الحرّ، ثم فاجأ عروس البحر وأهلها بليلة عاصفة، مزجت العواصف والأمطار الغزيرة بكرات الثلج، لنكتشف أن البشر لا يحتكرون موهبة الجمع بين المتناقضات. حالة الفزع الشديدة جعلت البعض يصفون ما جرى، بأنه «بروفة يوم القيامة». قد نبتسم ساخرين من المبالغة، وننتقد الربط غير المنطقي، الذى يحيلنا إلى التفسيرات الدينية المعتادة للكوارث، لكن من عاش ساعات الفزع هو وحده من يمتلك حق توصيفه. عموما، يبدو أن الطبيعة خلعتْ رداء رحمتها، وهاجمتْنا بمنخفض جوى مفاجىء بالغ الهشاشة، ظهر الخبراء بعده ليتحدثوا عن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، وصِرنا أكثر تفاعلا مع كلماتهم، خاصة عندما توقعوا أن هذه الظاهرة لن تكون الأخيرة، بل ستتكرر مستقبلا بصورة أشد عنفا!! ولأن المفاجآت لا ترتبط بمكان أو زمان، فكل شِبر على الكوكب مُهدد بخطر يليق به، لندفع ثمن خطايانا، ليس وفقا للمفاهيم الدينية التى اعتاد البعض ترويجها مع كل زلزال أو إعصار، لكن المقصود جرائم بنى آدم فى حق البيئة، التى تنوّعت مساهمات كل منا فيها، بين مخالفة عابرة وجناية كُبرى، وفى النهاية قرّرت الطبيعة أن تعاقبنا بالجُملة، ورفعت شعار: «السيئة تعمّ»!